ولاية الفقيه

تدرك الحكومة العراقية أنها بين المطرقة الإيرانية التي تحاول أن تزج العراق، عبر فصائله المسلحة في الصراع، ولو بقدر معين، والسندان الأميركي، فهي لا تقوى على أي عقوبات قد تتعرض لها من واشنطن. هي حريصة على أن تكون مع طهران في خطّها المعارض للحرب على غزة.

لمسألة "الخصوصية الإيرانية" صيغةٌ تاريخية، صيغةُ العراقة الضاربةِ في بلدٍ يرى نفسه الأهمَ في المنطقة، إلا أن التعكّز على التاريخ العريق والتميّزِ الثقافي يستدعي تداعياتٍ خطيرةً هي ثمارٌ مُرّةٌ للتعامي أو التعالي على العامل الجغرافي الحاسم لأي بلد.

لا يمكن اعتبار الاتفاقية الموّقعة بين الرياض وطهران مُعطى ناجزا، حيث ثمّة عقبات كثيرة وكبيرة تعترض طريق تنفيذها، بدءاً بالخلفية العقائدية للنظامين، وتصوّر كل منهما مكانته ودوره الجيوسياسي والجيوستراتيجي، وصولاً إلى تباين أهداف كلّ منهما من الاتفاقية.

وحدها الأيام كفيلة بإظهار مدى التزام إيران بالتفاهمات مع السعودية. إن كانت مصلحتها في الاستقرار وفكّ العزلة الدولية كبيرة جدًا، فإن طبيعة نظام الحكم المتطرّف فيها لا يمكن أن يترك لإيران الدولة ولإيران المجتمع أي دورٍ في إتمام المصالحة مع دول الجوار.

بموازين الربح والخسارة، يحقق الاتفاق بين السعودية وإيران مطالبها، وينزع فتيل الحرب بينهما، ويمهّد لاستقرار المنطقة، إذا ما نُفّذت بنوده بحذافيرها من دون لفٍّ أو دوران أو مماطلة. تُمهد الطريق لرسم خريطة تفاهمات جديدة تعزّز الأمن والسلام.

فرضت أميركا على العراق "تعميق شراكة استراتيجية في ظل اتفاقية الإطار الاستراتيجي". لن تصمت إيران، إذن، ووكلاؤها في العراق سوف يقومون بالواجب، وسيدفعون بالعراق إلى الفوضى كعادتهم، أما العراقيون الذين وضعتهم أقدار غاشمة وسط النيران، فحسبهم الله.

وسط لعبة شدّ الحبل بين إيران وأميركا في العراق، يبدو مسؤولو البلد في موقعٍ لا يُحسدون عليه، فهم يسعون لإرضاء "السيّديْن" معا، بعيدا عن إغضاب أحدهما. وهذا ما يفعله حاليا رئيس الحكومة، محمد شيْاع السوداني، الذي يتابع سياسة أسلافه، عبر العمل مع الطرفين.

لا ندري إذا فقدت المعارضة الإصلاحية الخضراء القدرة على توجيه الشارع الإيراني. قد تنجح جمهورية ولي الفقيه في تفريق هذه الكتلة وإحباط آمالها، وتلقي كرة النار إلى الخليج أو يستمر هذا الزحف في صعوده، وقد يفاجئ العالم بلحظة فارقة يعلن فيها البيان رقم واحد