استمع إلى الملخص
- التأثير السياسي والاجتماعي: يؤثر الحرمان على التوازن السياسي، حيث يُعتقد أن تقييد أصوات الأقليات يعزز فرص الحزب الجمهوري. تواجه فئات مثل كبار السن والمشردين صعوبات لوجستية وقانونية في التصويت.
- التمييز والعدالة الاجتماعية: يعكس الحرمان تمييزاً في نظام العدالة، حيث يواجه الأقليات صعوبات قانونية ومالية لاستعادة حقوقهم، مما يبرز الحاجة لإصلاحات شاملة لضمان العدالة والمساواة.
لم يتمكن 4 ملايين أميركي من التصويت في الانتخابات الرئاسية، إذ تحرمهم 48 ولاية حقهم، ضمن ممارسات تعود أصولها إلى ما يعرف بقوانين "جيم كرو" التي تطورت فيدرالياً، وتقصي فئات متنوعة، من بينها مدانون قضوا عقوباتهم.
- نال الأميركي من أصول أفريقية روبرت لي لي، نهاية العام الماضي، إطلاق سراح مشروطاً بعدم ارتكاب أي جريمة، قبل انقضاء مدة العقوبة الاصلية، ما سمح بخروجه من محبسه الذي أودع فيه وحكم بثلاثين عاماً لإدانته بجنايتين، في ولاية تكساس جنوب غربي الولايات المتحدة، وفق ما جاء في بيانات القضية رقم 11-02-00355-CR لعام 2003، التي اطلع "العربي الجديد" على مستنداتها عبر محرك البحث القانوني في قواعد بيانات المحاكم Court Link.
غيّر السجن لي لي، وأصبح أكثر اهتماماً بما يجري حوله، حتى إنه كان متحمساً للمشاركة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لكنه لم يجد اسمه ضمن قوائم الناخبين، واكتشف أنه سيظل محروماً من التصويت لمدة 25 عاماً أخرى، إلى أن تنتهي فترة الإفراج المشروط الذي يُعَدّ جزءاً من العقوبة.
وحجب حق التصويت عن لي لي استناداً إلى الفصل الثاني من قانون الانتخابات بولاية تكساس بشأن مؤهلات الناخبين وتسجيلهم TX Elec Code § 11.002، "والذي ينص على أن الناخب المؤهل هو كل أميركي بلغ 18 عاماً ولم يُدَن نهائياً بارتكاب جناية، وإذا أدين بذلك، فلا بد أن يكون قد أنهى عقوبته بالكامل، بما في ذلك أي مدة سجن أو إطلاق سراح مشروط أو مراقبة، أو أكمل فترة الاختبار التي أمرت بها المحكمة".
انتهاك حق محميّ بموجب القانون الدولي الإنساني
لي لي واحد من بين 4 ملايين أميركي لم يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الأخيرة بسبب قوانين الحرمان من الحقوق السارية في 48 ولاية على المدانين بارتكاب جرائم جنائية، ويمثل هؤلاء 1.7% من المؤهلين للتصويت في الولايات المتحدة، وفق بيانات تقرير "أربعة ملايين محرومون حقوق التصويت" الصادر في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2024 عن منظمة The Sentencing Project (تعمل على تعزيز العدالة).
4 ملايين أميركي حُرموا التصويت في انتخابات 2024 الرئاسية
ويُعرّف المحامي ريموند جون، الذي يدير مكتب Standard title للمحاماة في مدينة لافاييت بولاية لويزيانا جنوبيّ البلاد، المحروم من التصويت بأنه "المواطن الأميركي المؤهل قانونياً ولا يعاني أي إعاقة عقلية جزئية أو كلية، لكن اسمه غير موجود في قاعدة بيانات الانتخابات في الدائرة التي يتبعها للتصويت شخصياً أو من طريق البريد في الانتخابات العامة".
ومن أصل 4 ملايين أميركي فاقدين لحقوق التصويت، يعيش 72% منهم في مجتمعاتهم، إذ إن 7 من كل 10 أشخاص محرومون من حقوقهم ضمن أسرهم وبيئتهم، وأكملوا مدة عقوبتهم بالكامل أو ظلوا تحت الإشراف والمراقبة بعد حصولهم على الإفراج المشروط، بينما 40% من فاقدي الحق في التصويت أتموا عقوبتهم بالكامل، ويشكلون النسبة الأكبر، فيما يمثل الموجودون حالياً في السجون والمعتقلات 29% من بين المحرومين من حقوقهم، استناداً إلى بيانات منظمة The Sentencing Project.
"ولا ينص الدستور الأميركي مباشرةً على منح أو منع حقوق التصويت للأفراد المدانين بجرائم، ما يترك للولايات تحديد لوائحها الخاصة، وتبعاً لذلك، تختلف التفاصيل بشكل كبير بين الولايات بسبب الاستقلالية التي تتمتع بها كل منها"، يوضح جون.
يعود تاريخ قوانين الحرمان من الحقوق، وعلى رأسها الحق في التصويت، إلى نهاية الحرب الأهلية عام 1865، بعد أن حصل السود المستعبدون سابقاً على حق التصويت من خلال التعديل الرابع عشر للدستور. بعد ذلك، بدأ المشرعون في الولايات بتوسيع قائمة الجرائم المحددة على أنها جنايات لاستهداف السود، وفي الوقت نفسه، بدأت ولايات بحجب حق التصويت في حالة الإدانة بارتكاب جناية، على الرغم من أن الحكومة الفيدرالية منعت رسمياً بعض هذه السياسات، المعروفة باسم "قوانين جيم كرو"، ورغم ذلك، لا تزال قوانين الحرمان من حق التصويت سارية في 48 ولاية، وفق ما جاء في تقرير "خارج النطاق: سياسة الولايات المتحدة بشأن حقوق التصويت من منظور عالمي"، الصادر عن منظمة هيومان رايتس ووتش والمنشور في 27 يونيو/حزيران 2024.
فلوريدا تتصدر القائمة
تصنف الولايات المتحدة ضمن الدول المُقيّدة للحق في التصويت، وإلى جانبها 63 دولة أخرى من أصل 136 فحصت منظمة هيومان رايتس ووتش قوانينها، ما يحرم مجموعة واسعة من الناس من حقوقهم، لكون الوصول إلى التصويت على نطاق واسع هو حجر الزاوية في الديمقراطيات.
تمنع 48 ولاية المدان بجناية من التصويت في الانتخابات
بالمقابل، تمنح ولايات حقوق التصويت تلقائياً بعد انتهاء مدة العقوبة، بينما تقضي قوانين ولايات أخرى بإتمام فترة المراقبة أو الإفراج المشروط مثل فلوريدا جنوب شرقيّ البلاد، والتي لا تحرم من هو في فترة الإفراج المشروط فقط، بل تحجب حق التصويت مدى الحياة عن المدانين بجرائم القتل والاغتصاب، بحسب توضيح المحامي جون. لذلك تتصدر فلوريدا قائمة الولايات من حيث عدد فاقدي الحق في التصويت، وتضم 961 ألفاً، من بينهم 730 ألفاً ممن أتموا مدة عقوبتهم، لكنهم لم يستعيدوا حقوقهم. كذلك، ولاية تينيسي في الجزء الجنوبي الشرقي، من الولايات التي تستبعد من أدينوا بجنايات من المشاركة في التصويت، إذ يُحرم أكثر من 6% من السكان البالغين فيها، أي إن واحداً من كل 17 بالغاً، محروم من الإدلاء بصوته في الانتخابات.
في المقابل، تمنح ولايتا مين Maine شمالاً، وڤيرمونت شمال شرقيّ البلاد، حق التصويت بمجرد خروج المدان من السجن، بعد سنّ تعديلات قانونية للحد من هذه الممارسة. وانخفضت أعداد المحرومين من نزلاء سجون الولايتين، والخاضعين للمراقبة، والإفراج المشروط إلى أن أصبح عددهم صفراً في الولايتين، وفق بيانات منظمة The Sentencing Project.
أما ولاية ميريلاند الواقعة في الجزء الأوسط من البلاد، فتمنع حق التصويت عمّن أدين بتهمة بيع وشراء أصوات الناخبين، كذلك تحجب ولاية أريزونا الحق في التصويت عن المدانين بجنايات، ولا يمكنهم استعادته إلا بعد موافقة المحكمة، يوضح المحامي جون.
كيف يخدم الحرمان من التصويت المصالح الحزبية؟
"تتغير قوانين الانتخابات على الدوام وفق مصلحة الحزب الموجود في السلطة، وهذه التغييرات قد تكون على المستوى الفيدرالي وعلى مستوى الولايات"، يقول المحامي جون، إذ يستفيد الحزب الجمهوري عندما يقيد أو يحد من إمكانية تصويت أصحاب البشرة السوداء والملونين في الانتخابات الرئاسية بشكل خاص، وتستند هذه الفكرة إلى فرضية أن الناخبين السود يميلون أكثر إلى دعم الديمقراطيين، لذلك فإن أي تقييد لأصواتهم يسهم في رفع حظوظ الجمهوريين، بحسب تفسير المحامي الأميركي تريسي جونسون، الذي يدير مكتب محاماة خاصاً في مدينة دالاس بولاية تكساس. وضرب مثالاً بما حدث في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 حين صوت 87% من إجمالي 19 مليون ناخب أسود للرئيس الأميركي جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي.
قد يلجأ حكام ولايات إلى تقليص نسب مشاركة السود والأقليات في الانتخابات عبر فرض تعليمات مفاجئة، كما فعل حاكم ولاية فيرجينيا الجمهوري Glenn Youngkin حين ألزم الناخبين بتعديل بطاقات رخص القيادة، من أجل التأكد من كون الناخب مواطناً ينتمي إلى الولاية عبر وضع رمز عليها، ولم يسمح بالتصويت إلا لمن عدّل بطاقته. تاريخياً، لجأت ولايات إلى الحد من التصويت المبكر أو تقليل عدد مراكز الاقتراع، وهي طرق تؤثر بشكل أكبر في الناخبين السود والأقليات، إلى جانب حرمان المدان وإن أتمّ العقوبة وفق جونسون.
وضمن المعركة بين الحزبين الكبيرين، يعمل الديمقراطيون على تعديل سياسات الولايات لتقليص الحق في المنع من المشاركة في الانتخابات، إذ رفعت لجان الحزب 96 قضية في 26 ولاية خلال عام 2021، بالإضافة إلى العاصمة واشنطن من أجل تعديل قوانين الانتخابات وتوسيع نطاق المشاركة.
ويُحرم 4.5% من الأميركيين من أصل أفريقي من حق التصويت، وهو معدل يزيد ثلاثة أضعاف مقارنة بغير الأفارقة والذين بلغت نسبتهم 1.3%، وعلى مستوى 15 ولاية، يُمنع 5% أو أكثر من ذوي الأصول الأفريقية من التصويت بسبب إدانتهم بارتكاب جناية وتتصدر أريزونا، وفلوريدا، وكنتاكي، وداكوتا الجنوبية، وتينيسي تلك الولايات، كما تكشف بيانات The Sentencing Project.
عراقيل تحرم فئات محددة من التصويت
تحدّ عوائق كثيرة من مشاركة كبار السن في التصويت، بخاصة المقيمون دائماً في دور الرعاية، تقول الدكتورة جانا جاسكن التي تدير مؤسسة Brickstone لرعاية كبار السن في مدينة ود بردج بولاية فيرجينيا، وهؤلاء معزولون نتيجة ظروفهم الصحية، في ظل عدم اتخاذ الدولة تدابير تذلل العقبات التي تواجههم، مثل إتاحة أماكن تصويت ميسّرة، وفيها مختصون يقدمون المساعدة إلى من يعانون من مشكلات في الحركة، أو من خلال اعتماد التصويت عبر البريد، ليتمكن كبار السن من ممارسة حقهم الانتخابي دون تعرّضهم لأي تدخل أو إكراه.
وعلى الصعيد القانوني، تفرض التشريعات الفيدرالية توفير بيئة تصويت ميسرة وموارد داعمة لتسهيل وصول الناخبين المسنين وذوي الإعاقة إلى صناديق الاقتراع، بحسب جونسون. "إلا أن ولايات سنّت قوانين قمعية في ما يتعلق بالتصويت تحت ستار مكافحة التزوير، مثل القوانين التي تتطلب هوية محددة للناخب كما في ولاية تكساس، والتي يصعب على كبار السن استخراجها، وحتى الملايين منهم لا يحتفظون ببطاقة هوية حكومية حالياً، بالإضافة إلى تقييد الوصول إلى الصناديق، فلا قدرة لكبار السن على السفر لمسافات طويلة للمشاركة في عملية الانتخاب، وقد تُغلَق مبكراً، إلى جانب عدم تفعيل التصويت الغيابي عبر البريد"، بحسب تقرير "العوائق التي تحول دون التصويت للأميركيين الأكبر سناً: كيف تجعل الدول الأمر أكثر صعوبة؟ وما الذي يمكن فعله لتسهيل الأمر؟"، والذي أصدرته اللجنة الخاصة بمجلس الشيوخ الأميركي المعنية بالشيخوخة.
ويواجه مشردون منتشرون في جميع المدن الأميركية الكبرى صعوبات تمنع مشاركتهم، لكونهم يفتقرون إلى محل إقامة دائم أو أوراق ثبوتية حديثة تثبت أحقيتهم بالتصويت في دائرة محددة، ويُحرَمون التصويت إذا تقدموا لأي لجنة قريبة من محل وجودهم، كما يقول شريف الشامي الذي نشط ضمن مجموعات متطوعين هدفت إلى تسهيل التصويت أمام المشردين خلال الانتخابات الأخيرة، مثل السماح باستخدام مراكز المأوى باعتبارها عناوين مؤقتة لهم.
علاقة الفقر بالحرمان من التصويت
"لا يقتصر الخلل الذي يؤدي إلى استبعاد 4 ملايين أميركي من المشاركة في التصويت على نظام الانتخابات فحسب، بل يشمل نظام العدالة بأكمله لكونه يتسم بالتمييز ضد الأقليات"، كما يرصد ويوثق محمد خير الله، عمدة مدينة برسبكت بارك في ولاية نيوجيرسي شمال شرقي البلاد.
ويبدأ التمييز عندما يعجز العديد من المتهمين، وتحديداً من الأقليات، عن الدفاع عن أنفسهم بسبب ارتفاع تكاليف المحاماة، ما يؤدي إلى إدانتهم بجرائم عديدة، وبالتالي فقدانهم لحق التصويت، بحسب تفسير خير الله، مشيراً إلى أن حرمان هؤلاء الناخبين يؤثر في نتائج انتخابات أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ بشكل أكبر من الرئاسية التي تقوم على المجمع الانتخابي، وليس التصويت الشعبي المباشر.
لكن كيف يمكن استعادة حق التصويت؟ في معظم الولايات يحصل الأمر عن طريق طلب يقدم إلى سكرتير الولاية الذي ينقله بدوره إلى الحاكم، أو عبر التقدم بطلب العفو مباشرة لحاكم الولاية كما في فيرجينيا، أو عبر رفع دعوة في المحكمة الجزائية بالولاية وتعيين محامٍ لاستعادة هذا الحق، وهو أمر مكلف يثني الكثيرين عن خوضه وفق ما يرصده المحامي جون.
وتقدّر منظمة The Sentencing Project عدد من استعادوا حقوق التصويت في آخر ثلاث سنوات بنصف مليون ناخب فقط، ما يديم التمييز والاستبعاد من ممارسة حق دستوري، لكن لي لي لن يسترده بشكل طبيعي إلى أن يصبح في الثمانينيات من عمره، ورغم أنه حر طليق، إلا أنه يشعر بكونه مواطناً من الدرجة الثانية.