يرصد علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية في مصر، تطوّرات الطلب الكبير على مستلزمات مواجهة فيروس كورونا المستجد، ما أدى إلى تضاعف الأسعار وظهور سوق سوداء للكمامات والمطهرات، كما يقول.
ولم تتوقف تداعيات زيادة الطلب عند هذا الحد، إذ ظهرت كمامات مغشوشة غير مصنعة وفقاً للمعايير الصحية، وأخرى يبدو أنه جرى تصنيعها عبر إعادة تدوير مخلفات طبية، بواسطة ورش غير مؤهلة طبقا لمعايير التعقيم أو التصنيع أو ما يطلق عليه في مصر "مصانع بير السلم"، وفق مشاهدات أستاذ الفيروسات وخبير الأمراض المعدية بالمعهد القومي للكبد الدكتور محمد عز العرب، الذي لفت إلى أن هذه الكمامات يمكن أن تصبح مصدراً للعدوى بدلاً من الوقاية من الفيروسات.
ما رصده الطبيب عز العرب تؤكده بيانات متتالية صادرة عن الأجهزة الأمنية المصرية عن ضبط "مصانع" كمامات ومعقمات تعتمد على مواد مجهولة المصدر في مختلف المحافظات، إذ تمكنت الأجهزة الأمنية في القاهرة من ضبط مصنع كمامات طبية غير مطابقة للمواصفات القياسية ومجهولة المصدر، يعمل بدون ترخيص باستخدام خامات مجهولة المصدر ويطرحها للبيع بالأسواق بأسعار تفوق سعرها الأصلي، كما ألقت مباحث الجيزة القبض على شخصين متهمين بتصنيع الكمامات الطبية المغشوشة داخل مخزن بالحوامدية، وضبطت بحوزتهما كمية كبيرة من الكمامات والأدوات المستخدمة في التصنيع، بينما ضبطت فرق التفتيش الصيدلي التابعة لوزارة الصحة المصرية مصنعين غير مرخصين في مدينة العاشر من رمضان، ينتجان الكمامات والقفازات بدون تعقيم في غياب شروط السلامة والصحة المهنية، وتمت إحالة القائمين عليهما إلى النيابة العامة.
ويخضع المتورطون في غش الكمامات والمعقمات إلى المادة الثانية من القانون رقم 281 لسنة 1994 الخاص بقمع التدليس والغش، والتي تنص على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه (1155 دولارا أميركيا) ولا تتجاوز عشرين ألف جنيه (4623 دولارا)، أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خدع أو شرع في أن يخدع المتعاقد معه بأية طريقة من الطرق"، بالإضافة إلى قانون الصيدلة رقم 128 لسنة 1963، والذي يقضي بتجريم بيع المستلزمات الطبية الضارة والإغلاق للجهات المتورطة في ذلك، بحسب ما يؤكده الدكتور حسام الدين مصطفى، مدير إدارة التفتيش بالإدارة المركزية لشؤون الصيدلة.
صُدرت الكمامات المصرية ذات المواصفات الطبية الجيدة والتي تقي من الفيروسات إلى الخارج من أجل تحقيق أرباح أكثر، في ظل ارتفاع الطلب العالمي على الكمامات بسبب تفشي فيروس كورونا، إذ أعلن رئيس شعبة الأدوية علي عوف أن الصين استوردت 145 مليون كمامة من مصر في فبراير/ شباط الماضي، بينما أهدت مصر 10 أطنان إمدادات طبية إلى بكين في منتصف الشهر ذاته، فيما أهدت القاهرة مليوناً ونصف مليون كمامة إلى إيطاليا في مارس/ آذار، في الوقت الذي تفتقر فيه السوق المصرية إلى الكمامات، وخاصة أن تلك المباعة من الأنواع غير المغشوشة، تقي من الأتربة فقط وغير مناسبة للوقاية من الفيروسات، كما يؤكد الصيدلاني محمود عزّت، الذي لا يجد الكمامات الواقية، في حين يمر سماسرة على صيدليته لتقديم عروض بيع كمامات عبارة عن قطع قماشية بيضاء غير مطابقة للمواصفات الطبية.
وتسبب إخفاء سمساسرة ووسطاء يروجون المواد والمستلزمات الطبية ما لديهم من كمامات وجمعها من السوق لتصديرها إلى الخارج بعد ما زاد الطلب العالمي عليها، في ازدهار تجارة الكمامات المغشوشة، كما يقول عزّت، وهو ما يؤكده رصد المركز المصري للحق في الدواء لتحركات جمع الكمامات من الصيدليات والمشافي الخاصة، تحت بند الأعمال الخيرية، وفقاً لمحمد فؤاد، المدير التنفيذي للمركز، الذي يقول إن سعر عبوة الكمامات المصرية (فيها 10 قطع)، وصل في الصين إلى 85 يواناً، أي ما يعادل 187 جنيهاً مصري.
ويراوح سعر القطعة المغشوشة التي تتكون من قطعة قماش بيضاء ومثبت مطاطي للكمامة على وجه المستهلك ما بين 4 إلى 6 جنيهات (سعر الدولار في مصر 15.75 جنيهاً)، وفق ما أوضحه الصيدلي عزّت الذي يرفض التعامل مع تجار السوق السوداء، في حين يوافق آخرون لتحقيق أرباح كبيرة من وراء الأزمة، كما يقول، مشيراً إلى أن الأنواع الجيدة من الكمامات ذات الفلتر والتي يمكن أن تقي من الإصابة بالفيروس يراوح سعرها بين 75 جنيهاً (4.79 دولارات)، و90 جنيهاً (5.75 دولارات).
ويصل سعر الكمامة الطبية الجراحية لدى باعة الجملة إلى 3 جنيهات للقطعة الواحدة، بينما كان سعرها في السابق جنيهاً واحداً، أما العلبة التي تحتوي على 50 قطعة فأصبح سعرها 150 جنيهاً، أي ما يعادل 9.59 دولارات، في حين وصل سعر الواقي التنفسي عالي الكفاءة N95 إلى 50 جنيهاً (3.20 دولارات)، وفق ما يقوله أحمد كامل، وهو مالك محل لبيع مستلزمات طبية في شارع القصر العيني الذي تزدهر فيه هذه التجارة.
وتعتمد مصر بشكل أساسي على الصين في استيراد الجزء الأكبر من حاجتها من الكمامات، إذ تستورد ما يراوح بين 200 إلى 300 مليون كمامة سنويا، خاصة بعدما تراجع الإنتاج المحلي من 80 مليون كمامة سنوياً إلى 20 مليونا، إذ قلصت خطوط الإنتاج المحلية التي بدأت عام 2006 عملها لدى انتشار أنفلونزا الخنازير حجم إنتاجها بعد انتهاء الأزمة، وتم تكهين خطوط الإنتاج المختلفة، كما يوضح عوف، لـ"العربي الجديد"، مؤكدا أن مصر سترفع إنتاجها من الكمامات إلى ما بين 80 و120 مليونا في العام، لتوفير احتياجات السوق وتلبية الطلب المرتفع خلال أزمة "كوفيد-19".
يكشف الدكتور زكي شلبي، عضو مجلس إدارة شعبة صناعة المستلزمات الطبية باتحاد الصناعات، عن تلقي المصانع المصرية طلبيات من الصين لشراء 200 مليون كمامة طبية عقب تفشي الفيروس، لافتا إلى أن مصنعين فقط من أصل سبعة في مصر حصلا على التراخيص اللازمة لتصنيع الكمامات الطبية، ومعتمدان من وزارة الصحة، في حين تعمل المصانع الباقية بدون تراخيص، مشيرا إلى أن الكمامات التي يتم إنتاجها محليا ذات جودة عالية ومطابقة للمواصفات العالمية، وتتكون من 3 طبقات، الأولى طاردة للرذاذ والثانية عبارة عن فلتر بمواصفات خاصة يمنع مرور الميكروبات، والطبقة الثالثة مرطبة تمتص السوائل.
وتميز هيئة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) بين أنواع الكمامات، وأبرزها N95، وهو جهاز حماية تنفسي مصمم لتشكيل حماية حول الأنف والفم، وترشيح فعال للغاية للجسيمات المحمولة جوا، ويجري استخدامها بشكل شائع من قبل مقدمي الرعاية الصحية.
أما الكمامات الجراحية Surgical Masks، وتسمى أيضاً أقنعة الوجه، فيمكن وصفها بأنها أقنعة جراحية أو للعزل أو لأطباء الأسنان ولأي إجراءات طبية أخرى، وتخلق حاجزا ماديا بين فم وأنف مرتديها والملوثات المحتملة في البيئة المباشرة ويجب التخلص منها بعد استعمالها، وقد تأتي مع واق للوجه أو بدونه، وتصنع الأقنعة الجراحية بسمك مختلف وقدرات مختلفة على حماية الشخص. وتؤثر هذه الخصائص أيضا على مدى فاعلية القناع الجراحي في الوقاية، إذ يمكن أن يكون فعالًا في منع البقع وقطرات الجسيمات الكبيرة، لكنه لا يقوم بتصفية أو حجب الجزيئات الصغيرة جدًا في الهواء التي قد تنتقل عن طريق السعال أو العطس أو بعض الإجراءات الطبية، أي أنها لا توفر حماية كاملة من الجراثيم والملوثات الأخرى بسبب تصميمها الفضفاض.
يتداول تجارٌ منتشرون في محافظات مصر، مطهرات مجهولة المصدر في السوق، وغير مصنعة وفقا للأكواد والمعايير الصحية السليمة، بحسب عزّت، الذي أكد أن الأقنعة غير المطابقة للمواصفات قد تكون سبباً في نقل العدوى، بينما المطهرات المغشوشة المصنعة في مصانع بير السلم غير المرخصة تشكل خطرا كونها ذات مكونات غير معروفة، وتصل خطورتها لحد الإصابة بسرطانات جلدية.
وتنص توصيات منظمة الصحة العالمية المنشورة على موقعها الرئيسي على استخدام مطهرات فعالة ضد الفيروسات المغلّفة كفيروس كورونا المستجد، والتي يجب أن تحتوي على 70% من الكحول الإيثيلي، أو التي تحتوي على هيبوكلوريت الصوديوم بنسبة 0.5% (ما يعادل 5000 جزء في المليون)، لتطهير الأسطح التي تُلمس بشكل متكرر في المنازل أو في مرافق الرعاية الصحية.
وضبطت مديرية التموين بالقاهرة شركة مستلزمات ومستحضرات طبية بحي الساحل تقوم بعرض وبيع مستحضرات تعقيم مجهولة المصدر وغير مصحوبة بالمستندات. وفي المنوفية بدلتا مصر تم ضبط مخزن لتصنيع وتعبئة الكحول والمطهرات وكذا أدوية مجهولة المصدر، كما ضبط جهاز حماية المستهلك بالقليوبية ورشة لتصنيع المطهرات المغشوشة. ويقبل هؤلاء على تصنيع تلك المطهرات بعدما تضاعفت أسعارها نتيجة الطلب الكبير عليها، كما يقول عزت، إذ بلغ سعر المطهرات الكحولية المستخدمة في تعقيم اليد عبوة الـ50 مل، 44 جنيهاً (2.81 دولار) للعلبة في بعض الصيدليات، كما قفزت أسعار المناديل المبللة بشكل كبير، إذ وصل سعر بعض العبوات إلى 60 جنيهاً (3.83 دولارات).
ومع الانتشار الكبير للمطهرات والكمامات (الأقنعة) مجهولة المصدر في السوق المحلية، تقدم النائب طارق متولي بطلب إحاطة موجه إلى وزيرة الصحة والسكان هالة زايد، ووزيرة الصناعة والتجارة نيفين جامع، بشأن هذه الأنواع، لوضع حدّ لانتشارها في ظل الطلب المتزايد على شرائها، بسبب تخوفات المواطنين من انتشار كورونا، خاصة بعدما بلغ عدد الإصابات بالفيروس في مصر 456 حالة، فيما توفي 21 شخصا وتعافى 95، وفقا للإحصائيات المعلنة من الحكومة المصرية حتى 26 مارس/آذار.
يلعب ملاك مخازن أدوية في مصر، بالاعتماد على وسطاء، دورا كبير في أزمة الكمامات والمطهرات، طمعاً في الربح السريع، بحسب أحمد كامل، وهو صاحب محل لبيع المستلزمات الطبية بشارع القصر العيني، الذي انتعشت فيه تجارة الكمامات والمطهرات. وينشط سماسرة ووسطاء يعملون مع أصحاب مخازن الأدوية هؤلاء في الترويج للكمامات والمطهرات على موقع فيسبوك، إذ أطلقوا صفحات تعرض ما لديهم من منتجات وقائية ونشروا عروضا بإمكانية صنع الكمامات خلال 4 أيام وحتى تصديرها، وهو ما وثقه معد التحقيق عبر 3 صفحات، إحداها تسمى كمامات طبية، والتي تعلن عن وجود كمامات طبية من نوع N95، والبضاعة متاحة للشحن لأي ميناء في العالم.
ويؤكد محمد إسماعيل، رئيس شعبة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية بالقاهرة، أن سبب الأزمة العالمية والنقص الكبير في الكمامات والمطهرات يعود إلى أن الغالبية العظمى من دول العالم كانت تستورد الكمامات من الصين، نظرًا لجودتها وقلة كلفتها، وبعد انتشار فيروس كورونا هناك أوقفت الصين التصدير للكمامات وكذلك للمواد المستخدمة في صناعتها، في الوقت الذي صدرت فيه المصانع المصرية 10 ملايين كمامة، وهو ما تسبب في الأزمة، مشيراً إلى أن علبة الكمامات التي تحتوي على 50 قطعة لم يكن يتجاوز سعرها 30 جنيهاً، والآن يراوح سعرها بين 100 و150 جنيهاً.
وأدى تأخر الحكومة المصرية في إصدار قرار وقف تصدير كل من الماسكات الجراحية (أقنعة الوجه، الكمامات) ومستلزمات الوقاية من العدوى والكحول بكل أنواعه ومشتقاته، لمدة 3 أشهر، تبدأ من تاريخ نشر القرار بالوقائع المصرية في 17 مارس/آذار الماضي إلى إفراغ السوق المصري منها، وهو ما جعل العديد من الطواقم الطبية يخرجون عبر صفحات "الفيسبوك"، للإعلان عن المخاطر التي تتهدد حياتهم في ظل عدم وجود الكمامات، وخاصة N95 المستخدم للوقاية من الفيروسات، والذي جرى تصديره للخارج رغم الكشف عن انتشار فيروس كورونا في مصر، وحتى أن النوع العادي المستخدم للوقاية من الأتربة والأدخنة في المصانع وفي المستشفيات والعناية المركزة وغرف العمليات لم يعد متاحا بعد الإقبال الكبير عليه من الناس الذين يظنون أنه يقي من الفيروسات، بحسب عوف.