يستثير العمل هواجس ووقائع من نوع خاص. العين ترى، لكن العقل والنفس أيضاً يريان. روايةٌ، الغريب فيها هو ابن الحياة، غريب كالحياة نفسها، التي تفيض بالغرابة. فازت الرواية بـ"جائزة مان بوكر"، إنها تستحقّها، إذ نخرج من القراءة بشعور أنها أفضل ما قرأنا.
في سلسلتها الروائية "صديقتي المذهلة"، تضعنا الكاتبة الإيطالية إيلينا فيرانتي أمام شخصيّتين يصعب الفصل بينهما، رغم المسارين المختلفين اللذين سيباعدانهما.
المعرض، الذي احتضنته غاليري "أل تي" ببيروت، يحمل اسم "إنانا" الذي هو أحد أسماء عشتار، إلهة الحب والخصب، توحي صور أعماله الفوتوغرافية بأنها رسوم زخرفية لوجه حيواني بالأسود والأبيض، وبقرنين، يخرج من داخل شكل أنثوي على صفحة فارغة تماماً.
جاء معرضُ غادة الزغبي الذي أقيم في "غاليري جانين ربيز" في بيروت بموضوع واحد. إنه في الغالب ذلك المبنى الوحيد الشاغر، أحياناً بواجهة عملاقة أو المكشوف أحياناً بحيث تظهر شرفاته وأسيجتها أو هو جانب من مبنى يبوح بنوافذه وطوارقه.
رواية "جيم" للجزائرية سارة النمس، الصادرة عن "دار الآداب"، محيّرة، بل هي حائرة. إذ إنّها لا تلبث أن ترمي القارئ في الورطة التي وقعت هي فيها، من دون أن تُخرجه منها، بل تدعها تطبق عليه، بحيث لا نعرف أيّة خاتمة للرواية سوى تلك الحيرة التي تنتهي إليها.
الرواية تؤسّس، على طولها، حياةً كاملة في مواجهة واقع يجري رفضه بالحسّ والجسد والفكر. تؤسّس هكذا حياةً مضادّة لا نعجب حين تصفها في نهايتها بأنها بلا أثر، لا نعجب؛ فهذا اللاأثر ليس فقط حياة الأشخاص الذين يشغلون الرواية، إنه كلّ ما بقي لنا من الواقع.
رسالة شذا إلى الأب، وإن كانت هي الأخرى عبارة عن كتابة غير مقروءة، تردّنا، على نحوٍ ما، إلى مضمون نصّ كافكا الغائب، وتضعنا أمام قراءته ومضمونه. إذ ليست رسالة شذا الافتراضية سوى ما بنته على نصّ كافكا، الذي، في هذه الحال، يمكن أن يكون كلماتٍ وبلا مضمون.
"بيروت من تحت"، الرواية الأخيرة لفوزي ذبيان، ليست روايته الوحيدة التي تحمل في عنوانها اسم العاصمة اللبنانية. "أورويل في الضاحية الجنوبية" (2017) تردّ أيضاً إلى بيروت. "بيروت من تحت" (2021) هي الأخرى تعود إلى جزء من بيروت، ما ندعوه رأس بيروت.
معرض صالة "موجو" الأخير، في الأشرفية ببيروت، معرضٌ جماعي. كثيرة هي المعارض الجماعية في بيروت هذه الأيام، وهي لا تجمع فقط مبتدئين وفتياناً بل تُضيف إليهم، وقد يكون ذلك أغلبهم، فنّانين محترفين لا يفوت الواحد منهم أن يقدّم معرضاً له وحده فحسب.
تبدو كتابة شاعر نثر عن "أمير الشعراء" أحمد شوقي مستهجنة، بقدر ما تبدو من الناحية الأخرى في محلّها تماماً. فأنا طالعتُ "الشوقيّات" التي وجدتُها في مكتبة أبي في فتوّتي، وكنتُ أقرأها مع صُحبة صاروا كلهم شعراء نثر.
معرضٌ فردي لغيلان الصفدي، الفنان السوري، في غاليري "آرت أون 56" ببيروت. ليست المرة الأولى التي نصادف فيها فناناً سورياً شاباً في العاصمة اللبنانية. الغليان السوري جعل فنانين قدامى وجدداً يلجأون إلى بيروت، أقرب النواحي إليهم.
استطاعت أميرة غنيم أن تحبك، بإحكام، رواية حول عناصر آتية، لأول وهلة، من التاريخ ومن الطبقات ومن السجال الثقافي، محوّلة كلّاً من ذلك إلى مدماك روائي، وإلى حبكات مسترسلة ومبنية ومتفاوتة ومتعارضة، ما يعني، قبل أي شيء، أن الرواية تنبني من كلّ العناصر.
"دفاتر الورّاق" للأردني جلال برجس، الصادرة عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، هي الرواية الفائزة بجائزة "بوكر" العربية لهذا العام. "دفاتر الورّاق" هي فعلاً دفاتر، لا للورّاق وحده، ولكن لرُواتها العديدين.
إنّها جرأة على كلّ شيء، على الملونة والتصميم وشكل اللوحة ذاتها. جرأة لكنّها لا تذهب في الاعتباط، ولا تصل إلى الفوضى، ولا تجازف بالارتجال. لسنا أمام دادا ولا أمام البوب ولا أمام الإنشاءات. نحن أمام اللوحة كما نعرف اللوحة بل بما تتطلبه من بناء وحرفة.
في كتابه الذي صدرت ترجمته العربية مؤخراً يرى آرتو أنّ المجنون الحقيقي ليس فان غوخ بل العالم. العالم هو المريض وليس الفنان الهولندي، ومعه آرتو بالطبع. اللغة المتفجرة التي كتب بها كانت أقرب إلى غليانه الداخلي، وإلى ما يضطرم في نفسه.
غاب نزار قباني (1921-1998) منذ ثلاثة وعشرين عاماً. زمن مديد نسبياً لكنه لا يبرّر ما يشبه اختفاء الرجل، الذي كان في حياته، من دون شكّ، أشهر شاعر عربي. بل كان في ثقافة للشعر فيها - ذلك الحين - هذا الوزن، أشهر شخصية ثقافية.
لا نستطيع بسهولة أن نصنّف "الأميرة والخاتم"، روايةَ رشيد الضعيف الأخيرة، داخل عمله الروائي. إنها جديدة عليه، لكنها ليست المرّة الأولى التي يفاجئنا فيها بعمل جديد عليه. الواضح أنّ التجريب يطبع هذا العمل، فقد سبق للضعيف أن أضاف إليه أنماطاً عدّة.
الآن بعد مرور كل هذا الوقت على غيابه، ما زال انتحار الشاعر اللبناني مخيِّماً على حياته وشعره. ليس الانتحار نفسه فقط، بل القراءة الظرفية له، ويمكن أن يكون ردّ الانتحار إلى وقته -الذي تزامن مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان- بداية أسطورة.
هل يمكن الكلام عن فن ما بعد الانفجار في المنطقة الشرقية، ومنها في لبنان؟ المعرض الجماعي الذي أُقيم مؤخّراً في "ميسيون آرت" في حيّ الجميزة في بيروت الشرقية، يقول هذا على نحو مخفَّف. معرض استضاف فنانين شباناً في الغالب.
ليس الاهتمام العربي بالنزاع الرئاسي الأميركي نابعاً من حرص، بل ربما من جفاء وخصومة. ليس قلقاً على الديمقراطية، التي ليست بعْدُ من أولوياتنا. قد يكون أفقاً عالمياً نريده لأنفسنا، ويتلاءم مع حداثةٍ ومعاصرةٍ نريدهما أيضاً لأنفسنا.
يكتب الشاعر اللبناني قصائد تأخذ مقاس اللحظة ولونها. من حلول نهاية عام وبداية عام جديد، إلى احتساب أصوات انتخابية في ولاية أميركية، مروراً بالعنف والوباء الراهنين، تأتي قصيدة عباس بيضون مثل حركات الحياة المباغِتة.
لا يزال الزمن في خدمة العاميات. مع ذلك بقي الأدب المكتوب، الرواية والشعر، أميناً للفصحى، رغم أن للعامية شعرها، بل وحتى جزئياً روايتها، فالسيَر؛ "السيرة الهلالية" وسواها والقصص الشعبي، تبدو صادرة تقريباً عن عامية مفصّحة.
رواية حسن داوود الصادرة أخيراً ليست تاريخاً على الإطلاق. إنها، وهذا أسلوب حسن داوود، تلتقط أشخاصاً وأحداثاً ممتلئين بحضورهم لتبني على هذا الحضور المليء جواً من المفارقات وطرافة أصيلة، هكذا يغدو الأشخاص بهذا البعد عن وجودهم الأصلي.
أولئكَ الّذين لم يموتوا جاؤوا إلى هذا الرّصيف لكي يتأكّدوا/ بعضهم خرج من حُجرات/ ولا يزالُ داخل حيطانها/ إنّها حصتهُ من الظلمة/ نحت منها رأسه الذي لا يزالُ على النافذة نفسها/ لا يزال ذلك الفكّ يطحنُ في العتمة أسراراً وحزازات.
لنقل إن الأنا البانورامية لم تكن خيار أمجد ناصر الذي بدأ شعره من حيث لا يبقى محل لابتلاع الكون والعالم، بدأ من لحظة متقاطعة، لحظة وجوده الشخصي وغير الشخصي، الذاتي وغير الذاتي. لحظة خروجه من العشيرة الحقيقية أو الوهمية.
يخوض أمجد في القدر والنهاية واللامعنى والمصير أي في الملحمة، ونحن نقرأ ونشعر بأننا نقف على مشارف وقمم ملحمية. نحن هنا في حرب الإنسان مع نفسه وقدره، وحربه مع الكون، ومع تهاوي معناه وصيرورة كل شيء إلى نفي عارم.
كتب لم تُفتح من سنين/ في الحقيقة لم يقرأها أحد/ حتّى الذين نسخوها خافوا من أن يفعلوا/ قالوا إنّهم ينقلون أسراراً لا تجوز معرفتها/ ولا طاقة على فهمها
الذين كتبوها خافوا منها/ ورموها على قارعة الطريق.