أرخت الأزمة الاقتصادية والغلاء بظلالهما على مظاهر احتفال واستقبال المصريين عيد الأضحى، واضطر عدد كبير من المواطنين إلى تغيير عاداتهم وتقاليدهم في هذه الأيام، بعدما اتسعت الفجوة بين مداخيلهم والقدرات المتوفرة لديهم لتلبية احتياجاتهم من السلع والخدمات التي ارتفعت أسعارها إلى مستويات غير مسبوقة.
وسيطر الركود على أسواق العديد من السلع والمنتجات قبل أيام من حلول عيد الأضحى، رغم بعض مظاهر التسوّق والتجوّل في الشوارع والطرقات، لكن انخفاض القدرة الشرائية للناس تسبب في ضعف حركة بيع المحلات.
واشتكى عدد من المواطنين الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، من تراجع الإقبال على شراء اللحوم والأضحية التي تشكل واحدة من أهم طقوس الاحتفالات الدائمة لديهم بعيد الأضحى بعد الارتفاع الجنوني في أسعارها.
يقول محمد حسنين، وهو محاسب يبلغ 28 من العمر: "قررت للمرة الأولى التراجع عن أداء شعائر الأضحية هذا العام بسبب الارتفاع الكبير في أسعارها، وسأكتفي بشراء كمية من اللحوم لأسرتي من أجل الاحتفال بالعيد. وقد حذا كثير من أصدقائي حذوي، بينما لجأ آخرون إلى تخفيض كميات اللحوم التي اعتادوا شراءها".
يضيف: "الأمر المحزن هو عدم قدرتي على توزيع كميات إضافية على أقرباء لي، وهو ما كنت أحرص على تنفيذه كل عام، بعدما وصل سعر كيلوغرام لحم البقر إلى 160 جنيهاً (5.17 دولارات)، وكيلوغرام الضأن والخروف البرقي إلى 200 جنيه (6.5 دولارات)، وهي ضعف أسعار عيد الأضحى في العام الماضي.
وتقول سمية عبد الرسول، وهي ربة منزل (31 عاماً)، لـ"العربي الجديد": "نسعى رغم كل الأحوال إلى إسعاد أسرنا في العيد، وقررنا شراء كميات أقل لمواجهة الغلاء الفاحش الذي طاول كل السلع والخدمات. وبعدما كنا نقصد سنوياً جزاراً في منطقتنا لشراء 5 كيلوغرامات من اللحوم قبل العيد، اضطررنا إلى تخفيض الكمية إلى 3 كيلوغرامات، واشتريناها من منافذ حكومية بسعر أرخص".
أما الخمسينية سحر عبد الفتاح فتقول لـ"العربي الجديد": "يبدو أن التوفير أو تقليل الكميات لدي كثير من الأسر لن يكفي، ونتوقع أن تغيب أصناف أخرى عن موائد العيد بسبب ارتفاع الأسعار والتضخم الذي يلامس مستويات تاريخية".
وتشير إلى أن "أسعار الفواكه الصيفية في الأسواق المحلية ارتفعت كثيراً أيضاً رغم أنها ترتبط باحتفالات العيد والزيارات العائلية والمناسبات السعيدة، وتقدم على موائد العائلات، وحتى المشروبات والعصائر، كما خفّ الإقبال على شراء المكسرات والتسالي بجميع أنواعها بسبب ارتفاع الأسعار، ما دفع الأسر إلى تقليل الكميات أو الاستغناء عن بعضها تماشياً مع الظروف الصعبة، في وقت يؤكد التجار أن الأسعار لن تنخفض قبل انتهاء العيد".
بدوره، يرى محمد علي، وهو موظف في شركة كهرباء الإسكندرية، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن عادات الاحتفال بعيد الأضحى لن تتغير رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة، لكن العائلات ستحاول إيجاد بدائل للمستلزمات غير المتوفرة، فلا ذنب للأولاد الذين يجب أن يفرحوا بقدوم العيد. وقد وفرت بعضها مبالغ مالية للعيديات والنزهات والزيارات، فالسعادة التي سيراها الآباء في عيون أطفالهم لا تعوّض".
ويعلّق عبد الله موسى (48 عاماً)، وهو عامل يومي، بالقول لـ"العربي الجديد": "ليس العيد كما السابق، وربما أصبح كابوساً بالنسبة إلى البعض بسبب المصاريف المرتفعة وتضاعف أسعار المستلزمات الأساسية هذه السنة مقارنة بالعام الماضي، مثل اللحوم والملابس وعيديات الأطفال".
ويتفق معه مصطفي حسان، وهو عامل يومي أيضاً، ويقول لـ"العربي الجديد": "لم تعد أجواء العيد كما في السابق، بعدما تخلت كثير من الأسر أو باتت عاجزة عن شراء مستلزمات عيد الأضحى هذا العام الذي يعتبر من أصعب الأعياد التي مرت على أسرتي، بعدما اضطررت إلى شراء ملابس رخيصة الثمن لأولادي الثلاثة من بائع متجول لإدخال الفرح على نفوسهم".
ويقول خالد الأسمر، وهو موظف: "أصبحت ملابس العيد أيضاً تُمثل عبئاً ثقيلاً على كاهل رب الأسرة، خاصة أن زيادة الأسعار ليست كعادتها في كل عام، لذا قاطعت بعض الأسر شراء ملابس جديدة، واكتفت بما لديها، ما ألقى بظلاله أيضاً على المحلات والأسواق التي تشهد ركوداً ملحوظاً، وقلة تبضّع مع حلول الأضحى".
يضيف: "زادت أسعار الملابس بنسبة 80 في المائة عن العام الماضي، وتلك لفساتين الأطفال التي تبدأ بـ 800 جنيه (26 دولاراً) وتصل إلى 2500 جنيه (81 دولاراً)، ومتوسط أسعار القمصان بين 350 جنيهاً و700 جنيه (11.3 و22.6 دولاراً)، والبناطيل بين 400 و750 جنيهاً (13 و24.24 دولاراً). وهذه الأسعار تجبرنا على العزوف عن الشراء غير المعتاد في مثل هذه الأيام".
وتفيد بيانات حديثه أصدرها جهاز التعبئة العامة والإحصاء أن أسعار الملابس والأحذية في مصر ارتفعت بنسبة 25 في المائة مقارنة بالعام الماضي، خاصة ملابس الأطفال والنساء وتلك المستوردة من ماركات عالمية.
وتقول هناء طارق (33 عاماً)، وهي موظفة، لـ"العربي الجديد": "بعدما تجوّلت طويلاً في أسواق الملابس الجاهزة، أصبحت أكثر اقتناعاً بضرورة الاكتفاء بارتداء أبنائي ملابس العيد الماضي، فالأسعار تخطت مرحلة الارتفاع المنطقي إلى الجنون".
تضيف: "لسنا استثناءً بين الناس الذين اضطر معظمهم إلى تخفيض احتياجاته للسيطرة على الأسعار التي ترتفع يومياً مقابل عدم تزحزح الرواتب في أي ظرف".