اقتصرت تحضيرات الكثير من عائلات إدلب لحلول عيد الأضحى على مظاهر متواضعة تغيب عن بعضها الملابس الجديدة أو الحلوى، ولا مجال بالطبع للأضحية في ظل الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار.
يسعى النازح أحمد القدور إلى توفير قوت أطفاله الخمسة اليومي، ويقول إن "أيام العيد ستمر كما الأيام العادية، فلا مجال لأي نوع من الاستعدادات. العيد قبل النزوح والحرب كان مختلفاً، وكانت الاستعدادات له تبدأ قبل أكثر من أسبوعين من موعده عبر تحضير أنواع الحلويات، وشراء ملابس وألعاب جديدة للأطفال، والتحضير للأضحية. ذهبت كل تلك الأجواء والطقوس أدراج الرياح".
ويشكو القدور، في حديث لـ"العربي الجديد"، من سوء الأوضاع المعيشية وقلة المساعدات المقدمة في مخيمات سرمدا، حيث يعيش مع أسرته منذ نزوحهم عن قرية "بسقلا" في جنوب إدلب قبل قرابة خمس سنوات، بعد سيطرة قوات النظام السوري عليها، مؤكداً أنه لم يشعر بسعادة العيد منذ مغادرة منزله، "ويؤلمني ألا أتمكن من إسعاد أبنائي في العيد، لكن ليس باليد حيلة، فقد وصلنا إلى درجة بائسة من ضيق الحال".
تعيش النازحة الأربعينية فاطمة العثمان في مخيم تل الكرامة، وهي تحافظ على طقوس العيد لرسم الفرحة على وجوه أطفالها الستة رغم افتقارها المعيل منذ وفاة زوجها بوباء كورونا قبل عامين. تقول العثمان خلال انهماكها في إعداد كعك العيد، إنها باعت سلتها الغذائية الشهرية واشترت بثمنها مواد صناعة الحلوى وبعض الملابس لأبنائها. تضيف: "يكفي أن أرى فرحتهم بالثياب الجديدة خلال العيد لأشعر ببعض الفرح. أحاول بما تيسر أن أخلق بعض الأجواء التي ما زالت عالقة في ذاكرتي عن الاحتفال بالعيد عبر صناعة المأكولات والحلوى، والحفاظ على الزيارات العائلية".
بدورها، تجوب نزهة الحلبي سوق مدينة الدانا برفقة أطفالها الثلاثة باحثة عما تستطيع شراءه بالنقود التي بحوزتها، وهي تفضل شراء الملابس من البسطات التي عادة ما تكون أسعارها أقل من المحال. تقول: "الأسعار مرتفعة، وأحاول أن أجعل ما ادخرته من مال من عمل زوجي بالمياومة يكفي رغم قلته، فكل ما يهمني أن أفرح أطفالي بشراء ملابس جديدة، وبعض الحلوى".
ويقول بائع الألبسة في سوق الدانا رؤوف العمر، لـ"العربي الجديد"، إن حركة الشراء ضعيفة في هذا العيد مقارنة مع أعياد سابقة، والإقبال يكاد يكون معدوماً، ويعزو السبب إلى ارتفاع الأسعار الذي ترافق مع ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة التركية، بينما لا يزال العمال يتقاضون أجورهم بالليرة.
الأمر متكرر مع بائعي الحلوى الذين لا يجدون إقبالاً من الزبائن. في سبيل ترويج منتجاته، أطلق بائع الحلويات يزن البوادي بعض العروض التي تناسب أصحاب الدخل المحدود، ويقول: "لا بد من كسر هذا الجمود حتى لو جنينا أرباحاً أقل، ويجب مراعاة أوضاع الناس وإنقاذ أنفسنا أيضاً من كساد منتجاتنا".
"تأمين العيدية" أبرز ما يفكر فيه خالد الموسى، المقيم بمخيمات دير حسان، وقد عمل على ادخار المال لمنحه لأبنائه الستة الذين اعتادوا التجمع حوله في صباح العيد. يقول: "أحافظ على العيدية لما تحمله من سعادة للأطفال الذين يشترون بها ما يرغبون من ألعاب ومأكولات وعصائر. كنت أرغب بشراء أضحية، لكني لم أستطع، إذ تضاعف سعرها مقارنة مع العام الفائت. سعر الأضحية لا يقل عن 300 دولار أميركي، بينما دخلي الشهري من بيع الخضروات في دكاني المتواضع لا يتجاوز 120 دولارا".
لا يبدو حال جاره أيمن الكرمو أفضل كثيراً، على الرغم من مساعدات ابنه اللاجئ في ألمانيا، ويقول لـ"العربي الجديد": "لم يدخل اللحم خيمتنا منذ أشهر". في حين تتمنى المسنة صبحية النايف أن تحصل على بعض حصص اللحم من المضحين في العيد، خاصة بعدما ارتفع سعره في الآونة الأخيرة، مؤكدة أنها لم تعد تستطع مجاراة الأسعار بسبب الفقر الذي تعيشه مع زوجها في مخيمات شمال إدلب.
أما الطفلة رائدة العبدو (9 سنوات)، المقيمة في مخيمات مشهد روحين، فتخبر "العربي الجديد" بأنها تحظى بملابس جديدة في كل عيد، لكنها لم تزر حديقة ملاهي منذ نزوحها مع أهلها من مدينة معرة النعمان، وتقتصر مظاهر العيد بالنسبة لها على الملابس وبعض الإكسسوارات وزيارة الأقارب والجيران في المخيم.
وتؤكد المرشدة الاجتماعية ندى الخطيب أن "السواد الأعظم من سكان إدلب يعانون أوضاعاً معيشية سيئة، لكن يتوجب على الأهل أن يصنعوا الفرحة، وعليهم التوقف عن إبداء الحزن في العيد، كما ينبغي إظهار الزينة والاهتمام بالنظافة والحرص على التجمعات والزيارات، ومحاولة إدخال السرور إلى قلوب الأطفال من خلال تقديم الهدايا، حتى لو كانت بسيطة".