تشاهد الخمسينية التونسية زيادة الزمزمي، عصابات التنقيب عن الكنوز الأثرية في مقبرة "هنشير الجال" بمنطقة الأنصارين بطبربة (57 كيلومتراً شمال العاصمة)، بمعدل مرة إلى مرتين أسبوعيا، غير أن اعتراضها سبيلهم دون قصد في منتصف ليل 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 أدى إلى تعرضها للضرب من قبل "نباشين" كانت معهم خارطة يبحثون عن الآثار بواسطتها وأدوات حفر عديدة.
في المقبرة تبدو علامات النبش والحفر بحثا عن الآثار بارزة، إذ وثقت معدة التحقيق لدى قيامها بجولة ميدانية في المنطقة، وجود حفرتين عميقتين حديثتين إلى جانب بقايا حفريات واضحة للعيان، بالإضافة إلى قطعة أثرية على شكل مزهرية وضعت بالقرب من الطريق الرئيسي الذي يبعد مترين عن المنطقة الأثرية تمهيدا لنقلها، وعلى بعد بضعة أمتار منها، عمود مهدم بطول 3 أمتار جرى تحطيمه خلال محاولة للنبش عن الكنوز الأثرية، كما تقول زيادة الزمزمي.
وتقع أرض هنشير الجال، الممتدة على 70 هكتارا، على مدينة أثرية، وجزء منها ملك للدولة، والآخر ملك للخواص، بحسب تأكيد عبد الوهاب محجوب، رئيس جمعية صيانة مدينة طبربة المختصة بصيانة الآثار ورعاية الطابع المعماري والتراثي، والذي قال لـ"العربي الجديد": "بعض الأهالي يقومون بحراسة المنطقة تطوعا، في ظل غياب الحراسة الرسمية، ولكن المساحة شاسعة جدا، ولا يمكن أن تسلم من قبضة النباشين على الكنوز في ظل غياب الحماية".
ويتكرر ما سبق في محافظة القصرين، وسط غرب تونس، وتحديدا بهنشير حاسي الفريد، الواقعة في ولاية القصرين، إذ وثقت معدة التحقيق نبش مناطق أثرية لم يمض على حفرها سوى بضعة أيام، إذ وجدت بقايا الأكل وقوارير المياه والأتربة الناتجة عن الحفر منتشرة في المكان، في ظل غياب الحراسة الرسمية التي تؤمن المنطقة الممتدة على عشرات الكيلومترات.
اقــرأ أيضاً
ويؤكد رئيس الجمعية التونسية لحماية البيئة والآثار في المحمدية حسن الحمايدي لـ"العربي الجديد"، أن الحفريات طاولت بني مطير والكاف في شمال غرب البلاد، وحتى قرطاج في العاصمة تونس، التي يظن البعض أنها مؤمنة، غير أنها تعرضت للعديد من الحفريات، إلى جانب المنستير على الساحل، والقصرين، وسط غرب تونس، مشيرا إلى أن الحفريات المنتشرة تقف وراءها عصابات منظمة، لأن تهريب الآثار يحتاج إلى شبكات نافذة، كما يقول.
ويعزو مسؤول قسم المحجوزات في المعهد الوطني للتراث، التابع لوزارة الثقافة، (معني بإحصاء التراث الأثري والتاريخي وصيانته)، ياسر جراد، أسباب انتشار الظاهرة إلى ترويج البعض لوجود كنوز عبر ادعاء أن الرموز الخاصة بالآثار تدل على كنوز مخفية، رغم أن الرسوم التي تحملها بعض الآثار خاصة بتلك الحقبة والحضارة التي تنتمي إليها، ومن غير المعقول أن يدل أحدهم على مكان كنز برمز، ليعثر عليه أيا كان، كما يقول.
تجارة عبر مواقع التواصل
وثقت معدة التحقيق 15 صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بعضها حمل اسم "كنوز وآثار تونس"، وأخرى "اختصاص حفر كنوز ودفائن"، و"تبادل وشراء النقود القديمة والآثار" و"التحف بيع وشراء ذهب وتحف" و"آثار قديمة وأحجار"، كلها مختصة في نبش المناطق الأثرية وتجارة الآثار. وعبر حديث مع اثنين من أصحاب تلك الصفحات ادعيا قدرتهما على مساعدة الباحثين عن الكنوز، إذ أكد القائمون على صفحتي "كنوز وآثار تونس" و"اختصاص حفر كنوز ودفائن"، عبر محادثة فيسبوك، إمكانية الحفر للبحث عن الآثار في منزل قديم أوهمتهم معدة التحقيق بأنه يحتوي على كنز، عبر إظهارها للمشرفين على الصفحتين بعض الصور التي تحمل رموزا صوّرتها من الموقع الاثري في هنشير الجال.
وتعتبر ظاهرة نهب الآثار في تونس قديمة، لكنها تفاقمت بعد ثورة 2011، بسبب حالة الانفلات، وفق تأكيد رئيس جمعية صيانة التراث في غمراسن، ولاية تطاوين، جنوب شرقي تونس، حبيب علجان، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن العائلة الحاكمة السابقة، كانت تضع يدها على الآثار في تونس قبل الثورة، وبزوال النظام زادت أطماع بعض المواطنين في النبش والحفر، كما يقول.
أعداد كبيرة من الآثار المضبوطة
حُجزت 33355 قطعة أثرية، من بينها 6200 مقلدة، والبقية نحو 27 ألف قطعة أصلية، خلال الفترة من 2012 إلى مارس/ آذار 2018، بحسب جراد، مشيرا إلى أن قضايا التنقيب التي رفعها المعهد الوطني للتراث تقدر بنحو 200 قضية خلال الفترة نفسها، بمعدل 40 قضية سنويا، هذا من دون احتساب الحفريات التي تسجل ضد مجهول، كما يقول.
ويؤكد الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للحرس الوطني في وزارة الداخلية، العقيد حسام الدين الجبابلي، أنّ عدد قضايا الاتجار بالآثار خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2018 بلغت 40 قضية، منها 39 قضية ضبط فيها الأشخاص متلبسين وقضية سجلت ضد مجهول. وبحسب الجبايلي، بلغ عدد الأشخاص الذين تم توقيفهم 71 شخصا، وظل 8 في حالة إطلاق سراح لنقص الأدلة. وفي ما يتعلق بقضايا التنقيب عن الآثار، فقد بلغت 90 قضية، منها 27 ضبط فيها المتهمون متلبسون، وبلغ عدد المتحفظ عليهم 103 متهمين. كما يشير الجبايلي إلى أن عدد قضايا الاتجار بالآثار بلغ 250 قضية خلال عام 2015، منها 52 ضبط فيها المتهمون في حالة تلبس، فيما بلغ عدد المتهمين في 47 قضية آثار، و91 متهما خلال عام 2016، تم القبض على 60 منهم.
وخلال عام 2017 سجلت 73 قضية، منها 62 قضية قبض فيها على المتهمين البالغ عددهم 218 متهما. وتابع الجبابلي محذرا من تفاقم الظاهرة قائلا: "تم إلقاء القبض على أربعة أشخاص في منزل بمكثر وحجز مخطوطة باللغة العبرية تبين بعد إرسالها إلى المعهد الوطني للتراث أنها تاريخية ولا تقدر بثمن، وهي عبارة عن أنشودة دينية (تتمثل في دعوة أهل الأخدود إلى عدم عصيان الله وتلبية أوامره)، فضلا عن تفكيك شبكة مختصة في التهريب والاتجار بالقطع الأثرية في 26 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، كانت تنشط بين تونس والقيروان وسليانة".
غياب أنظمة المراقبة
تثير المعالم الأثرية المهملة وغير المحمية شهية عصابات البحث والتنقيب عن الآثار والكنوز التي يتم بيعها وتهريبها، إما عبر الحدود البرية، أو عبر الموانئ والمطارات خلسة، وأحيانا تحت حماية بعض المسؤولين، بحسب الحمايدي، الذي قال إن الأماكن المحروسة تفتقر بدورها إلى نظم رقابية إلكترونية متطورة عبر الكاميرات. ويوضح أن منطقة المحمدية في تونس العاصمة تحتوي على العديد من الآثار التي تعود إلى الدولة الحسينية في عام 1705، و"الحنايا" (سواق طويلة) الرومانية، وأغلب السرقات أضرت بالآثار، مثل قصر خزندار الذي سقط منه أخيرا سور كبير طوله 22 مترا جراء الحفريات العشوائية، في ظل غياب تام للحراسة. ويؤكد الحمايدي أنّ المعهد الوطني للتراث يقف عند مفترق طرق، إذ إن لديه معالم مصنفة، وهي التي يوليها أهمية كبيرة في الحراسة وأخرى غير مصنفة ومهملة ومعالم ذات إشكاليات عقارية، وهنا تتحمل الدولة المسؤولية في إيجاد حلول لها وانتزاعها للمصلحة العامة، كما يقول.
لكن جراد يقول إن عدد المواقع الأثرية في تونس يبلغ 33 ألف موقع، ولا يمكن تأمين جميع المواقع وحراستها، فالمعهد الوطني للتراث، كما يقول، يضم ألفي شخص بين باحثين وموظفين وعمال وحراس، مضيفا أن إمكانيات المعهد محدودة على المستوى المادي والبشري، ومعظم الحراس يتم وضعهم في المواقع الأثرية الهامة أو تلك التي تشهد العديد من الحفريات، وهذا يتطلب تضافر جهود الجميع، من مجتمع مدني ومواطنين. وترى الباحثة المختصة في الآثار، سامية اليحياوي، أن الآثار الموزعة على مناطق عديدة، ينبغي أن تتم معاينتها وتجميعها ونقلها إلى المتاحف، إن تطلب الأمر ذلك، لحمايتها من النهب، وإذا كان العقار الذي تقع عليه الآثار ملك لشخص، فإنه يتم النظر في تعويضه، أو يبقى في أرضه، ولكن لا يحق له التصرف بها، ويتم التعامل مع الملفات بحسب وضعية العقار. وترى أنّ الآثار الضخمة والتي لم تنقل، لا بد من أن تتم حمايتها وفرض حراسة عليها.
عقوبات قانونية
يعاقب النابشون عن الآثار والكنوز بالسجن وبغرامة مالية، إذ ورد في المادتين 82 و83 من قانون حماية التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية، عدد 35 لسنة 1994، المؤرخ في 24 فبراير/ شباط 1994، أن المخالف لأحكام المجلة يعاقب بالسجن لمدة تراوح بين 3 أشهر و6 أشهر وبدفع ما بين 500 دينار تونسي (200 دولار أميركي) و5000 دينار (2000 دولار)، أو بإحدى العقوبتين. وتصل العقوبات إلى شهر وعام وغرامة تراوح بين 1000 دينار و10 آلاف، بحسب الفصل 83 من المجلة.
ولا تبدو العقوبات السابقة رادعة، وهو ما يوضحه المحامي عبد الجواد الحرّازي، الذي سبق أن باشر العديد من قضايا الآثار، لـ"العربي الجديد"، قائلا إن أغلب المخالفات المتعلقة بسرقة وبيع الآثار تصنّف كجنح، وهو ما يفسر أن عقوبة مرتكب جميع المخالفات المنصوص عليها في مجلّة حماية التراث ضعيفة، وهو ما شجع الكثيرين على الاتجار بالآثار. كذلك يعتبر الحرازي أن العقوبات المنصوص عليها في مجلّة حماية التراث الأثري والتاريخي الصادرة بمقتضى القانون عدد 35 لسنة 2004، قديمة وعامة في تعريفها للتراث، كما أنها لم تُنقَّح، باعتبار أن الظاهرة قبل الثورة لم تكن مستفحلة بالدرجة التي هي عليها الآن، ولأن المتاجرة بالآثار كانت محصورة بأشخاص نافذين ورجال أعمال، وظل هذا الملف مسكوت عنه عن قصد، وحان الوقت لتنقيح القانون ومراجعة العقوبات.
في المقبرة تبدو علامات النبش والحفر بحثا عن الآثار بارزة، إذ وثقت معدة التحقيق لدى قيامها بجولة ميدانية في المنطقة، وجود حفرتين عميقتين حديثتين إلى جانب بقايا حفريات واضحة للعيان، بالإضافة إلى قطعة أثرية على شكل مزهرية وضعت بالقرب من الطريق الرئيسي الذي يبعد مترين عن المنطقة الأثرية تمهيدا لنقلها، وعلى بعد بضعة أمتار منها، عمود مهدم بطول 3 أمتار جرى تحطيمه خلال محاولة للنبش عن الكنوز الأثرية، كما تقول زيادة الزمزمي.
وتقع أرض هنشير الجال، الممتدة على 70 هكتارا، على مدينة أثرية، وجزء منها ملك للدولة، والآخر ملك للخواص، بحسب تأكيد عبد الوهاب محجوب، رئيس جمعية صيانة مدينة طبربة المختصة بصيانة الآثار ورعاية الطابع المعماري والتراثي، والذي قال لـ"العربي الجديد": "بعض الأهالي يقومون بحراسة المنطقة تطوعا، في ظل غياب الحراسة الرسمية، ولكن المساحة شاسعة جدا، ولا يمكن أن تسلم من قبضة النباشين على الكنوز في ظل غياب الحماية".
ويتكرر ما سبق في محافظة القصرين، وسط غرب تونس، وتحديدا بهنشير حاسي الفريد، الواقعة في ولاية القصرين، إذ وثقت معدة التحقيق نبش مناطق أثرية لم يمض على حفرها سوى بضعة أيام، إذ وجدت بقايا الأكل وقوارير المياه والأتربة الناتجة عن الحفر منتشرة في المكان، في ظل غياب الحراسة الرسمية التي تؤمن المنطقة الممتدة على عشرات الكيلومترات.
ويؤكد رئيس الجمعية التونسية لحماية البيئة والآثار في المحمدية حسن الحمايدي لـ"العربي الجديد"، أن الحفريات طاولت بني مطير والكاف في شمال غرب البلاد، وحتى قرطاج في العاصمة تونس، التي يظن البعض أنها مؤمنة، غير أنها تعرضت للعديد من الحفريات، إلى جانب المنستير على الساحل، والقصرين، وسط غرب تونس، مشيرا إلى أن الحفريات المنتشرة تقف وراءها عصابات منظمة، لأن تهريب الآثار يحتاج إلى شبكات نافذة، كما يقول.
ويعزو مسؤول قسم المحجوزات في المعهد الوطني للتراث، التابع لوزارة الثقافة، (معني بإحصاء التراث الأثري والتاريخي وصيانته)، ياسر جراد، أسباب انتشار الظاهرة إلى ترويج البعض لوجود كنوز عبر ادعاء أن الرموز الخاصة بالآثار تدل على كنوز مخفية، رغم أن الرسوم التي تحملها بعض الآثار خاصة بتلك الحقبة والحضارة التي تنتمي إليها، ومن غير المعقول أن يدل أحدهم على مكان كنز برمز، ليعثر عليه أيا كان، كما يقول.
تجارة عبر مواقع التواصل
وثقت معدة التحقيق 15 صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بعضها حمل اسم "كنوز وآثار تونس"، وأخرى "اختصاص حفر كنوز ودفائن"، و"تبادل وشراء النقود القديمة والآثار" و"التحف بيع وشراء ذهب وتحف" و"آثار قديمة وأحجار"، كلها مختصة في نبش المناطق الأثرية وتجارة الآثار. وعبر حديث مع اثنين من أصحاب تلك الصفحات ادعيا قدرتهما على مساعدة الباحثين عن الكنوز، إذ أكد القائمون على صفحتي "كنوز وآثار تونس" و"اختصاص حفر كنوز ودفائن"، عبر محادثة فيسبوك، إمكانية الحفر للبحث عن الآثار في منزل قديم أوهمتهم معدة التحقيق بأنه يحتوي على كنز، عبر إظهارها للمشرفين على الصفحتين بعض الصور التي تحمل رموزا صوّرتها من الموقع الاثري في هنشير الجال.
وتعتبر ظاهرة نهب الآثار في تونس قديمة، لكنها تفاقمت بعد ثورة 2011، بسبب حالة الانفلات، وفق تأكيد رئيس جمعية صيانة التراث في غمراسن، ولاية تطاوين، جنوب شرقي تونس، حبيب علجان، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن العائلة الحاكمة السابقة، كانت تضع يدها على الآثار في تونس قبل الثورة، وبزوال النظام زادت أطماع بعض المواطنين في النبش والحفر، كما يقول.
أعداد كبيرة من الآثار المضبوطة
حُجزت 33355 قطعة أثرية، من بينها 6200 مقلدة، والبقية نحو 27 ألف قطعة أصلية، خلال الفترة من 2012 إلى مارس/ آذار 2018، بحسب جراد، مشيرا إلى أن قضايا التنقيب التي رفعها المعهد الوطني للتراث تقدر بنحو 200 قضية خلال الفترة نفسها، بمعدل 40 قضية سنويا، هذا من دون احتساب الحفريات التي تسجل ضد مجهول، كما يقول.
ويؤكد الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للحرس الوطني في وزارة الداخلية، العقيد حسام الدين الجبابلي، أنّ عدد قضايا الاتجار بالآثار خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2018 بلغت 40 قضية، منها 39 قضية ضبط فيها الأشخاص متلبسين وقضية سجلت ضد مجهول. وبحسب الجبايلي، بلغ عدد الأشخاص الذين تم توقيفهم 71 شخصا، وظل 8 في حالة إطلاق سراح لنقص الأدلة. وفي ما يتعلق بقضايا التنقيب عن الآثار، فقد بلغت 90 قضية، منها 27 ضبط فيها المتهمون متلبسون، وبلغ عدد المتحفظ عليهم 103 متهمين. كما يشير الجبايلي إلى أن عدد قضايا الاتجار بالآثار بلغ 250 قضية خلال عام 2015، منها 52 ضبط فيها المتهمون في حالة تلبس، فيما بلغ عدد المتهمين في 47 قضية آثار، و91 متهما خلال عام 2016، تم القبض على 60 منهم.
وخلال عام 2017 سجلت 73 قضية، منها 62 قضية قبض فيها على المتهمين البالغ عددهم 218 متهما. وتابع الجبابلي محذرا من تفاقم الظاهرة قائلا: "تم إلقاء القبض على أربعة أشخاص في منزل بمكثر وحجز مخطوطة باللغة العبرية تبين بعد إرسالها إلى المعهد الوطني للتراث أنها تاريخية ولا تقدر بثمن، وهي عبارة عن أنشودة دينية (تتمثل في دعوة أهل الأخدود إلى عدم عصيان الله وتلبية أوامره)، فضلا عن تفكيك شبكة مختصة في التهريب والاتجار بالقطع الأثرية في 26 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، كانت تنشط بين تونس والقيروان وسليانة".
غياب أنظمة المراقبة
تثير المعالم الأثرية المهملة وغير المحمية شهية عصابات البحث والتنقيب عن الآثار والكنوز التي يتم بيعها وتهريبها، إما عبر الحدود البرية، أو عبر الموانئ والمطارات خلسة، وأحيانا تحت حماية بعض المسؤولين، بحسب الحمايدي، الذي قال إن الأماكن المحروسة تفتقر بدورها إلى نظم رقابية إلكترونية متطورة عبر الكاميرات. ويوضح أن منطقة المحمدية في تونس العاصمة تحتوي على العديد من الآثار التي تعود إلى الدولة الحسينية في عام 1705، و"الحنايا" (سواق طويلة) الرومانية، وأغلب السرقات أضرت بالآثار، مثل قصر خزندار الذي سقط منه أخيرا سور كبير طوله 22 مترا جراء الحفريات العشوائية، في ظل غياب تام للحراسة. ويؤكد الحمايدي أنّ المعهد الوطني للتراث يقف عند مفترق طرق، إذ إن لديه معالم مصنفة، وهي التي يوليها أهمية كبيرة في الحراسة وأخرى غير مصنفة ومهملة ومعالم ذات إشكاليات عقارية، وهنا تتحمل الدولة المسؤولية في إيجاد حلول لها وانتزاعها للمصلحة العامة، كما يقول.
لكن جراد يقول إن عدد المواقع الأثرية في تونس يبلغ 33 ألف موقع، ولا يمكن تأمين جميع المواقع وحراستها، فالمعهد الوطني للتراث، كما يقول، يضم ألفي شخص بين باحثين وموظفين وعمال وحراس، مضيفا أن إمكانيات المعهد محدودة على المستوى المادي والبشري، ومعظم الحراس يتم وضعهم في المواقع الأثرية الهامة أو تلك التي تشهد العديد من الحفريات، وهذا يتطلب تضافر جهود الجميع، من مجتمع مدني ومواطنين. وترى الباحثة المختصة في الآثار، سامية اليحياوي، أن الآثار الموزعة على مناطق عديدة، ينبغي أن تتم معاينتها وتجميعها ونقلها إلى المتاحف، إن تطلب الأمر ذلك، لحمايتها من النهب، وإذا كان العقار الذي تقع عليه الآثار ملك لشخص، فإنه يتم النظر في تعويضه، أو يبقى في أرضه، ولكن لا يحق له التصرف بها، ويتم التعامل مع الملفات بحسب وضعية العقار. وترى أنّ الآثار الضخمة والتي لم تنقل، لا بد من أن تتم حمايتها وفرض حراسة عليها.
عقوبات قانونية
يعاقب النابشون عن الآثار والكنوز بالسجن وبغرامة مالية، إذ ورد في المادتين 82 و83 من قانون حماية التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية، عدد 35 لسنة 1994، المؤرخ في 24 فبراير/ شباط 1994، أن المخالف لأحكام المجلة يعاقب بالسجن لمدة تراوح بين 3 أشهر و6 أشهر وبدفع ما بين 500 دينار تونسي (200 دولار أميركي) و5000 دينار (2000 دولار)، أو بإحدى العقوبتين. وتصل العقوبات إلى شهر وعام وغرامة تراوح بين 1000 دينار و10 آلاف، بحسب الفصل 83 من المجلة.
ولا تبدو العقوبات السابقة رادعة، وهو ما يوضحه المحامي عبد الجواد الحرّازي، الذي سبق أن باشر العديد من قضايا الآثار، لـ"العربي الجديد"، قائلا إن أغلب المخالفات المتعلقة بسرقة وبيع الآثار تصنّف كجنح، وهو ما يفسر أن عقوبة مرتكب جميع المخالفات المنصوص عليها في مجلّة حماية التراث ضعيفة، وهو ما شجع الكثيرين على الاتجار بالآثار. كذلك يعتبر الحرازي أن العقوبات المنصوص عليها في مجلّة حماية التراث الأثري والتاريخي الصادرة بمقتضى القانون عدد 35 لسنة 2004، قديمة وعامة في تعريفها للتراث، كما أنها لم تُنقَّح، باعتبار أن الظاهرة قبل الثورة لم تكن مستفحلة بالدرجة التي هي عليها الآن، ولأن المتاجرة بالآثار كانت محصورة بأشخاص نافذين ورجال أعمال، وظل هذا الملف مسكوت عنه عن قصد، وحان الوقت لتنقيح القانون ومراجعة العقوبات.