يشتكي رئيس نقابة الصيادلة الخواص مسعود بلعمبري، من ندرة حادة في الكمامات لدى الصيادلة في الجزائر بدأت منذ آخر أسبوع لشهر فبراير/ شباط 2020، ويقول بلعمبري إن النقابة، تلقت أنباء عن قيام عدد من التجار والمضاربين بتهريب الكمامات وأجهزة قياس الحرارة إلى فرنسا بواسطة حقائب السفر، وحتى عبر الطرود البريدية.
ويضيف : "الموزعون الأربعة الذين اعتدت التعامل معهم يؤكدون وجود أزمة حادة في التموين بالكمامات في الداخل، سواء تلك المستوردة من الصين أو حتى المنتجة في المصانع المحلية، التي لا يتعدى عددها أربع وحدات إنتاجية صغيرة"، وتابع قائلا لـ"العربي الجديد":"بعدما كنا نقتني ما متوسطه 400 كمامة أسبوعيا لكل صيدلية، بتنا لا نستطيع الحصول إلا على 50 قطعة، 20% منها يمكن أن تقي من فيروس كورونا، تباع في بضعة ساعات، في حين تكرر إبلاغ عدد من الصيادلة عن قدوم بعض الأشخاص للصيدليات طالبين اقتناء كمية كمامات تتجاوز 300 قطعة أو أكثر".
تفاقمت أزمة الكمامات في الجزائر بعد ثبوت تهريبها إلى الخارج، وتحديدا فرنسا ودبي لتمرّر من الإمارات العربية المتحدة إلى الصين في ظل غياب رحلة جوية مباشرة يومية بين الجزائر وبكين، حسب ما قاله مسؤول الاتصال بالمديرية العامة للجمارك جمال بريكة لـ"العربي الجديد".
وأحبطت الجمارك الجزائرية محاولة تهريب 13 ألف كمامة خلال الفترة الممتدة من 5 إلى 13 مارس/ آذار 2020، منها 4 آلاف كمامة نحو باريس كانت بحوزة مغترب جزائري، قام بدسها داخل أمتعته الخاصة، وكذا 1400 جهاز لقياس درجة الحرارة، و1700 كمامة كان تاجر جزائري بصدد تهريبها من ولاية وهران غرب الجزائر إلى باريس عبر مطار أحمد بن بلة.
وإضافة إلى ذلك، تم إحباط تهريب سبعة آلاف كمامة من مطار هواري بومدين في الجزائر العاصمة من طرف عدد من المسافرين، منها ما كان موجها لفرنسا وأخرى لدبي في الإمارات العربية المتحدة، وكمامات كانت بحوزة صينيين غادروا الجزائر، يقول جمال بريكة موضحا أن هذه الكمامات يتم تهريبها إما عبر الأمتعة الخاصة للمسافرين داخل الحقائب أو حتى عبر الطرود البريدية، ما دفع الجمارك إلى تشديد الرقابة على المداخل الشرقية والغربية والموانئ والمطارات الدولية لمنع خروج الكمامات نحو دول أخرى، بناء على تعليمات وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات المرسلة لوزير المالية وإدارة الجمارك بتاريخ 27 فبراير/ شباط 2020 تحت رقم 139"، والتي تمنع تصدير الكمامات لمنع تسجيل أي ندرة في السوق، مضيفا "كل من يحمل كميات تفوق الاستعمال الشخصي للكمامات يتم مصادرتها منهم بعد ثبوت تورط عدد من الأشخاص في تحويل كميات كبرى منها للبيع في الخارج.
ورغم أن الأرقام المضبوطة قليلة إلا أنها تعبّر فقط عن حجم العمليات التي تم إحباطها، بعد صدور تعليمات وزارة الصحة، في حين أن السوق الجزائري جرى إفراغه من مواد الوقاية من كورونا عبر المهربين، وفق ما يقوله رئيس جمعية حماية المستهلك مصطفى زبدي.
ارتفع سعر الكمامات لدى موزعي المواد شبه الصيدلانية بشكل ملفت للنظر، بحسب ما قاله محمد اسماعيل مالك "ميديكال كورنر" لتسويق المنتجات شبه الصيدلانية ببلدية حسين داي وسط الجزائر العاصمة، والذي رفض التزود بهذه المنتجات منذ عشرة أيام، ويقول اسماعيل "أرفض إعادة بيعها بسعر خيالي، إذ تضاعف ثمنها في ظرف عشرة أيام 12 مرة لدى بعض المحلات، وقفزت أسعارها من سبعة دنانير إلى 85 دينارا (0.69 دولار)، في حين أن الكمامات المتضمنة مرشح هواء والواقية من فيروس كورونا تضاعف سعرها أيضا عدة مرات ليصل ثمنها إلى 300 دينار (2.43 دولار) بعدما كان بـ 100 دينار (0.81 دولار)، كما يتحدث محمد عن ارتفاع سعر المعقمات التي تجاوزت 190 دينارا (1.54 دولار) في بعض المحلات، بعدما كان ثمنها قبل تسجيل أول حالة كورونا في الجزائر بتاريخ 25 فبراير/ شباط 2020 لا يتعدى 70 دينارا (0.57 دولار).
اختفت الكمامات من الصيدليات لكنها متوفرة عبر فيسبوك، وفق ما وثقته معدة التحقيق عبر محادثات مع خمسة تجار ومضاربين ويعلنون عن بيع الكمامات الطبية الواقية من "كوفيد 19"، وكمامات جراحية عادية ومطهرات كحولية، منهم وسطاء يقتنونها من المستورد مباشرة، ويحتكرون البيع في صفحات التواصل الاجتماعي بأسعار مضاعفة بعيدا عن رقابة وزارتي الصحة والتجارة، وآخرون يقتنونها من الصيدليات أو كبار التجار ويرفعون هامش الربح، وهو ما يقف وراء ندرة حادة بالكمامات الطبية بمختلف أشكالها في الجزائر، وفق ما رصدته جمعية حماية المستهلك.
ويبدي كبار المضاربين استعدادهم لتوفير كميات تصل إلى 50 ألفاً و100 ألف كمامة، بأسعار مرتفعة تعادل 37 دينارا (0.30 دولار) من الكمامات العادية غير الواقية من الفيروس، وتنخفض الأسعار كلما ارتفعت الكمية عن 100 ألف وحدة، وهي كمامات قادمة من مصنع تركي مرسلة عبر شركة شحن بحري، تكفّل تاجر جزائري باستقدامها وإعادة بيعها عبر فيسبوك.
ويقتني تجار كميات من الكمامات عبر فيسبوك لمعاودة بيعها بسعر أعلى للمستهلكين، وهو ما يجعل سعرها يتجاوز المائة دينار (0.83 دولار)، وفقا لما يؤكده مصطفى زبدي لـ"العربي الجديد". وتكشف محادثة بين معدة التحقيق وبائعة تعلن عن توفرها على كمامات واقية من نوع N95، أنها اقتنتها عن طريق معارفها ممن يشتغلون في الصيدليات، ويعبّر رئيس جمعية حماية المستهلك عن امتعاضه من هذه التجاوزات، ويؤكد أن الكمامة يجب أن تباع فقط عند الصيدلي، وتوزّع للمستشفيات من طرف الصيدلية المركزية للمستشفيات، قائلا إن هذه الشبكات الناشطة عبر صفحات التواصل الاجتماعي تسببت في خلق أزمة خانقة ورفع الأسعار بشكل جنوني، مؤكدا إيداع ملف كامل على طاولة وزارة الصحة للتحقيق في بزنس الكمامات وتجريم كل من يحتكرها، مضيفا "هذه التجاوزات خطر على الأمن القومي، ووزارة الصحة ملزمة بتجريم كل من يرتكبها"، وتابع "هناك 50 صفحة عبر فيسبوك تبيع الكمامات الطبية، ومنهم من يبيعونها إلى تجار وسماسرة ينقلونها إلى فرنسا، ويفرغون السوق الجزائرية منها".
لمواجهة هذه الأزمة دعا عضو مجلس الأمة، الغرفة العليا للبرلمان الجزائري، والنائب عن حزب جبهة التحرير الوطني (موال للسلطة) عبد الوهاب بن زعيم إلى استرجاع وزارة الصحة للكمامات المنتشرة في السوق والموجودة في أيدي الموزعين والصيادلة وتسليمها للصيدلية المركزية للمستشفيات التي ستكون الممون الوحيد للمستشفيات، ليتحصل فقط المريض أو المصاب حصريا على كمامة مانعة لانتقال فيروس كورونا من المستشفى الحكومي أو منطقة الحجر التي يوجد فيها إضافة إلى الطبيب أيضا والطاقم الطبي، من دون بقية الأشخاص، كما يضيف المتحدث، وهو ما سيمنع بشكل نهائي حسبه تهريبها لفرنسا أو غيرها من الدول.
وتسيطر على إنتاج الكمامات في الجزائر أربعة مصانع خاصة، في حين تحصي وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات ثلاث شركات استيراد للكمامات بمختلف أشكالها، وتتمثل البلدان المورّدة في الصين وتايوان وتركيا وماليزيا، حسب رئيس جمعية منتجي الدواء والرئيس المدير العام لشركة بيوفارم لإنتاج الأدوية "خاصة" عبد الوحيد كرار.
وتوجد في الصيدليات الخاصة والصيدلية المركزية للمستشفيات (مؤسسة عمومية) 15 مليون كمامة بمختلف الأشكال، منها حوالى مليوني وحدة في الصيدلية المركزية يمكنها الوقاية من فيروس كورونا، وأخرى موجهة للطاقم الطبي والعمال في المناطق والورشات، وفقا لما أكده كرار لـ"العربي الجديد".
ويعلّق المدير العام للصيدلية المركزية للمستشفيات طارق جعبوب، قائلا إن احتياطي الكمامات الموجود في السوق الجزائرية قادر على تغطية احتياجات السوق، لثلاثة أشهر، مع استئناف المصانع الإنتاج وتقديم طلبية لاستيراد المواد الأولية خلال أسابيع. وبالمقابل يطرح كرار عائق استيراد المادة الأولية، بعد توقف عدد من الدول المنتجة عن تموين السوق الجزائرية بسبب تضاعف الطلب العالمي عليها برفقة 26 نوعا من الدواء الموجهة للتخفيف من حدة وباء كورونا والإنفلونزا الموسمية.