لم يفلح الستيني العراقي كامل عبد المجيد، في إيجاد كمامات واقية من العدوى بفيروس كورونا المستجد بعد جولة طويلة شملت 20 صيدلية في منطقة الحرية الشعبية شمال غربي بغداد، إذ استغلّ تجار وموزعون يعملون في مجال بيع الأدوية والمستلزمات الطبية حالة الهلع من الفيروس المتفشي من أجل التلاعب بأسعار المستلزمات الطبية التي تصاعد الطلب عليها، كما يؤكد الصيدلاني هشام عايد لـ"العربي الجديد".
ومع إعلان دائرة صحة محافظة النجف جنوبي البلاد عن تسجيل أول إصابة بالفيروس في الرابع والعشرين من فبراير/شباط 2020، ازداد الطلب من قبل العراقيين على الكمامات والمعقمات لتخزينها، بسبب قلقهم من نفاد المخزون سريعاً في عموم الصيدليات، وفقاً لمصادر التحقيق.
وارتفع عدد الإصابات بفيروس كورونا في عموم العراق إلى 458 حالة، فيما توفي 40 شخصا، بينما شفيت 122 حالة وفق ما أعلنته وزارة الصحة في 27 مارس/آذار.
يتركز بيع الكمامات الطبية وأدوات الوقاية في ثلاث مناطق رئيسية وسط بغداد، وهي شارع الكندي بمنطقة الحارثية، ومنطقة الباب المعظم، وشارع السعدون، وتضم مراكز بيع المستلزمات الطبية هذه 60 مذخراً (مستودعات)، ومحال متخصصة في بيع المستلزمات الطبية من أجهزة وأدوات، وارتفعت أسعار الكمامات إلى الضعف بعد اختفائها من السوق بشكل مفاجئ، في الفترة الواقعة بين الخامس عشر والسابع والعشرين من فبراير/شباط الماضي، ثم عادت للظهور بعد يومين وبأسعار تفوق أسعارها الطبيعية، بحسب ما يقوله الصيدلاني عايد، محمّلا أصحاب المذاخر المسؤولية، بعد بيعهم ما لديهم بسعر مضاعف، لكن سرعان ما انتهى مخزونهم أيضاً.
ويكشف صاحب مذخر يعمل في وسط بغداد، رفض الإفصاح عن اسمه من أجل الموافقة على الحديث، أن المضاربات بدأت بعد ارتفاع عدد الحالات المصابة بالفيروس المتفشي في إيران منتصف فبراير الماضي، إذ تلقى عدد من أصحاب المذاخر الرئيسية في العاصمة عرضاً من تجار عراقيين موجودين خارج البلاد لشراء كل المخزون الذي لديهم، وذلك عبر وسطاء، مشيراً إلى أن السعر كان مغرياً، ويفوق السعر الطبيعي بدولار أو اثنين، ما دفعهم إلى الموافقة، وبعد أن سحب أولئك التجار المخزون بدأوا في التحكم بالسوق.
ويؤكد المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية سيف البدر لـ"العربي الجديد" أن الوزارة تتابع الظاهرة وستعاقب من يثبت استغلاله واحتكاره، ويكشف العقيد غالب العطية، مدير الشرطة المجتمعية التابعة لوزارة الداخلية العراقية، والتي أخذت على عاتقها مهمة ملاحقة المحتكرين والمضاربين بالتنسيق مع وزارة الصحة، أنهم نفذوا جولات ميدانية على الصيدليات والمذاخر ونشروا المفتشين بلباس مدني لضبط السوق، وأصدروا تنبيهات لأكثر من 57 صيدلية في بغداد من أجل الالتزام بالأسعار المحددة، مشيراً إلى أن التنبيهات كانت توصيات وليست مخالفات، احتكاماً للقاعدة الاقتصادية أن السعر يزداد إذا زاد الطلب وقلّ العرض وفقاً لقوله.
تتنوع الكمامات والأقنعة الواقية بتنوع استخدامها، بحسب الصيدلاني رأفت حازم، الذي يعمل في مذخر شمس بشارع السعدون، مشيرا إلى أن النوع الأكثر تداولاً هو الكمامة بدون فلتر، ومنها نوعان، أقنعة إجراءات، أي تستخدم للحاجات الطبية غير الجراحية، ويتراوح سعر العلبة الحالي ما بين 15 ألفاً و20 ألف دينارعراقي (13 دولارا و17 دولارا)، وسابقاً كانت تباع بسعر لا يتجاوز 10 آلاف دينار (8 دولارات)، أما النوع الثاني وهو كمامات جراحية، تستخدم في غرف العمليات، وتباع حالياً العلبة المكونة من 50 قطعة بـ 12 ألف دينار عراقي (10 دولارات)، بينما كان سعرها سابقاً 5 آلاف دينار عراقي، أي ما يعادل 3.5 دولارات، بينما تباع القطعة المصممة للاستخدام مرة واحدة من النوعين السابقين بسعر يتراوح بين نصف دولار وتصل حتى دولار للقطعة الواحدة.
والنوعان السابقان لا يصلحان للوقاية من الفيروسات، بحسب المتخصص بأمراض الرئة والجهاز التنفسي في دائرة مدينة الطب ببغداد، حيدر فريد، والذي قال إن الكمامات الجراحية على وجه الخصوص Surgical Masks تستخدم في البيئة المعقمة داخل غرف العمليات لمنع وصول السوائل والدم للمستخدم، لكنها لا تقي من انتقال العوامل الممرضة التنفسية ومن بينها فيروس كورونا.
وفي الوقت الذي يتزايد فيه بحث المواطنين عن الكمامات، فإن الطبيب أحمد الربيعي المتخصص بأمراض الرئة والجهاز التنفسي في مستشفى الكاظمية شمال غربي بغداد ينصح بعدم ارتداء الكمامة أو القناع الواقي إلا في التجمعات وعند دخول المستشفيات، أو في حالة الشك بوجود فرد في العائلة أو زميل في العمل ممن لديهم أعراض أولية لكورونا، ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن N95 أفضل أنواع الكمامات التي تستطيع منع مرور الفيروسات التي يقل حجمها عن 30 ميكروناً، من بينها فيروس كورونا وكافة أنوع الإنفلونزا، لكنه باهظ الثمن وتباع القطعة بسعر يتراوح بين 8 دولارات و 15 دولاراً، بينما كان سعر القطعة في السابق قبل أزمة كورونا 5 دولارات.
يحجم الكثير من أصحاب المذاخر حالياً عن استيراد مواد الوقاية أو بيعها، بسبب الفرق الرقابية لوزارة الصحة التي تنشط وتدعم وجودها برجال من وزارة الداخلية، لضبط السعر، وفقاً لما يؤكده أصحاب المذاخر الذين التقاهم معد التحقيق في جولة ميدانية، ويصف هؤلاء الأمر بغير الواقعي، لأن السوق السوداء خارج العراق هي المتحكم بالأسعار، كما أن كلفة النقل باهظة.
وتضاعفت أسعار مستحضرات التعقيم عقب انتشار فيروس كورونا المستجد وازدياد التحذيرات التي تنشرها وزارة الصحة العراقية، بحسب الصيدلانية بيداء سامي التي تعمل في صيدلية الطائي بمنطقة الكرادة وسط بغداد، إذ إن أسعار العبوات المتوسطة 500 ملل من المنتجات المحلية والتي كانت تباع بألف دينار عراقي أي ما يعادل 1.25 دولار، وصل سعرها الحالي إلى 10 آلاف دينار (8 دولارات).
وتعدّ هذه السلوكيات مخالفة قانونية استناداً إلى المادة 466 من قانون العقوبات العراقي لعام 1969، والتي تنص على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد عن مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تسبب في ارتفاع أو انخفاض أسعار السلع (بما فيها الأدوية والمستلزمات الطبية)، وهؤلاء التجار يتلاعبون في الأسعار عبر إخفائها لتجفيف السوق ومن ثم رفع الأسعار، كما يوضح الخبير القانوني علي التميمي.