عنصرية ترامب و"متعنصرة العرب"

04 فبراير 2017
+ الخط -
تبدو السياسات والقرارات التي يتخذها الرئيس الأميركي الجديد، بعد حملة انتخابية مفعمة بالخطاب الشعبوي الذي يقوم على مفرداتٍ عنصريةٍ، ويحاول أن يتخذ موقفا من المهاجرين والمهجّرين، وصولا إلى تحديد دولٍ بعينها يوقف دخول أي من أبنائها إلى الولايات المتحدة، مهما كان له سند قانوني في الوجود وفي الإقامة وفي الاستقرار داخلها، تبدو تعبيراً عن المعنى نفسه الذي عبّر عنه صمويل هنتنغتون في كتابه "من نحن"، والذي تضمن حالة خطيرة في التعامل مع مكونات الشعب الأميركي، والتمييز ما بين تلك التنوعات المختلفة، على الرغم من أن التقاليد الأميركية خبرة وتاريخا، أعرافا وأحكاما وقواعد دستورية، إنما تشير إلى أصالة المجتمع الأميركي، باعتباره مجتمع أقليات، ولكنه، في الوقت نفسه، مثل بوتقةٍ لصهر هذه التنوعات، في كيان متّحدٍ اتحادي، يعبر عن حالة فيدرالية، شكلت، على نحو أو آخر، نموذجا للاستيعاب، لا الاستبعاد.
يأتي ترامب ليقدم نموذجا مختلفا ضمن خطابه الشعبوي، يبدو ذلك واضحا حينما انتقد صحافي سياساته وخطابه العنصري، وأشار إلى خطورته على الحياة الأميركية، ثم حاول ترامب إيقافه عن الكلام، على الرغم من إعلان الصحافي حقه في السؤال والكلام، إلا أن ترامب أومأ إلى أحد مساعديه بأنه يسكته ويخرجه من القاعة، ويمنعه من إلقاء السؤال. ظل هذا الرجل، وقد جذبه أحد مساعدي ترامب إلى خارج القاعة، يردّد أن من حقه أن يسأل، وأنه أميركي، إلا أن مساعد ترامب كان فجا، ليس فقط في تعامله العنيف، ولكن في قوله، أيضا، في أثناء دفعه الصحافي بغلظة، إنك لست من أصل أميركي، وعليك أن تخرج من أميركا.
كان ذلك المشهد يعبر، في حقيقة الأمر، عن حالة الأزمة الحقيقية التي يعيشها، ليس فقط 
المجتمع الأميركي، بل المجتمع الغربي بأسره، خصوصاً أن خطاب ترامب امتلأ بنقد معظم الدول الأوروبية التي استقبلت مهاجرين، واتهمها بالتعاون في استقبال هؤلاء، أو استيعابهم، وهو ما ينظر إليه شخصٌ على رأس السلطة الأميركية، وبتفكير عنصري محض، أنه ليس من حق هؤلاء المهاجرين أن يستقبَلوا أو يوجدوا على أرضه، كان ذلك السلوك يعبر عن تفجير حالةٍ عنصريةٍ، بدت مظاهرها تتخذ أشكالا لا يمكن، بأي حال، إلا أن تعبر عن حالةٍ صاعدةٍ، يحاول هؤلاء أن يصدروها في مجتمعاتهم، بما يهدّد ليس فقط الديمقراطية باعتبارها نموذجا يتبناه الغرب، ويباهي بها الدنيا، ولكن ليمثل حالة تمييزية خطيرة، يمكن أن ينفرط عقد الاستيعاب داخل المجتمعات الغربية التي تكونت عبر الزمن، وصارت أهم قسمات تكوينها، وفي إطار من استيعاب التنوعات الثقافية والإثنية، بما يؤكد جيلا مهما في حقوق الإنسان العالمية.
لم يقتصر الأمر على ذلك، ولكن صرنا نشهد تجاوزاتٍ لا تعبر فحسب عن حالةٍ يمكن أن تنتشر بالعدوى، وبالتمدّد داخل المجتمعات الغربية، وأخطر مشكلة يمكن أن تواجه أسس الحضارة في الديمقراطية ومراعاة حقوق الإنسان الأساسية. هل أتاك حديث ما حدث في إقليم كيبك الكندي، على الرغم من أن كندا يقودها رئيس وزراء، رمز في استقبال المهاجرين واستيعابهم كحالة مجتمعية فريدة، تؤكد منظومة القيم الديمقراطية والحقوقية، شكلت تلك الحكومة نموذجا يمثل ويؤصل للمعاني، إذا بهذا الحادث الجلل، بإطلاق رصاص على مسلمين في المسجد واستهدافهم، ما أدى إلى قتل بعضهم، وإصابة آخرين، يعبر عن بداية حالات عدوى عنصرية جرّاء خطابات وقرارات أصر ترامب على أن يجعلها سياسةً واستراتيجية. حوادث كثيرة يمكن أن تشكل سلسلة في هذا المقام، تؤكد على صعود عنصرية ترامب من جهة، وصعود اليمين الديني في الغرب، من جهة أخرى، ليشكل خطابا عبر الحدود، يتسم بمزيد من العنصرية والمعاملة التمييزية، بل وسد كل الأبواب في وجه المهاجرين، من دون أي اعتبار لأحوالهم الإنسانية.
ظل هذا الخطاب يشكل حالة تهدّد المنظومة العالمية بأسرها. ومن هنا، كانت تلك المفارقة في كتاباتٍ، يتحدث بعضها عن انتقاد للديمقراطية في أساسها، والنظام الانتخابي في الولايات المتحدة الأميركية الذي جلب لهم، في النهاية، شخصاً مثل ترامب، لا يقيم وزنا للأصول المرعية، ولا حتى لاتفاقات دولية. ومن هنا، كان الوجه الآخر للديمقراطية قيام حالة احتجاجية واسعة في مظاهراتٍ منتشرة في بلاد الغرب، وفي ميادين الولايات المتحدة الأميركية، لتؤكد جانبا آخر من الممارسة الديمقراطية، وتناوبت ممارسة التشكيك في الديمقراطية، ليس فقط في قيمها، ولكن في قيمتها وإجراءاتها، والنتائج التي يمكن أن تتمخض عنها، فلا تهدّد كيان الدول، بل يمكن أن تهدد أسس تلك المجتمعات أو تنقضها.
وعلى الرغم من أن الدول العربية والإسلامية هي المستهدفة ضمن خطاباتٍ شعبويةٍ تتعلق 
بـ"الإرهاب الإسلامي"، وبقراراتٍ تتعلق بمنع مواطني سبع دول عربية وإسلامية، إلا أن ردود الأفعال كانت منعدمةً، وكأن الأمر لا يخص تلك الدول، ولا يضر بمواطنيها، والحقوق التي تترتب على ذلك، في الذهاب والدخول إلى الولايات المتحدة، بل إن بعض قيادات تلك الدول تحدّث، بشكل أو بآخر، عن تفهم قرارات ترامب، احتجاجات شعبية واسعة في الغرب، وتظاهرات تدافع عن حقوق العرب والمسلمين، بينما في دول الاستبداد العربي تمارس هذه الدول أقصى درجات تواطؤ الصمت، بل تعرب، في خطاباتها، عن تفهمها تلك السياسات، ماذا يعني ذلك إلا أن تكون هذه الدول، بقياداتها وخطاباتها، إنما تشكل حالة انحطاطٍ غير مسبوقة، ولا نجد خطابا يرد على مفردات "العنصرية الترامبية" إلا دولة مثل إيران التي تمارس، ضمن حدودها وخارجها، عنصرية مذهبية أخرى، تؤكد حالات الانغلاق والتعصب المذهبي.
إلا أن مؤامرة الصمت التي تمارسها دول عربية وإسلامية مستهدفة بهذه القرارات العنصرية تشكل ظاهرة أخطر، حينما نرى قيادات تلك الدول خانعة مستسلمة، وفي رواية أخرى متفهمة. هذه هي القضية، قضية الخطاب العنصري الذي يجب أن يستنفر كل طاقات المواجهة، لأنها تمسّ صميم معنى الإنسانية وحال الانبطاح في القابلية، ومؤامرة الصمت في دول عربية وإسلامية، الأمر الأساس الذي يجب أن نتوقف عنده في هذه المسألة أن العالم في خطر، وأن العنصرية والاستبداد يمكنهما أن يتعايشا ضمن تلك الشفرة الذهبية في مواجهة التطرّف الإسلامي.
وتبدو ظاهرة ترامب العنصرية تضيف إلى ظاهرة المتصهينة العرب بعدا يتعلق بالقابلية لهذه الظاهرة العنصرية من "متعنصرة" العرب والمسلمين. بين المتصهينة والمتعنصرة ود قائم ومصالح دفينة وأهداف قميئة، لن تكون ضحيتها إلا البشر والبشرية، أين هؤلاء من تعريف كارل دويتش (أستاذ السياسة المبرز) للعلاقات الدولية أنها فن الإبقاء على الجنس البشري؟ وأين هؤلاء جميعا من مقولة التعارف الأساسية التي تؤكد أن العلاقة بين الشعوب تقوم على مثلث ذهبي: المعرفة، والاعتراف، والمعروف من القيم الإنسانية، فهل يعي العنصريون والمتصهينة وأصحاب مؤامرة الصمت من المتعنصرة أنهم ينقضون كل الأسس التي تتعلق بالعلاقات والحقوق الإنسانية ، ليتهم يعقلون!.
ECE602C0-DB35-414B-9572-17B675CE3C2A
سيف الدين عبد الفتاح

كاتب وباحث مصري، مواليد 1954، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، من مؤلفاته "في النظرية السياسية من منظور إسلامي"، و" التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر.. رؤية إسلامية".