يتخوف الدكتور لطفي المرايحي، أخصائي الأمراض الرئوية، وأمين عام حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري (اشتراكي) من استمرار عرض الكمامات والمطهرات غير الأصلية للبيع في السوق الموازية، مع تزايد الطلب عليها للوقاية من العدوى بفيروس كورونا سريع الانتشار، كما يقول لـ"العربي الجديد".
خوف المرايحي له ما يبرره، إذ تكشف عدة وقائع عن تزايد نشاط التلاعب بسوق مواد الوقاية من كورونا، من بينها ما كشفت عنه وحدات حفظ الصحة التابعة لوزارة الصحة التونسية من ضبط 45 ألف كمامة، و160 ألف قفاز منتهية الصلاحية في منزل بمدينة سوسة الواقعة بالوسط الشرقي للبلاد، في 9 مارس/آذار وفق ما أكده سمير الورغمي مدير إدارة حفظ الصحة لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن الكمامات المخزنة في صناديق وجدت، بتواريخ منتهية تم تغييرها لإعادة ترويجها، رغم أنها تعود إلى العام 2014 وقد مال لونها إلى الأصفر جراء ظروف الخزن السيئة والرطوبة التي تتسبب في تلف هذه المنتجات.
إلى جانب ما سبق، ضبطت الإدارة العامة للديوانة (الجمارك) 41 ألف كمامة مهربة، في منزل بمنطقة بسكرة الواقعة بالضاحية الشمالية لمدينة تونس بعد تلقيهم معلومات عن وجود شبكة تعتزم تهريب كمامات طبية غير خاضعة للرقابة الصحية إلى تونس عبر الحدود مع الجزائر في 8 مارس/آذار وفق تأكيد سلمى قلمون، المكلفة بالإعلام في الديوانة لـ"العربي الجديد".
تعمل مصانع تونسية عشوائية، على إنتاج الكمامات، دون امتلاكها تراخيص صحية وقانونية، إذ كشف محمد بوستة رئيس فرقة الشرطة البيئية ببلدية قفصة وسط غرب تونس لـ"العربي الجديد" عن ضبط مصنع عشوائي لصناعة الكمامات في حي النور الشعبي بقفصة في 11 مارس، مشيراً إلى حجز مواد أولية مخصصة لصناعة الكمامات، وإرسال عينات منها للتحليل مع إيقاف نشاط المصنع.
ويزداد الإقبال على مستلزمات الوقاية من كورونا مع إعلان الدولة عن المزيد من الإصابات بالفيروس المستجد، إذ أعلن وزير الصحة عبد اللطيف المكي عشية الخميس 26 مارس، عن تسجيل 31 حالة إصابة مؤكدة جديدة بفيروس كورونا ليصل الإجمالي إلى 204 مصابين.
وفي غياب آلية تضبط بيع وترويج الكمامات الطبية في تونس في ظل الإقبال الكبير عليها، لا يمكن التحكم في مسالك الترويج ووضع حد للمضاربين وفق إفادة نائب رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة نوفل عميرة، والذي قال لـ"العربي الجديد"، إن الكمامات والمطهرات التي تباع عشوائياً لا فاعلية لها، ولن تحمي من أي فيروسات، بل قد تكون وراء تسرب الفيروسات، لأنها لا تخضع لأي رقابة عند التصنيع ولا تعرف المواد التي استعملت في صناعتها، علماً أنّ المواد المستعملة في الكمامات تخضع لشروط ويجب أن تتكون من 3 طبقات عازلة، إحداها في الوسط تعمل على الترشيح عبر "فلتر" لتصفية وتنقية الهواء، ومنع تسرب الفيروسات إلى الأنف.
ومثل هذه الكمامات الطبية تباع في القطاع العمومي بعد مرورها على لجنة تحلل عينات من المنتج ولا تقبل أي صنف مغشوش وفق ما يقول الدكتور سمير عبد المؤمن رئيس قسم الطب الاستعجالي وعضو خلية مجابهة فيروس كورونا بوزارة الصحة التونسية لـ"العربي الجديد". ويدعم الدكتور المرايحي ما ذهب إليه عبد المؤمن قائلاً: "يجب منع بيع الكمامات والمطهرات في الأسواق الموازية، بسبب خطورة عملية تصنيعها وقد تكون غير ناجعة".
لكن بعض المحلات التجارية، تنافس الصيدليات في بيع مواد شبه طبية بحسب عميرة، قائلاً إن هذه المحلات لا يمكن مراقبتها من قبل وزارة الصحة، لأنها تابعة لوزارة التجارة، وهو ما أدى إلى الفوضى المسجلة في هذا القطاع، مؤكداً أنه لا يمكن تتبع الكمامات والمطهرات منتهية الصلاحية طالما لم يؤشر عليها صيدلي، ولا تباع في الصيدليات.
وأكد عميرة أن الصيادلة سبق وأن صاغوا مشروع قانون يتعلق بالأقنعة والكمامات والمستلزمات الطبية، ولكنه لا يزال في رفوف وزارة الصحة ولم يفعّل، مشيراً إلى أن كل وزير جديد يرجئ النظر فيه، ولا يعرفون السبب، باستثناء أن هناك أطرافاً تدفع إلى ذلك خدمة لمصالحها كما يقول.
يؤكد المدير العام للمنافسة والأبحاث الاقتصادية بوزارة التّجارة ياسر بن خليفة، أن: "فرقاً رقابية تقوم بحملات يومياً، لوضع حد للمضاربين والباعة العشوائيين".
وتابع: "تم حجز 41800 كمامة طبية واقية، في مستودعين عشوائيين بمنطقة أريانة بالعاصمة تونس في 28 فبراير/شباط، لكونها خزنت بطريقة عشوائية بعد تهريبها من الصين، بهدف المضاربة بها، لكن التحاليل الطبية أثبتت أنها صالحة للاستعمال ولهذا تم تسليمها إلى وزارة الصحة للتصرف فيها في إطار الحملة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا".
ويوجد 3 أصناف من الكمامات في تونس، الأول FFP1 التي تستعمل للمشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا، والثاني FFP2 ويستعملها الفريق الطبي الذي يقوم بالإسعافات ويعالج الحالات المصابة بالفيروس وتمتاز بنوعيتها الجيدة وهي ذات صلاحية أطول، وكمامات تستعمل أثناء إجراء التحاليل على المصابين وتسمى FFP3 وهي الأكثر قدرة على الحماية وتستعمل عند الاقتراب من المريض، وفق الدكتور عبد المؤمن.
يعود الغش في المطهرات وخاصة معقم اليدين المنتشر في الأسواق الموازية، إلى سهولة تحضيرها، وتركيبتها غير المعقدة، إذ تتكون من كحول وبعض المركبات كالجلسرين ويمكن لأي شخص صناعتها عشوائياً من خلال الحصول على المكونات والمقادير من شبكة الإنترنت وهو ما يفسر انتشارها في بعض المسالك غير الرسمية بحسب الدكتور المرايحي، مؤكداً أن سوق المضاربات واحتكار المنتجات يتغير بحسب العرض والطلب.
وتتكدس مواد تنظيف وتعقيم مجهولة المصدر في شارعي شارل ديغول ونهج إسبانيا وسط إقبال كبير من المارة، وفي جولة ميدانية لمعدة التحقيق في سوق سيدي بومنديل الشعبي بالعاصمة، وجدت معقم "إليت" مستورد الصنع تباع العلبة الواحدة منه بـ 10 دنانير تونسية (حوالي 3.5 دولار أميركي)، وهو سعر مرتفع لأنها كانت تباع بنصف هذا الثمن وفق شهادات 3 مواطنين، فيما ارتفعت أسعار الكمامات في بعض الصيدليات، إذ أن القطعة التي كانت تباع بـ 200 مليم مثلاً أصبحت تباع بعد ظهور فيروس كورونا بسعر يتراوح بين 700 مليم و1500 مليم (حوالي نصف دولار).
وبسؤال مدير إدارة حفظ الصحة عن بيع معقم اليدين في الأسواق الموازية، لفت إلى أن هذا الأمر ممنوع وفي حالة ضبط أي كميات سيتم حجزها ومصادرتها، لأنها لم تخضع إلى أي رقابة، مبيناً أن المطهرات يجب أن تخضع إلى تحاليل في مخابر مختصة والتثبت من فعاليتها ونجاعتها في القضاء على الجراثيم. وقال إنه سيكلف فريق إدارته للانتقال إلى عين المكان وحجز أي كميات سيتم العثور عليها.
وتلقت إدارة حفظ الصحة، في 10 مارس، شكوى تشير إلى أن مصنعين بتونس العاصمة بصدد تصنيع مطهرات لليدين مخالفة لمواصفات التصنيع القياسية وتفتقد إلى التركيز المناسب من الكحول الإيثيلي والذي من المفترض ألا يقل عن نسبة 70% وبالتالي لن تكون لها أي جدوى في التطهير وفق الورغمي، مؤكداً أنه تقرر زيارة هذا المصنع من أجل الوقوف على الطريقة التي يصنع بها هذه المطهرات، وسيتولى مخبر مراقبة الأدوية التابع لوزارة الصحة تحليل عينات منها، والتثبت في مدى نجاعتها.
ويقتني بعض التونسيين كميات من المطهرات تزيد عن حاجياتهم بهدف تخزينها. وهو ما تسبب في اضطراب مسالك التوزيع وشجع العديد من التجار على الاحتكار والمضاربة ورفع الأسعار وفرض البيع المشروط، بحسب ما يقوله سليم سعد الله رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك غير الحكومية لـ"العربي الجديد"، مشدداً على اقتناء الكمامات من الصيدليات ومطهرات غسل اليدين من الفضاءات المخصصة لها وتجنب التي تباع في الأسواق الموازية لأنها غير مراقبة واستعمالها غير مجد، بل قد يكون مضراً طالما أنّ مكوناتها مجهولة.
وأدى الإقبال الكبير على الكمامات والمطهرات إلى حدوث اضطراب في توزيعها ونفاذها من عديد الصيدليات وفق عميرة، مشيراً إلى أن الصيدلي هو الحلقة الأخيرة في مسالك التوزيع مبيناً أنّ سعر العلبة التي تحتوي على 5 كمامات وصلت إلى 37 دينار تونسي (حوالي 13 دولاراً أميركياً) بعد أن كان سعرها قبل تفشي كورونا لا يتعدى 3 دنانير (دولار واحد).
وعلى وقع ما سجلته مصالح وزارة التجارة من ارتفاع مُشط في أسعار المطهرات ومستلزمات أخرى شهدت إقبالا مكثفا، توقياً من فيروس كورونا، فقد تقرر في الـ 13 من مارس الجاري تحديد أسعارها كما يقول بن خليفة.
توجد في تونس 4 مصانع، في مدينة باجة شمال غرب، وتونس العاصمة، مختصة بصناعة الكمامات. لكن الكميات المصنعة محلياً لا تغطي السوق المحلية، ولذلك يتم اللجوء إلى الاستيراد وفق تأكيد المكلفة بالصيدلة والدواء بوزارة الصحة، الدكتورة نادية فنينة لـ"العربي الجديد"، مشيرة إلى أن الكمامات تصنف ضمن المواد شبه الطبية وترويجها يختلف عن الأدوية، وبالتالي يمكن للمصنّع توزيعها مباشرة على الصيدليات وعلى باعة الجملة أو التفصيل أو محلات المواد شبه الطبية.
وسارعت الصيدلية المركزية الحكومية في وضع مخزون إستراتيجي من الكمامات الصحية عن طريق المزودين المحليين واقتنت جزءاً آخر عن طريق الاستيراد، بحسب ما قاله خليل عموص المدير العام لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أنّ الصيدلية المركزية تقتني أسبوعياً كميات هامة من الكمامات تفي بالاحتياج المحلي.
ويتم التثبت عند الشراء من خلال إخضاع عينات من الكمامات المستوردة للتحليل، لمعرفة ما إذا كانت صالحة للاستعمال وقادرة على منع تسرب البكتيريا والأمراض الفيروسية التي تنتقل عبر الهواء إلى الإنسان. ويقول عموص أن الصيدلية المركزية لم تكن في السابق تستورد الكمامات، إذ أن توريدها كان يقتصر على القطاع الخاص فقط، ولكنها تدخّلت على ضوء ظهور فيروس كورونا من أجل توفير مخزون إستراتيجي ولتعديل السوق الوطنية، وضمان انتظامية التزويد، وكانت ذروة الطلب مع الإعلان عن أول إصابة في تونس في 2 مارس، مبيناً أنه يتوقع انخفاض الطلب تدريجياً على الكمامات.