تفحص الثلاثيني الفلسطيني أحمد طه عبوة جل معقم تباع على إحدى البسطات في سوق شعبي جنوب قطاع غزة، عبر قراءة بيانات المنتج المدونة عليه، لكنه تردد في شرائه بعدما علم أن المنتج تم تصنيعه محلياً، في معمل صغير بالقطاع، وأن ثمة نقص في بيانات التركيبة، وطريقة استخدامه الآمنة، وكيفية حفظه، إضافة لغياب اسم الشركة المصنعة.
وتنتشر في قطاع غزة أنواع متعددة من معقمات ومطهرات مصنعة محليا بعضها يحمل ملصقات مزورة لمعقمات معروفة عالميا، وهو ما دفع مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني بغزة زياد أبو شقرة، إلى مضاعفة أطقم التفتيش وتكثيف الجولات في الأسواق خاصة بعد أزمة تفشي فيروس كورونا عالميا، إذ انتشرت الأنواع مجهولة المصدر، ليتم تحرير 15 محضر ضبط، وتحويل ثلاثة أشخاص للنيابة العامة، لاستكمال الإجراءات القانونية، بتهمة تصنيع وترويج مواد مغشوشة.
ويشترط في المعقم أن تحتوي تركيبته على مادة الكحول الإيثيلي بتركيز 70% وهو ما لا يتوفر في الأنواع المغشوشة والمصنعة محليا كما يقول أبو شقرة ومدير الرقابة الدوائية في دائرة الصيدلة التابعة لوزارة الصحة بغزة، أيمن كردية، والذي كشف أن تحاليل عينات أجريت في دائرة مختبرات الصحة العامة التابعة لوزارة الصحة، كشفت تلاعب في المواصفات، إذ أن أحد المصانع أضاف أقل من 5% من مادة الكحول إلى منتجه، لتتم إحالته للنيابة العامة، ووقف الإنتاج فوراً.
وتم أجراء 339 فحصاً مخبرياً للمشتبه في إصابتهم بفيروس كورونا في معامل وزارة الصحة حتى 27 مارس، وتأكد إصابة تسعة منهم، بحسب ما قاله الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة في غزة، الدكتور أشرف القدرة.
يحذر الأكاديميان أحمد حلس، مدير المعهد الفلسطيني للبيئة والتنمية، ونظام الأشقر أستاذ الكيمياء بالجامعة الإسلامية بغزة، من مخاطر استخدام معقمات غير مطابقة للمواصفات، إذ أن نقص أو تغيير بعض المكونات خاصة الكحول الإيثيلي، يؤدي إلى فقدان المنتج وظيفته، وبالتالي لا يؤدي الغرض الذي صنع من أجله في قتل الميكروبات والجراثيم، وهو ما يسعى من يتلاعبون في المواصفات إلى التغطية عليه عبر البعض إضافة روائح وألوان جذابة من أجل خداع المستهلك.
يشكو رئيس مجلس إدارة شركة معامل الشرق الأوسط لصناعة الأدوية ومستحضرات التجميل (خاصة) فيصل الشوا، من نقص حاد في مادة الكحول، موضحاً أن عدم توفرها شكل المعضلة الأكبر أمام إمكانية إنتاج مستحضرات التعقيم، وبحسب الشوا فإن كمية الكحول المتوفرة لدى شركته تمكنها من مواصلة إنتاج تلك المستحضرات لثلاثة أيام مقبلة فقط، لافتا إلى تخصيص ما لديهم لتصنيع معقم اليدين فقط.
بعد اختفاء الكحول الإيثيلي من الأسواق، لجأ أصحاب ورش منزلية، إلى استخدام الكحول الميثيلي، والذي لديه استخدامات طبية أخرى ولا يصلح لتصنيع المطهرات، وفق ما يحذر منه مدير مختبرات جامعة الأزهر في غزة وأستاذ الكيمياء الدكتور حسن طموس، لافتا إلى خطورة تأثير الميثانول على العين والجلد في حال ملامستهما، نظراً لتركيزها العالي "ضعفي الإيثانول"، وأعراضها الأولية خشونة الجلد، وفي حال التعرض لكميات كبيرة منها، لأنها تتفاعل داخل الجسم وتتحول لمواد حمضية "حمض الفورميك"، وتصبح شديدة الضرر وقد تؤدي إلى الإصابة بالسرطان بحسب طموس والصيدلي كردية، الذي أكد أن مادة "الميثانول" لا تستخدم في التعقيم مطلقاً، لأنها سامة ومسرطنة وتسبب مشاكل في الأعصاب البصرية، قائلا :"لها استخدامات أخرى في صناعات كيميائية وطبية معينة".
الأعراض الذي ذكرها طموس، عانت من بعضها سماح مصطفى، بعد استعمال جل معقم اشترته من إحدى الأسواق، ما دفعها إلى المسارعة بالتوقف عن استخدامه نظرا لظهور تشققات وخشونة في يدها.
وتستقبل معامل التحليل والفحص في وزارة الاقتصاد الوطني بغزة عشرات العينات من المعقمات أسبوعيا لتحليلها والكشف عن جودة المنتجات، كما يقول مدير دائرة المختبرات في وزارة الاقتصاد محمد العبادلة، موضحا أن الفحوصات التي يتم إجرائها على المطهرات أو الجل المعقم لليدين تسمى فحص BH (فحص الحموضة)، للتأكد من مدى الفعالية في القضاء على الميكروبات، مقرا بوجود بعض الفحوصات التي كشفت استخدام الكحول ميثانول الميثيلي في بعض المنتوجات.
يبلغ عدد المنشآت الحاصلة على ترخيص لإنتاج أدوات التنظيف في القطاع 48 مصنعا، ويندرج ضمن عملها صناعة المعقمات، وفي المقابل يوجد عشرات المشاريع الصغيرة غير المرخصة، التي تعمل على تصنيع المنظفات والمعقمات داخل البيوت، وهو ما يشكل معضلة للجهات الرقابية وفق ما يؤكده مدير عام الإدارة العامة للصناعة في وزارة الاقتصاد عبد الناصر عودة.
واضطرت معظم المصانع والشركات المرخصة إلى الإقفال بعدما فقدت مادة الكحول، ومن بينها مصنع رمضان عبد النبي الذي يقع وسط مدينة غزة، موضحاً أنه ضاعف القدرة الإنتاجية، بسبب زيادة الطلب قبل الإقفال مباشرة، إذ وصلت الكميات المنتجة يوميا إلى 5000 عبوة من حجم 110 ميلتر و2500 من حجم نصف لتر، لكنه الآن لا يستطيع إنتاج أي عبوة لافتا إلى أن برميل كحول بسعة 220 لترًا، كان يصل المصنع بـ 1800 شيكل "496 دولاراً"، والآن وصل سعره 3500 شيكل "965 دولار"، وغير موجود. وهو ما يؤكده مالك أحد المصانع المرخصة في مدينة رفح أيمن منصور، الذي قال الطلب على المطهرات والمعقمات تضاعف، لكن يوجد نقص حاد في المواد الخام وارتفاع أسعارها".
وبسبب النقص الكبير، لجأ الشاب محمود ربيع، إلى تصنيع كمية صغيرة من مواد التعقيم منزليا بعد مشاهدة مقاطع مصورة على الإنترنت تعرض طرق التصنيع، ليبيع جزء لجيرانه، وأبقى على كمية أخرى لاستخدام عائلته.
يستخدم إبراهيم سالم طريقته الخاصة للكشف عن جودة منتجات التعقيم، إذ يضع كمية قليلة على يديه، ومن ثم يفركهما، وفي حال أحس ببرودة ناتجة عن تطاير الكحول، يعني هذا أنه منتج جيد، والعكس صحيح، في حين يقول الدكتور حلس إنها طريقة فحص بدائية يمكن أن نعرف من خلالها إذا كان المنتج يحتوي على كحول، لكن دون تحديد النسبة أو النوع، قائلا أن معادلة تصنيع المعقمات دقيقة، ففي حال قلت نسبة الكحول عن 60%، يكون التركيز محدود والمادة غير فعالة في التطهير، أما إذا ارتفعت النسبة عن 80%، سيتحول إلى حارق، ويسبب مشكلات وحروق والتهابات للجلد.
تنص المادة 7 من قانون حماية المستهلك الفلسطيني رقم 21 لسنة 2005 على: "يجب أن يكون المنتج مطابقاً للتعليمات الفنية الإلزامية، من حيث بيان طبيعة المنتجات ونوعها ومواصفاتها الجوهرية ومكوناتها، ويخضع لذلك أيضاً عمليات التعبئة والتغليف التي تشمل عناصر التعريف بالمنتج والاحتياطات الواجب اتخاذها عند الاستعمال، والمصدر، والمنشأ، وتاريخ الصنع وتاريخ انتهاء الصلاحية، وكذلك طريقة الاستخدام..". كما ينص البند 1 من المادة 2 من نفس القانون على: "حماية وضمان حقوق المستهلك، بما يكفل له عدم التعرض لأية مخاطر صحية أو غبن أو خسائر اقتصادية"، وهو ما دعا لجنة الرقابة والتفتيش على الصيدليات بوزارة الصحة، إلى التحرك وفق خطة وقائية محددة كما يقول رأفت أبو رضوان مدير اللجنة، قائلا :" تم تحديد عدد من المعقمات المطابقة للمواصفات وعددها 6 أصناف (أربعة محلية وصنفين مستوردين)، وتم تعميمها من خلال الوزارة للمواطنين مع تحديد أسعارها".