فرض غلاء المعيشة سطوته على تهيّؤ المغاربة لاستقبال عيد الأضحى هذا العام، واضطر عدد منهم إلى التخلّي عن عادات وتقاليد درجوا عليها، أو على الأقل إلى المحافظة عليها في حدّها الأدنى، فيما تمسّك آخرون بإحياء تقاليد العيد على أكمل وجه.
ولعيد الأضحى، الذي يحظى بمكانة خاصة عند المسلمين في كلّ بقاع العالم، طقوسه وعاداته الخاصة في المغرب التي تبدأ قبل أسبوعَين من حلوله. ويُقبل المغاربة بكثافة على الأسواق من أجل شراء الأضاحي والتبضّع لإعداد حلويات العيد، واقتناء الملابس التقليدية وملابس الأطفال، ومستلزمات العيد من أواني الشواء وغيرها. لكنّ الوضع يختلف هذا العام في أسر كثيرة، بعدما بلغت أسعار الأضاحي مستويات ليست في متناولها.
يقول محمد الوهيبي، موظف مغربي، لـ"العربي الجديد": "وجدت في البداية صعوبة في شراء أضحية عيد هذا العام، وكنت قاب قوسين أو أدنى من أن أكتفي بكمية من اللحم لأسرتي، من جرّاء تراجع مقدرتي الشرائية، في ظلّ الارتفاع الكبير في أسعار الأضاحي". يضيف أنّها "راوحت ما بين ثلاثة آلاف وسبعة آلاف درهم مغربي (ما بين 300 و700 دولار أميركي تقريباً) من دون احتساب تكاليف مستلزمات العيد الباقية التي بات من الصعب على المغاربة من ذوي الدخل المتوسط والمحدود توفير الموارد اللازمة لها".
لكنّ الوهيبي يفيد بأنّه كان محظوظاً، إذ إنّ "جهود صديق لي نجحت في إقناع تاجر مواشٍ بتسديد ثمن الأضحية على دفعتَين". ويشير إلى أنّ "الشناقة (الوسطاء) والتجار الكبار ألهبوا الأسواق إلى حدّ دفع أسعار الأضاحي إلى تسجيل ارتفاع قياسي. وقد جعل هذا الواقع ذوي الدخل المتوسط بين خيارَين اثنَين: إمّا قضاء العيد في تجمّعات عائلية درءاً للحرج، وإمّا اللجوء إلى الاقتراض من المصارف أو الأصدقاء أو الزملاء أو أفراد من الأسرة، وذلك تمسكاً بالاحتفال بعيد الأضحى بالطريقة التقليدية، على الرغم من ظروفهم المعيشية الصعبة".
وفي جولة لـ"العربي الجديد" في حيّ السويقة، القلب التجاري للمدينة العتيقة لسلا القريبة من العاصمة المغربية الرباط، يؤكد كثيرون أنّ السلع والمستلزمات الضرورية للعيد متوافرة، بيد أنّ ارتفاع الأسعار ينعكس سلباً على حركة الشراء. من بين هؤلاء صلاح الزمراني، تاجر ملابس تقليدية، ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة إقبالاً ضعيفاً على شراء الملابس التقليدية بخلاف ما كان الوضع عليه في عيد الفطر الأخير، وهو أمر يمكن تفهّمه في ظلّ ما تواجهه الأسر بمختلف مستوياتها من ارتفاع كبير في تكاليف العيد، وخصوصاً الأضحية". ويشير إلى أنّه رأى نفسه مضطراً إلى "شراء نصف خروف بمبلغ 1200 درهم (نحو 120 دولاراً) كحلّ وسط يجنّبني بعض الحرج أمام أطفالي وجيراني، ويمكّنني من إحياء طقوس العيد وعيش الأجواء الخاصة بهذه المناسبة".
وعلى الرغم من التحوّلات التي عرفها المجتمع المغربي في الأعوام الأخيرة، فإنّه ما زال محافظاً على كثير من تقاليده في إحياء "سنّة النحر" جماعياً وترسيخ صلات الرحم ولمّ شمل أفراد العائلة التي تفرّق أبناؤها؛ فالآلاف يتوجّهون من مناطق في داخل البلاد ومن المهجر صوب مسقط رؤوسهم ليجتمعوا بالأهل والأحباب في العيد.
وفي هذا الإطار، تقول خديجة عطر، مغتربة مغربية في فرنسا، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مشهد الشوارع المكتظة بالرجال والنساء والأطفال في طريقهم لأداء صلاة العيد وسط أصوات تكبيرات العيد وكذلك اجتماع العائلة على مائدة واحدة، من الأمور المميّزة التي نفتقدها في المهجر". وتوضح: "هنا نحتفل بتقاليد العيد بفرح، بخلاف الاحتفال في باريس الذي يبقى احتفالاً بلا طعم ولا روح"، مشيرة إلى "تضييق نعاني منه في ما يخصّ تقاليد عيد الأضحى، بالإضافة إلى عدم استفادتنا من عطلة في هذه المناسبة".
وتخبر عطر: "اعتدت في كلّ عام السفر إلى الوطن وقضاء العيد في أجواء إسلامية مع العائلة بمدينة الرباط، فنجتمع مع أشقائي وشقيقاتي والأحفاد في بيت الوالد، ونؤدّي صلاة العيد، ونتبادل التهاني مع الأهل والجيران والأصدقاء". وتتابع أنّه "بعد نحر الأضحية، نجتمع حول طبق بولفاف"، وهو طبق شعبي يوصف بأنّه "سيّد مائدة العيد"، يتكوّن من قطع صغيرة من كبد الخروف ورئتَيه تُلَفّ بقطع صغيرة من الشحم وتُشوى على الفحم. وتشدّد على أنّ "عيد الأضحى فرصة لا تعوض لاستعادة شيء من الروحانية التي فقدناها في الغربة".
يُذكر أنّ ارتفاع أسعار تذاكر السفر، إن برّاً أو جوّاً، لم يمنع آلاف المغاربة من شدّ الرحال لقضاء العيد مع عائلاتهم. كذلك اختارت شرائح أخرى من المجتمع تمضية عطلة العيد في فنادق ومنتجعات سياحية، مستفيدة من العروض الاستثنائية التي تقدّمها إلى زبائنها في هذه المناسبة، من قبيل التكفّل بشراء الأضحية ونحرها وتجهيز لحوم الشواء.
ويفيد مصطفى الشاوي، مسؤول في أحد فنادق مدينة طنجة (شمال) "العربي الجديد" بأنّه "في الأعوام الأخيرة، لوحظ توجّه من عائلات مغربية عدّة لقضاء العيد في الفنادق والوحدات السياحية، وحتى في ضيع وفيلات سياحية، لما توفّره من خدمات توفّر عليها عناء الأعباء التقليدية لعيد الأضحى". ويشرح الشاوي أنّ "تلك المنشآت تتكفّل بذبح الأضاحي لزبائنها. وثمّة فنادق تسمح بإحضار الزبون الأضحية لتعدّها هي له"، مشيراً إلى أنّ "تزامن العيد مع بداية عطلة الصيف واستفادة الموظفين من إجازة لأربعة أيام جعلا الفنادق والوحدات السياحية تقدّم عروضاً مشجّعة للعائلات الراغبة في قضاء أوقات من السعادة والترويح عن النفس وسط أجواء خاصة بالعيد".