مشروع قانون المسؤولية الطبية يفاقم أزمات الأطباء في مصر

10 يناير 2025
يرفض الأطباء مشروع قانون المسؤولية الطبية. 14 ديسمبر 2024 (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تأجيل الجمعية العمومية لنقابة الأطباء في مصر أثار جدلاً بين الأطباء، حيث اعتبره البعض محاولة لتجنب مواجهة السلطات، بينما رأى آخرون أنه يهدف إلى صرف الأنظار عن الفشل في إدارة أزمة قانون المسؤولية الطبية.

- مشروع قانون المسؤولية الطبية يواجه انتقادات حادة من الأطباء بسبب عقوبة حبس الأطباء في الأخطاء المهنية، مع دعوات لتعديلات تضمن حماية الأطباء وتحسين الخدمة الطبية.

- استقالة بعض أعضاء مجلس النقابة احتجاجاً على تأجيل الجمعية العمومية، وسط تعهدات رسمية بإقرار قانون متوازن يلبي مطالب الأطباء.

رغم أن مشروع قانون المسؤولية الطبية معروض حالياً على مجلس النواب في مصر، يطالب البعض بدراسته من جديد، في وقت أرجئت الجمعية العمومية الطارئة لنقابة الأطباء "حفاظاً على أرواح الأطباء"

تتفاقم أزمة الأطباء في مصر، ويبدو أنّ الحسابات الأمنية والسياسية فرضت نفسها على قرار تأجيل الجمعية العمومية الطارئة لنقابة الأطباء، ما أثار جدلاً واسعاً، خصوصاً بعدما قال نقيب الأطباء أسامة عبد الحي: "اتخذت القرار الصعب والمؤلم، لكن الضروري، بتأجيل الجمعية العمومية (مدة شهر) لأن أمانكم الشخصي عندي أهم من أي اعتبار".
وعقد مجلس نقابة أطباء مصر اجتماعاً مع نقباء وأمناء النقابات الفرعية بالمحافظات، لمناقشة مطالب النقابة في مشروع قانون "المسؤولية الطبية"، والمعروض حالياً على مجلس النواب بعد موافقة الحكومة ومجلس الشيوخ عليه.
وبحسب معلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن حضور نقيب الأطباء أسامة عبد الحي اجتماع لجنة الصحة في مجلس النواب لمناقشة مشروع القانون، في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، شهد مطالبات للنقيب بضرورة إلغاء الجمعية العمومية للأطباء التي كانت مقررة الجمعة الماضية، بناء على التوافق على تعديل بعض مواد مشروع القانون، ومن بينها إلغاء عقوبة حبس الأطباء في الأخطاء المهنية، مع إلغاء الحبس الاحتياطي، وإضافة تعريف واضح للخطأ الطبي، والتفريق بينه وبين الخطأ الطبي الجسيم. 
لكن نقيب الأطباء أكد للجنة أن مطالب جموع الأطباء تتمثل في ضرورة سحب مشروع القانون كلياً ودراسته من جديد بشكل تفصيلي، وعدم التسرع في إصداره. لذلك، فإنه لا يستطيع إلغاء أو تأجيل الجمعية العمومية للأطباء، لا سيما أنها جمعية غير عادية (طارئة) ولا يسمح القانون بتأجيلها. لكن بعد خروج أسامة عبد الحي من المجلس، اتصل به مسؤول أمني كبير، وحذره من خطورة عقد الجمعية العمومية في الوقت الحالي، وطلب منه تأجيلها، وهو ما استجاب إليه عبد الحي مبرراً قراره للأعضاء بأنه جاء على خلفية استجابة المجلس للمطالب، لكن الأطباء رفضوا بشدة التأجيل، حتى أن أعضاء في مجلس النقابة تقدموا باستقالاتهم، ما دفع النقيب إلى إصدار بيان جديد قال فيه إن "سلامة الأعضاء أهم من أي شيء آخر".


ويقول أحد أعضاء مجلس النقابة لـ"العربي الجديد"، إن البيان يشير إلى أن النقيب تلقى ما يشبه التهديد إذا عُقدت الجمعية العمومية، وهو ما يذكر باعتداء أعضاء من حزب "مستقبل وطن" على الجمعية العمومية لنقابة المهندسين سابقاً. 
كما كشفت مصادر مطلعة بالنقابة أن نقيب الأطباء كشف لمقربين منه عن تلقيه تقارير من جهات أمنية بشأن تسلل "عناصر مندسة" إلى الجمعية العمومية، ما قد يهدد حياة الأطباء، ويُلصق الأمر بالحكومة.

من جهته، أشار عضو مجلس نقابة الأطباء المستقيل، إبراهيم الزيات، إلى أنه لا يرى أي مبرر أو هدف من تصريحات نقيب الأطباء حول إلغاء الجمعية العمومية، وتذرعه بالخوف على حياة الأطباء، ووصف هذه التصريحات بأنها غير مفهومة وغير منطقية، وتهدف فقط إلى ذر الرماد في العيون، وصرف الأنظار عن الفشل الذريع في إدارة أزمة قانون المسؤولية الطبية.
يضيف الزيات لـ"العربي الجديد": "لا يمكن لأي سلطة الدخول في مواجهة خشنة مع الأطباء، ولم تصدر أية إشارات تصعيدية من أي جهة في الدولة حيال النقابة. تصريحات النقيب جاءت في محاولة منه للفت الأنظار عن إدارته المنفردة للأزمة، وعدم التشاور مع أعضاء النقابة، أو حتى التعويل على الجمعية العمومية للدفاع عن إرادة الأطباء".

وشدد الزيات على أن "محاولة إقرار مشروع القانون بصيغته الحالية تمثل ضربة قاضية للمنظومة الطبية، وستجبر الأطباء على خيارات مثل اللجوء إلى الطب الدفاعي، أو إحالة أي مريض يعاني من حالة خطرة إلى مستشفيات أخرى لتجنب المخاطرة بالتعرض لعقوبات محتملة في حال حدوث أية مضاعفات، ما يصيب المنظومة الطبية بالشلل. الطب الدفاعي دفع دولاً عربية مجاورة إلى سن قوانين مسؤولية طبية متوازنة تخدم مقدم الخدمة ومتلقيها، وتضمن استمرار الخدمة الطبية، وتحفز الأطباء على العمل، وتقطع الطريق أمام التفكير في الهجرة، ما يضر بمصالح المرضى في المقام الأول".

طبيبان في أحد مستشفيات القاهرة، 19 إبريل 2020 (أحمد حسن/ فرانس برس)
طبيبان في أحد مستشفيات القاهرة، 19 إبريل 2020 (أحمد حسن/ فرانس برس)

بدوره، أكد عضو مجلس نقابة الأطباء المستقيل أحمد علي، لـ"العربي الجديد"، أن نقيب الأطباء يسعى من خلال تصريحاته إلى "لفت الأنظار عن إخفاقه في إدارة الأزمة، وعدم اتخاذه أي خطوات تجاه مشروع القانون المجحف". وكشف أن "النقيب حضر اجتماعاً في مقر الحكومة، وهناك عُرض عليه مشروع قانون المسؤولية الطبية بصيغته الحالية، ووافق عليه، والآن يطلق تصريحات جوفاء لتبرير إدارته المنفردة للأزمة، وتجاهل مجلس النقابة والجمعية العمومية. الحكومة كانت ستقدم قانوناً متوازناً إذا تبنى نقيب الأطباء موقفاً جاداً تجاه المواد المثيرة للجدل، بدلاً من الموافقة عليها في الكواليس". وأوضح علي أن هناك تعهدات رسمية بإقرار قانون متوازن بشكل يلبي مطالب الأطباء العادلة ومصالح المرضى والخدمة الطبية بشكل عام، بينما أعضاء مجلس الشيوخ رفضوا إدخال أي تعديلات على مشروع القانون، متذرعين بأن التعديلات فيها عوار دستوري. في المقابل، تبنى أعضاء مجلس النواب موقفاً مغايراً، من دون التذرع بأي عوار دستوري. ما يعني إمكانية الوصول إلى حلول توافقية مع السلطة حول القانون، وخصوصاً في ظل الإدراك المتزايد بأن إقرار القانون بصيغته الحالية سيعرض المنظومة الطبية لكارثة.

بدوره، قال عضو مجلس نقابة الأطباء السابق أحمد حسين، لـ"العربي الجديد"، إن "تبرير نقيب الأطباء إلغاء الجمعية العمومية بحجة حماية حياة الأطباء هو محاولة لتجميل صورته، وإيجاد شماعة للإدارة الفاشلة لأزمة قانون المسؤولية الطبية. محاولة فرض القانون بصيغته الحالية تعكس رغبة السلطات في التنصل من مسؤوليتها عن توفير الإمكانات التي تحمي الطبيب والمريض، وتضمن الارتقاء بالخدمة الطبية، مع التأكيد على عدم وجود رغبة حكومية في التصعيد مع الأطباء، رغم ما يروجه البعض".

إلى ذلك، قال المستشار الطبي لجمعية الحق في الدواء مؤسس وحدة الأورام في المعهد القومي للكبد، الطبيب محمد عز العرب لـ"العربي الجديد": "لا ندري بالضبط ما هي خلفيات قرار تأجيل الجمعية العمومية، وقد يكون هناك عذر لمتخذ القرار وهو النقيب. لكن في المجمل، القضية الرئيسية هي أن جمهور الأطباء متوافق على عدم جواز حبس الأطباء احتياطياً تحت أي ظرف إلا بالمعايير القانونية في قانون الجنايات. هناك فرق بين الخطأ الطبي والإهمال. بالطبع هناك بعض الأخطاء الطبية بنسبة تتراوح ما بين 10% و15% على مستوى العالم، ويُحدَّد مدى الخطأ الطبي بواسطة اللجان الطبية المختصة. نحن متفقون على بنود القانون، عدا مواد الحبس الاحتياطي والعقوبات".
يضيف عز العرب: "هناك فرق بين الخطأ الطبي الذي تحدده اللجنة العليا للمسؤولية الطبية وبين الإهمال. الإهمال هو أن يقوم مقدم الخدمة الطبية بعمل إجراء خارج اختصاصه، أو أن يكون غير مؤهل مهنياً وطبياً لاتخاذ هذا الإجراء، أو التدليس بأي وسيلة على المريض، أو أن يتم الإجراء في مكان غير مرخص أو غير مهيأ. إذا نجم عن ذلك ضرر، فإن المسؤولية تكون جنائية، ويجوز فيها الحبس لأنها تدخل ضمن مسمى الإهمال".