يحذر نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون، من وجود نقصٍ هائل في المستلزمات الطبية بشكل عام، إلى جانب النقص الحاد في المواد الوقائية من فيروس كورونا المستجد، ومنها الكمامات والقفازات والمعقمات، مؤكدا أن أبرز المستوردين "عاجزون اليوم عن استيراد المستلزمات الطبية بسبب أزمة الدولار وتقييد التحويلات الخارجية وارتفاع الأسعار عالمياً".
ما حذر منه هارون يؤكده الياس قباني مدير قسم المبيعات في شركة لبنانية متخصصة في بيع المعدات والمستلزمات الطبية والذي أوضح أن ارتفاع أسعار الكمامات والمعقمات في لبنان مرتبط بأسباب عدّة بدأت قبل انتشار فيروس كورونا وتحديداً مع ظهور أزمة الدولار بشكل حادّ في النصف الثاني من عام 2019، نتيجة امتناع المصارف اللبنانية عن فتح اعتمادات بالدولار لمستوردي المستلزمات والأدوات الطبية، "ما دفعنا إلى شراء الدولارات من الصرافين بقيمة أعلى من سعر الصرف الرسمي المعتمد بـ 1515 ليرة لبنانية، إذ بلغ 2000 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد في بداية الأزمة، ما انعكس حكماً على أسعار بيع المستلزمات والأدوات الطبية التي نشتريها من الخارج بالعملة الصعبة".
"قبل أزمة الدولار"، يقول قباني، "كنا نبيع علبة الكمامات العادية، (لا تقي من الفيروس) والتي تحوي 50 قطعة إلى الصيدليات بدولارين مع عروض عند شراء كل 5 علب تحصل على واحدة مجاناً، أو عند شراء 12 علبة تحصل على 3 مجاناً، أما بعد الأزمة فأصبحنا نبيع العلبة بثلاثة دولارات، إلى أن زادَ الطلب مع انتشار كورونا وخصوصاً على الكمامات إذ وصل سعر العلبة إلى 8 دولارات، قبل أن يرتفع الاستهلاك ويصل الشحن إلى 13 دولارا ما حتم على الصيدليات رفع سعر البيع".
هنا، تلفت نقيبة مستوردي المعدات الطبية سلمى عاصي إلى أن المستلزمات الطبية تشكل 3.5% من مجموع التحويلات المدعومة من مصرف لبنان، والتي تشمل الوقود والقمح والدواء، بمعدل يصل إلى 20 مليون ليرة لبنانية شهرياً، مشيرة إلى أنه "منذ ستة أشهر وحتى اليوم لم نستورد سوى 5% من المعدات المفترض استيرادها، ما أدى إلى انقطاع المستلزمات عن الأسواق، والمستودعات باتت فارغة".
وحتى تاريخ 27 مارس بلغ عدد الحالات المصابة بفيروس كورونا، المثبتة مخبريًا في مستشفى الحريري الجامعي ومختبرات المستشفيات الجامعية المعتمدة، بالإضافة إلى المختبرات الخاصة 391 مريضا وفق ما جاء في التقرير اليومي لوزارة الصحة اللبنانية عن مستجدات الأزمة.
يؤكد نقيب الصيادلة غسان الأمين لـ"العربي الجديد" أن التجار يلجأون في أزمات كهذه وخصوصاً عند نقص المواد، إلى التحكم بالأسعار نتيجة نفاد الكميات، وهذا ما حصل في المرحلة الأولى عندما حصل تصدير للخارج بعدما طلبت الصين من الشركات التي تتعامل معها تزويدها بالكمامات وذلك قبل أن يصل الفيروس إلى لبنان. ويضيف، أن الجهة المختصة في مراقبة الأسعار ومحاسبة المخالفين هي وزارة الاقتصاد التي ما إن علمت بموضوع تصدير الكمامات حتى أصدرت قراراً بمنع التصدير.
قرار منع التصدير صدر في 22 فبراير/شباط الماضي مع تسجيل أول حالة كورونا في لبنان وفق ما تؤكد المديرة العامة لوزارة الاقتصاد عليا عباس لـ"العربي الجديد"، وتقول، طلبت وزارة الاقتصاد من إدارة الجمارك منع تصدير الكمامات والمعدات وكل الأجهزة وأدوات الحماية الشخصية الطبية الواقية من الأمراض المعدية أيا يكن منشأها محلياً أو أجنبياً.
ومن بين هذه الأجهزة بدلات جسم كاملة مضادة للمياه، كمامات الوجه وأجهزة التنفس، غطاء واق للرأس، أثواب العلاج الكيميائي قفازات مطاطية مقاومة للثقوب وللأوزان الثقيلة وغيرها. وتشدد على أنّ التصدير إلى الخارج توقف نهائياً وتقوم مديرية حماية المستهلك بجولات يومية على المؤسسات والصيدليات لمراقبة الأسعار، وتم تسطير محاضر ضبط بحق عشرات الصيدليات والمؤسسات، وفي أحدث الأرقام أصدرت الوزارة خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة 13 محضر ضبط بحق صيدليات وشركات مختصة بأدوات التعقيم.
وتلفت عباس إلى أن محاضر الضبط تجاوزت الـ300 بحق المؤسسات والصيدليات والمحلات التي تبيع المواد والمستلزمات الطبية المرتبطة بالوقاية من كورونا على اختلافها وليس فقط الكمامات بأكثر من 3% من سعرها لأنه عند تخطي هذه النسبة نكون أمام أرباح غير منطقية واستغلال لأزمة إنسانية وصحية عملاً بقانون حماية المستهلك رقم 659 تاريخ 4/2/2005 وبحسب المادة 64 منه لمديرية حماية المستهلك الدور في مراقبة الأسعار.
يعجز صاحب شركة "Oxy Care" للمستلزمات والأدوات الطبية حسام سنّو، عن تأمين الكمامات والمواد الوقائية للمستشفيات التي يتعامل معها، بعد إفراغ السوق من الكمامات الطبية مع بدء انتشار فيروس كورونا في الصين، نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول 2019، "إذ تمّ تصدير آلاف الصناديق منها إلى الصين والإمارات العربية المتحدة ودول أفريقية، قبل أن يزداد الطلب عليها في لبنان مع تسجيل أول إصابة بالفيروس في البلاد، في 21 فبراير/شباط 2020"، بحسب ما يؤكده كل من سنّو وقباني والذي أوضح أن الشركات التي يتعامل المستوردون اللبنانيون معها طلبت إعادة تصدير مليون كمامة مع بدء ظهور الفيروس في مدينة ووهان الصينية، لكنّها لم تحصل على الأعداد التي طلبتها، لافتا إلى أنّه رصد الأمر بعد إقبال موظفين صينيين في لبنان على شراء الكمامات لحماية أنفسهم.
ويقول قباني لـ"العربي الجديد"، إن عدداً من المستشفيات اتصل به للحصول على صناديق من الكمامات، ولم نستطع تلبية طلب الجميع نتيجة إفراغ السوق من الكمامات وظهور السوق السوداء التي يصل فيها سعر العلبة الى 25 دولارا.
وفي جولة لـ"العربي الجديد" على خمسِ صيدليات في قضاء المتن اللبناني، لوحظ اختلاف في أسعار بيع الكمامات وخصوصاً بين الكمامة البيضاء (Face Mask)، أو الكمامة الزرقاء الجراحية (Surgical Mask)، والكمامات التي تعرف بـN95 وهي الأكثر طلباً ومرتفعة السعر مقارنة مع الأنواع الأخرى. وتصل فوارق الأسعار إلى حدّ ثلاثة آلاف ليرة لبنانية أي ما يعادل دولارين بين صيدلية وأخرى، ويعزو الصيادلة السبب في اختلاف الأسعار إلى التاجر أو الشركة التي تبيع المستلزمات الطبية للصيدلية بطريقة مباشرة، وهؤلاء يسعون لتحقيق ربحٍ بسيطٍ. وتعمد هذه الصيدليات إلى بيع الكمامة بالقطعة، بدءاً بدولار للكمامة الواحدة العادية وصولاً إلى 5 و6 دولارات للكمامة من نوع N95.
وارتفع سعر علبة الكمامات الطبية التي تحوي 50 كمامة من 8 آلاف ليرة لبنانية (حوالى 5 دولارات بحسب سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة مقابل الدولار الواحد)، أما اليوم فيتراوح سعر التسليم للصيدلية ما بين 30 ألف ليرة لبنانية (20 دولارا أميركيا) الى 45 ألف ليرة لبنانية (30 دولارا أميركيا)، بحسب ما يؤكد الصيدلاني علاء الرحباني لـ"العربي الجديد" بينما يقول سنو أنّ صندوق الكمامات الذي يضمّ 50 كمامة كان ثمنه دولاراً واحداً فقط واليوم بات السعر يفوق 15 دولارا أميركيا.
ويشير الصيدلاني بول صقر إلى أنه بعد الإقبال على معقمات اليدين والهواء، والماسكات صار يحصل على مائة علبة من أصل ألف علبة يطلبها من الشركات التي يتعامل معها، نظراً للنقص الحاد في هذه المواد، وذات الحال ينطبق على المعقم الكحولي إذ زودوه بـ 150 عبوة فقط من أصل ألف، لكنه لم يتسلم البضاعة بعد، وهو ما يعود إلى نفاد المواد الطبية والوقائية لدى الشركات الموردة أيضاً، كما تقول بيغي حرفوش، مسؤولة المبيعات في شركة "ألفا تيك" للمستلزمات الطبية، لـ"العربي الجديد" وتتابع: "في ظلّ عدم قدرتنا على الاستيراد من الخارج وتحديداً الصين مع وقف تصدير الكمامات والماسكات الطبية خارج نطاق الدول، بات العالم كله يعيش نقصاً حاداً في هذه المواد".