العالم الافتراضي يسرق جماهير يوم الأرض

30 مارس 2017
تكمن أهمية يوم الأرض في التمرد على الخوف(العربي الجديد)
+ الخط -

41 عاماً مرت على يوم الأرض الخالد منذ مارس/آذار 1976، يوم بذل فلسطينيو الداخل دماءهم حفاظاً على أرضهم من المصادرة. لكن ثمة أمراً تغير تجاه هذا اليوم، إذ يسود شعور في أوساط شريحة من فلسطينيي الداخل بأنه لم يعد ذلك اليوم العظيم، من حيث تراجع زخم المشاركة فيه من عام إلى آخر. وهناك من يعتقد أن العالم الافتراضي سرق جماهير يوم الأرض، ومن يرى أن الخلافات بين بعض الأحزاب، في السنوات الأخيرة، ساهمت في انحسار المشاركة، التي بقيت متأثرة حتى بعد إقامة "القائمة المشتركة"، فضلاً عن وجود شريحة واسعة انشغلت بهموم الحياة اليومية ونمط الحياة الاستهلاكي في حالات أخرى، على حساب القضايا الوطنية. ومن المفارقات أن الوعي السياسي للجماهير العربية كان أقل بدرجات في العام 1976، وكان الخوف سائداً، ومع هذا خرجت الجماهير للنضال. أما اليوم فارتفع منسوب الوعي لدى شريحة واسعة، لكن المشاركة الفعلية في النضال تراجعت، كما يرى مراقبون.

خطان متوازيان ومتناقضان

ويقول أستاذ الدراسات الفلسطينية في جامعة حيفا، البروفسور محمود يزبك، "بالمقارنة بين ما ساد منذ أحداث سنة 1976 وتطورها حتى اليوم، نتحدث عن خطين متوازيين، وفي الوقت ذاته متناقضين على مستوى فلسطينيي الداخل. هناك وعي أكبر لدى فئة في المجتمع، مما كان عليه الحال في الماضي، لكنْ في الوقت ذاته هناك تنازل عن ثوابت كانت تعتبر وطنية لدى فئات كثيرة في المجتمع. وهذا الشيء نلاحظه، عبر المقارنة بين الحشد الجماهيري الذي كان يشارك في إحياء ذكرى يوم الأرض منذ 1976 حتى أواسط الثمانينيات تقريباً، وكيف بدأت الأعداد تتراجع بعد ذلك".

وحول الأسباب، يوضح يزبك "هذا يعود إلى سببين، أحدهما يتعلق بالقيادات ورؤساء السلطات المحلية، والآخر بالجماهير نفسها. بسبب التنافس الحزبي الكل أراد أن يجعل من يوم الأرض، وكأنه انتصار لحزب معين على باقي الأحزاب. على مدار سنوات طويلة كانت المنصات حزبية، والتنافس حزبيا، ما انعكس على الشارع، وكنا نرى أعلاماً حزبية في يوم الأرض، فبدل أن يكون مناسبة لتوحيد الجماهير بات يفرقها، وهذا أدى إلى تراجع عدد الجماهير. سبب آخر للتراجع هو أن يوم الأرض لوحده كعنوان لا يكفي لتحفيز الجماهير. قبل نحو 20 سنة، وُضعت خطة لفعاليات مكثفة تسبق يوم الأرض بشهر، وتستهدف طلاب الثانويات وكل فئات المجتمع. حتى هذه البرامج كانت فئوية، ولم تتمكن من التحفيز ودفع المسيرة إلى الأمام. حتى اليوم الفعاليات هزيلة، وهذا ينعكس على المشاركة". وتابع "إذا لم يكن هناك تنظيم لتحشيد الجماهير، أخشى أن يزداد التباعد، رغم تعرض جماهيرنا لهجمة شرسة، خصوصاً في السنوات الأخيرة".

أين الجماهير؟

أما الكاتب والإعلامي وعضو لجنة المتابعة، عبد الحكيم مفيد، فيرى "أننا كمجتمع بتنا نكرر أنفسنا بالحديث عن العجز، لكن هناك نقطة مركزية، أنا أصرخ بها منذ ثلاث سنوات، الحديث كل الوقت يدور عن القيادات ودورها، ولكن آن الأوان أن نسأل اين الجماهير؟ إن كنا نؤكد دائماً أنه يجب أن يكون هناك دور للأحزاب، يجب أن نصل أيضا إلى السؤال المركزي، وهو ما هو دور الناس ودور الفرد"؟ ويضيف "قضايا النقب والمدن الساحلية تكاد تنسف المجتمع. هناك صيغة برلمانية للنضال وصيغ أخرى، لكن الصيغة الشعبية، وهي الأهم، متراجعة، ربما لأننا ركزنا نضالنا في سلة واحدة هي سلة البرلمان، ولم نتخذ خطوة تدفع الجماهير للحراك الشعبي الذي يرتقي إلى مستوى ما نواجه. مشاركة الناس تكاد تؤول إلى الصفر في معظم القضايا، وعليهم مسؤولية وليس على القيادات فقط. النقطة الأخطر بتقديري أن لدينا بيئة الآن تعمل على تغييب الناس عن الحالة الجماهيرية. أنماط الحياة التي نعيشها، وتقنيات الإعلام الحديث التي نعيشها، تخلق أنواعاً من النضال الافتراضي المتخيّل، وقسم كبير من الناس عالق هناك. على سبيل المثال لا الحصر قد نجد آلاف الإعجابات (اللايكات) والتفاعلات على مواقع التواصل مع نشاط يخص يوم الأرض، او أي قضية أخرى، ولكن على أرض الواقع نجد أن الحضور الفعلي هزيل. مواقع التواصل وتقنيات الإعلام الحديث تعطي للفرد شعوراً بأنه قام بواجبه، وتدفع باتجاه الفردانية والانطوائية وبقاء الناس في بيوتهم".

نقطة خطيرة على مستوى الوعي الوطني

ويقول مفيد "نحن الآن، من حيث الوعي الوطني، نتواجد في نقطة خطيرة جداً، وهناك من يفكر أنه يكفي أن نحصل على حقوقنا في هذه البلاد، ولا حاجة إلى أكثر من ذلك. أحياناً تصريح عادي لعضو كنيست عربي بوجه المؤسسة الإسرائيلية، أو رفع صوته حيال قضية معينة، في أمر يفترض أن يكون عادياً، ينقلب عليه. إذ نجد فئة من جماهيرنا تهاجمه، كما حدث مع حنين الزعبي مثلاً في أكثر من مرة، وذلك بحجة أن مثل هذه التصريحات تضر بنا، رغم أنه مع، أو من دون، هذه التصريحات، الهجوم مستمر علينا من المؤسسة (الإسرائيلية). نحن بحاجة إلى تلاحم جماهيري. عندما نتحدث عن يوم الأرض وعن هبة القدس والأقصى، نحن نتحدث عن دور الجماهير، فالجماهير هي التي تقود التغيير وليس القيادات التي قد يكون دورها في التوجيه والتنظيم. وهذا يعيدنا إلى المربع الأول من حديثنا، والتساؤل أين الجماهير، قبل السؤال عن القيادات؟ الجماهير في أكثر من مناسبة سحبت القيادات إلى أماكن لم تتوقعها، ولذلك دور الجماهير هو الأهم".



غياب الإبداع وانحسار المشاركة

من جهته، يرى الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني الديمقراطي وعضو المكتب السياسي، عوض عبد الفتاح، أنه "حصلت تطورات كثيرة، وتغيرات عميقة وهامة منذ يوم الأرض، في مختلف المجالات السياسية والثقافية والتقدمية والحقوقية وغيرها، وقامت مؤسسات كثيرة. وكان هذا حصيلة هذه الانعطافة التاريخية في العام 1976 التي رسخ فيها الفلسطينيون جماعيتهم بشكل غير مسبوق. وظهرت تنظيمات هامة بعد هذا اليوم، وتوسعت تنظيمات أخرى، وكان آخر هذه التنظيمات التجمع الوطني الديمقراطي الذي قام على فهم آخر لكيفية مواجهة الواقع الجديد الذي أفرزه الصراع الطويل، وكذلك ما حصل بعد اتفاقية أوسلو. لذلك نحن نعتبر أن التنظيمات السياسية التي قامت بعد يوم الأرض تعود إلى هذا اليوم، وهذا هام جداً". ويستدرك عبد الفتاح "لكن المشكلة والمعضلة التي يواجههّا فلسطينيو الداخل أن إسرائيل أصبحت أكثر عدوانية وأكثر يهودية وأكثر استعمارية تجاهنا، وهذا ما لا يجد حقيقة جواباً شافياً من قبلنا. حتى طريقة إحياء ذكرى يوم الأرض باتت تقليدية جداً وفلكلورية، وانحسار المشاركة ليس نابعاً من قلة الوطنية عند الناس وإنما حقيقة من قلة الإبداع عند المؤسسات السياسية".

ويضيف عبد الفتاح "نحن منذ قيام التجمع نكتب ونقول إن الحل الاستراتيجي لمستقبل هذا الجزء من شعبنا الفلسطيني داخل الخط الأخضر، هو تنظيمه على أساس قومي وبناء مؤسساته وإجراء انتخابات مباشرة لهيئة وطنية عليا، لتكون لدينا مرجعية وطنية موحدة، تنضوي فيها كل القوى السياسية والمؤسسات المختلفة ورؤساء المجالس المحلية. هكذا يتصرف شعب، وهكذا تتصرف أقلية قومية تحكمها غالبية مستعمرة لا ترى في الوجود العربي إلا عدواً، وتسعى إلى تهميشه وإقصائه وسلب حقوقه. المحطة الثانية الكبيرة بعد يوم الأرض كانت هبة القدس والأقصى، وهذه أيضاً لم نستثمرها. للأسف هناك قوى سياسية حتى الآن غير قادرة على التحرر من الفكر التقليدي ومن الخوف من ضرورة وواجب تنظيم الجماهير العربية، لأن هناك من يعتبر أن تنظيم الجماهير، وبناء مؤسسات، وإجراء انتخابات لهيئة وطنية قد يؤدي بالمؤسسة الإسرائيلية لاتخاذ المزيد من الخطوات القمعية. في النهاية ما ينقصنا الآن هو استراتيجية نضال شعب، وتنظيم النضال على المستوى الشعبي".

الاستعداد للمعركة المقبلة

محمد زيدان، الرئيس السابق للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، وأحد من ساهموا في اتخاذ قرار الإضراب في يوم الأرض في 1976 عندما كان رئيساً لمجلس كفر مندا المحلي، يحذر من أن "إسرائيل ما تزال تحاول مصادرة ما تبقى من الأراضي العربية، والمعركة الأساسية الآن في النقب. المصادرات كانت تمر من دون مقاومة قبل يوم الأرض، وهنا تكمن أهمية يوم الأرض في التمرد على الخوف والمصادرة والقرارات الحكومية. كان قرار الإضراب جريئاً، وحوّل ذلك اليوم إلى محطة تحوّل أساسية في نضالنا. الآن، وبعد كل هذه السنوات، المصادرة في أوجها واستهداف المؤسسة الإسرائيلية لوجودنا في أوجه، ومعركتنا الأساسية اليوم في النقب".

ويضيف "كانت هناك تحركات جيدة في السنوات الأخيرة ضد مخططات المصادرة، وكان الحشد الجماهيري والشعبي مقبولا في أكثر من مناسبة، خصوصاً من قبل الفئات الشبابية. هذا جيد، ويدل على وجود وعي سياسي، لكن هذا لا ينفي أن هناك حاجة إلى تطوير أدوات النضال لزيادة التفاعل الجماهيري ومنع استفراد المؤسسة الإسرائيلية ببعض فئات مجتمعنا. على أهلنا في النقب اليوم أن يصمدوا، لأن المحافظة على الأرض تحتاج إلى ثمن، وعليهم أن يكونوا مستعدين لدفع الثمن. ومن المهم أن تقف سائر جماهيرنا العربية في الداخل إلى جانب النقب في هذه المعركة، للحفاظ على ما تبقى لنا من أرض، وأيضاً لمواجهة عمليات الهدم التي باتت تطاول مختلف المناطق. نحن أمام مرحلة قد يرتفع فيها منسوب التوتر مع المؤسسة (الإسرائيلية)، وعلينا أن نكون جاهزين لما هو مقبل وتوحيد ورص صفوفنا".