69 عاماً على النكبة، 50 عاماً على النكسة، و41 عاماً على يوم الأرض الأول، كلها باتت تواريخ يحيي الفلسطينيون في الداخل ذكراها، وهم يرون بأم أعينهم، كيف لا تزال الأرض تُسحب من تحت أقدامهم، وكيف يتم حشرهم في بلداتهم، والسيطرة على ما تبقى من أرض لهذه البلدات لتتحول شيئاً فشيئاً إلى غيتوهات مكتظة، مخنوقة، يخرج أهلها منها صباحاً للعمل خارج حدودها ويعودون إليها مساء للمبيت فيها، وسط قلق دائم ومخاوف من خطر الهدم المسلط على رقابهم، من دون أن يبدو أمامهم في الأفق أمل يُعينهم على استمرار الصمود، لكنهم على الرغم من كل ما يواجههم يصمدون، في صراع بقاء على ما تبقى من أراضٍ.
وما تبقّى من أرض يعيش عليها اليوم أكثر من مليون فلسطيني في الجليل والمثلث والنقب، لا يتعدى 2 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية، منها نحو 900 ألف دونم في النقب، يهددها خطر المصادرة المصحوب بخطر الترحيل والاقتلاع لأكثر من 100 ألف فلسطيني في النقب، يعيشون في بلدات وتجمّعات ترفض حكومة إسرائيل الاعتراف بها، كما ترفض الإقرار بحق أهلها بأراضيهم، بادعاء أنها أرض متنازع على ملكيتها بينهم، أصحاب الأرض، وبين الدولة التي وفدت عليهم قبل 69 عاماً وقامت على أرضهم وعلى أنقاض شعبهم.
هذا هو الرابط بين النكبة ويوم الأرض في الذكرى الـ41 على اندلاع أحداث يوم الأرض الأولى، عام 1976 احتجاجاً ورفضاً لقرارات الحكومة الإسرائيلية، مصادرة عشرات آلاف الدونمات في الجليل، ومنها 21 ألف دونم على الأقل في مثلث يوم الأرض في الجليل (سخين، عرابة ودير حنا).
ويتواصل استعمال نفس قوانين المصادرة أو على الأقل قسم كبير من قوانين المصادرة الرئيسية التي سنّتها دولة الاحتلال، لابتلاع الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وفي مقدمتها قوانين البور وقوانين الأراضي العثمانية، للتحايل على القانون الدولي والادعاء بأن ما كان للدولة الأردنية قبل احتلال 1967 بات للدولة المحتلة، وتطلق عليه دولة الاحتلال تعبير "أراضي دولة". كم تُستخدم نفس مصطلحات وتعابير قوانين الأنظمة والبناء المعمول بها في الداخل، خصوصاً مصطلحات وتعريفات مناطق النفوذ، ومسطحات البناء، وتحديد مناطق وتخوم الخط الأزرق، لمحاصرة البناء الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، وتحديداً في المناطق "سي"، مقابل تشريع وقوننة سرقة الأراضي وإطلاق البناء في المستوطنات وعلى كل قطعة أرض يمكن وضع اليد عليها، حتى لو كانت قطعة أرض خاصة، وفق قانون تشريع الاستيطان الذي تم سنّه قبل نحو شهرين. وبهذا تكتمل دائرة الصراع على الأرض، ويحصل الربط بين تاريخ 1967 ويوم الأرض الأول عام 1976، مع ملاحظة إمعان حكومة الاحتلال في نسخ قوانين وتنظيمات مدنية داخل الخط الأخضر واستخدامها وتطبيقها على سياسات الاستيطان والمصادرات في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.
اقــرأ أيضاً
لكن يوم الأرض في الداخل الفلسطيني، وهو يظل عنواناً لصمود أقلية وجزء من شعب وقف قبل 41 عاماً أمام دولة عاتية، تحوّل في السنوات الأخيرة، ربما بفعل بُعده الزمني، إلى مجرد ذكرى، أو يوم للذكرى، لا يأخذ المكان الذي يليق به، ولو كون قضيته التي تفجّر غضب الناس فيه من أجلها، لا تزال حارقة ومشتعلة، بل هي تهدد بانفجار جديد، مع انتقال الحرب بين الناس والدولة، من الحرب على الأرض، المستمرة حالياً في النقب على الأقل، إلى مواجهة تكاد تكون يومية، وممتدة على مساحات واسعة، بشكل عيني وموضعي، عنوانها الهدم بحجة البناء غير المرخص، وخارج مناطق النفوذ ومسطحات البناء المسموح بها للقرى والبلدات الفلسطينية في الداخل.
وقد اشتعل الداخل الفلسطيني في أواسط يناير/كانون الثاني الماضي، بعد تنفيذ عمليات هدم وحشية للبيوت في مدينة قلنسوة، لم تهدأ نار الاحتجاج عليها حتى قتلت الشرطة الإسرائيلية، بعدها بأيام قليلة، المربي الفلسطيني يعقوب أبو القيعان، بدم بارد، بينما كانت تُعد لهدم بيوت قريته أم الحيران، في 18 يناير الماضي.
لكن نيران الاحتجاج، سرعان ما خمدت، وظلت تصريحات قيادات العرب في الداخل والاجتماعات المتكررة التي أعقبت سقوط الشهيد أبو القيعان، مع ما رافقه من تحريض حكومي إسرائيلي دموي على مجمل الفلسطينيين في الداخل، وعلى فلسطينيي النقب، وحتى على قادة الأحزاب العربية في الداخل، ظلت معلقة في الهواء، لا قدرة فعلية على تطبيقها، وسط تباين شديد في الإرادة والرؤية السياسية لمختلف الفاعليات السياسية والحزبية في الداخل الفلسطيني، لتنظيم خطوات عملية استعداداً لما تأتي به الأيام، أو تحديد آليات عمل جماهيرية وشعبية، وتوضيح سقف العمل المحتمل الذي يمكن للفلسطينيين في الداخل الالتزام به.
يأتي هذا كله، في الوقت الذي يستعد فيه الكنيست قريباً للمصادقة بالقراءتين الثانية والثالثة، على قانون يُعرف باسم قانون كامنيتس، نسبة إلى واضعه، راز كامنيتس، نائب المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، والذي يسعى لتسريع تطبيق أوامر الهدم الصادرة بحق آلاف البيوت الفلسطينية في الداخل الفلسطيني بحجة البناء غير المرخص. بينما تشير المعطيات المتوفرة، إلى أن أكثر من 20 ألف بيت فلسطيني قد يطاولها الهدم، بموجب القانون الجديد، في حال تشريعه نهائياً وبدء العمل به، مما يعني اقتراب مواجهة مقبلة بين فلسطينيي الداخل وبين الحكومة الإسرائيلية.
وإذا كان يوم الأرض الأول، اندلع بفعل عوامل فلسطينية وإقليمية مساعدة (صعود نجم وقوة وتأثير منظمة التحرير الفلسطينية، وتداعيات حرب أكتوبر) فإن الأوضاع الحالية للفلسطينيين في الداخل تفتقر إلى جو عام مساند، سواء جو إقليمي عربي، أم ظهير فلسطيني عام. زيادة على ذلك فإن تراجع هيبة وتأثير ونفوذ الأحزاب والفعاليات السياسية في الداخل الفلسطيني، لجهة حشد الناس (على الرغم من تشكيل قائمة مشتركة للأحزاب والفعاليات السياسية العربية، وحصولها على عدد مقاعد جعل منها قوة ثالثة في الكنيست)، ساهم بدوره هو الآخر في إضعاف العمل الجماعي العربي المدموج والمسنود بظهير شعبي. وظلت ردود الفعل في الداخل محصورة في هبات قصيرة الأمد، لعدم وجود توجيه جامع بنَفَس طويل، وعلى شكل مواجهة عينية وموضعية تنتقل من بلد لآخر، تحددها جغرافياً أوامر الهدم والإنذارات بالهدم، وما يتبعها من وصول جرافات وآليات الهدم للموقع المراد هدمه من قبل السلطات.
ويعني هذا أن الداخل الفلسطيني، سيشهد هبات موضعية، في كل مرة، تشب وتخبو، إلى أن يحصل تراكم في عمليات الهدم أو المواجهات قد يؤدي إلى تفجر الأوضاع قُطرياً وبشكل عفوي، ليبقى السؤال المعلق هو متى سيحصل هذا الانفجار، وهل سيتسنى تفاديه؟
اقــرأ أيضاً
هذا هو الرابط بين النكبة ويوم الأرض في الذكرى الـ41 على اندلاع أحداث يوم الأرض الأولى، عام 1976 احتجاجاً ورفضاً لقرارات الحكومة الإسرائيلية، مصادرة عشرات آلاف الدونمات في الجليل، ومنها 21 ألف دونم على الأقل في مثلث يوم الأرض في الجليل (سخين، عرابة ودير حنا).
ويتواصل استعمال نفس قوانين المصادرة أو على الأقل قسم كبير من قوانين المصادرة الرئيسية التي سنّتها دولة الاحتلال، لابتلاع الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وفي مقدمتها قوانين البور وقوانين الأراضي العثمانية، للتحايل على القانون الدولي والادعاء بأن ما كان للدولة الأردنية قبل احتلال 1967 بات للدولة المحتلة، وتطلق عليه دولة الاحتلال تعبير "أراضي دولة". كم تُستخدم نفس مصطلحات وتعابير قوانين الأنظمة والبناء المعمول بها في الداخل، خصوصاً مصطلحات وتعريفات مناطق النفوذ، ومسطحات البناء، وتحديد مناطق وتخوم الخط الأزرق، لمحاصرة البناء الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، وتحديداً في المناطق "سي"، مقابل تشريع وقوننة سرقة الأراضي وإطلاق البناء في المستوطنات وعلى كل قطعة أرض يمكن وضع اليد عليها، حتى لو كانت قطعة أرض خاصة، وفق قانون تشريع الاستيطان الذي تم سنّه قبل نحو شهرين. وبهذا تكتمل دائرة الصراع على الأرض، ويحصل الربط بين تاريخ 1967 ويوم الأرض الأول عام 1976، مع ملاحظة إمعان حكومة الاحتلال في نسخ قوانين وتنظيمات مدنية داخل الخط الأخضر واستخدامها وتطبيقها على سياسات الاستيطان والمصادرات في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.
لكن يوم الأرض في الداخل الفلسطيني، وهو يظل عنواناً لصمود أقلية وجزء من شعب وقف قبل 41 عاماً أمام دولة عاتية، تحوّل في السنوات الأخيرة، ربما بفعل بُعده الزمني، إلى مجرد ذكرى، أو يوم للذكرى، لا يأخذ المكان الذي يليق به، ولو كون قضيته التي تفجّر غضب الناس فيه من أجلها، لا تزال حارقة ومشتعلة، بل هي تهدد بانفجار جديد، مع انتقال الحرب بين الناس والدولة، من الحرب على الأرض، المستمرة حالياً في النقب على الأقل، إلى مواجهة تكاد تكون يومية، وممتدة على مساحات واسعة، بشكل عيني وموضعي، عنوانها الهدم بحجة البناء غير المرخص، وخارج مناطق النفوذ ومسطحات البناء المسموح بها للقرى والبلدات الفلسطينية في الداخل.
وقد اشتعل الداخل الفلسطيني في أواسط يناير/كانون الثاني الماضي، بعد تنفيذ عمليات هدم وحشية للبيوت في مدينة قلنسوة، لم تهدأ نار الاحتجاج عليها حتى قتلت الشرطة الإسرائيلية، بعدها بأيام قليلة، المربي الفلسطيني يعقوب أبو القيعان، بدم بارد، بينما كانت تُعد لهدم بيوت قريته أم الحيران، في 18 يناير الماضي.
لكن نيران الاحتجاج، سرعان ما خمدت، وظلت تصريحات قيادات العرب في الداخل والاجتماعات المتكررة التي أعقبت سقوط الشهيد أبو القيعان، مع ما رافقه من تحريض حكومي إسرائيلي دموي على مجمل الفلسطينيين في الداخل، وعلى فلسطينيي النقب، وحتى على قادة الأحزاب العربية في الداخل، ظلت معلقة في الهواء، لا قدرة فعلية على تطبيقها، وسط تباين شديد في الإرادة والرؤية السياسية لمختلف الفاعليات السياسية والحزبية في الداخل الفلسطيني، لتنظيم خطوات عملية استعداداً لما تأتي به الأيام، أو تحديد آليات عمل جماهيرية وشعبية، وتوضيح سقف العمل المحتمل الذي يمكن للفلسطينيين في الداخل الالتزام به.
يأتي هذا كله، في الوقت الذي يستعد فيه الكنيست قريباً للمصادقة بالقراءتين الثانية والثالثة، على قانون يُعرف باسم قانون كامنيتس، نسبة إلى واضعه، راز كامنيتس، نائب المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، والذي يسعى لتسريع تطبيق أوامر الهدم الصادرة بحق آلاف البيوت الفلسطينية في الداخل الفلسطيني بحجة البناء غير المرخص. بينما تشير المعطيات المتوفرة، إلى أن أكثر من 20 ألف بيت فلسطيني قد يطاولها الهدم، بموجب القانون الجديد، في حال تشريعه نهائياً وبدء العمل به، مما يعني اقتراب مواجهة مقبلة بين فلسطينيي الداخل وبين الحكومة الإسرائيلية.
ويعني هذا أن الداخل الفلسطيني، سيشهد هبات موضعية، في كل مرة، تشب وتخبو، إلى أن يحصل تراكم في عمليات الهدم أو المواجهات قد يؤدي إلى تفجر الأوضاع قُطرياً وبشكل عفوي، ليبقى السؤال المعلق هو متى سيحصل هذا الانفجار، وهل سيتسنى تفاديه؟