تسببت ولايتا الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في آثار سلبية على العراق، تعادل بحجم آثارها تبعات الاحتلال الأميركي للعراق خلال إدارة سلفه جورج بوش الابن عام 2003.
واعتبر مراقبون أن أبرز أخطاء أوباما كانت سحب القوات الأميركية وإفساح المجال لإيران للتغلغل، عسكريا وسياسيا، في جميع مفاصل الدولة العراقية، ما تسبب بخلق فتنة طائفية، وجملة من سياسات الإقصاء والتهميش والانتهاكات، التي ساعدت على ظهور وانتعاش تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وحاول الرئيس الأميركي، منذ توليه السلطة، توجيه كلمات دبلوماسية للعراقيين، عبّر فيها عن رفضه للاحتلال الأميركي للعراق في إبريل/نيسان 2003. وشدد، في خطاب له بجامعة القاهرة في يونيو/حزيران 2009، على أنه "ضد التطرف والحرب على الإسلام"، مؤكدا أن "الحرب على العراق لم تكن ضرورية"، ووعد بالانسحاب من العراق وفقا لجدول زمني اتفقت عليه بغداد وواشنطن.
لكنّ متابعين لم يثقوا، منذ البداية، بخطاب أوباما، الذي وصفوه بـ"المراوغ والكاذب، والذي يسعى إلى "التملص من مسؤولية الأخطاء التي ارتكبتها بلاده في العراق، والأزمات التي قد تحلّ بالبلاد بعد انسحاب القوات الأميركية".
أما سياسيو تلك المرحلة فقد تعاملوا مع التوجّه الأميركي، في بداية عهد أوباما، بحسب ميولهم وانتماءاتهم. فالتحالف الوطني الحاكم (شيعي) رحّب برحيل القوات الأميركية، بل وكان مصمّما على خروجها، وفقا للجدول الزمني المحدد لذلك. في حين تردد السياسيون السنة والكرد في التعبير عن رأيهم بشأن مغادرة القوات الأميركية، بسبب "الخشية من سيطرة المليشيات العراقية والجماعات المسلحة غير المنضبطة المدعومة من إيران، على مقدرات البلاد".
وعلى الرغم من تبني أوباما خطاب سحب القوات الأميركية من العراق منذ توليه الرئاسة، لم يخض في تفاصيل ما بعد الانسحاب، والطريقة التي سيتم اعتمادها لتفادي آثار أي خروج مفاجئ للقوات الأميركية، والتي قد تسلم العراق على طبق من ذهب للمليشيات المدعومة من دول الجوار، ولا سيما إيران.
وبالفعل، خرجت القوات الأميركية من العراق في أكتوبر/تشرين الأول 2011، بإعلان أوباما الانسحاب، وتأكيده أن الحرب في العراق انتهت، لتأتي النتيجة مخيبة للآمال بالنسبة إلى أصدقاء أميركا من السياسيين السنة، الذين دخلوا حديثا إلى العملية السياسية، بعدما رفعوا شعار المقاومة ضد الاحتلال الأميركي سنوات عدة".
وما إن انسحب آخر جندي أميركي من العراق حتى بدأ الحديث عن إنشاء معسكرات خاصة لتدريب المليشيات العراقية في أطراف بغداد وديالى والمحافظات الجنوبية، بدعم وتمويل من طهران، وبإشراف مدربين ومستشارين إيرانيين.
واستغل رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، الفراغ الذي خلفه انسحاب القوات الأميركية، والدعم الذي حصل عليه من المليشيات المدعومة من إيران لتصفية خصومه، من خلال تلفيق التهم لرموزهم، مثل نائب رئيس الجمهورية السابق، طارق الهاشمي، ووزير المالية الأسبق، رافع العيساوي، والنائبين أحمد العلواني ومحمد الدايني.
ودعمت الإدارة الأميركية وسفارتها في بغداد، على نحو كبير، توجهات المالكي الطائفية وسياساته الإقصائية، بشكل عزّز سلطته الدكتاتورية تجاه سياسيي وسكان المناطق الغربية والشمالية، عن طريق تأييد قراره بحل الصحوات العشائرية في المحافظات الغربية. وكانت هذه الأخيرة تمثل ندا للمليشيات المقربة من المالكي، كما لجأت إلى الصمت تجاه التضييق الذي مارسه المالكي على قوات البشمركة الكردية، والامتناع عن تزويدها بالرواتب والسلاح، والتعامل معها كأنهم قوة خارجية.
وطيلة فترة حكم أوباما، الذي وصل إلى الرئاسة الأميركية بعد فوزه في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2008، وتولي منصبه رسميا في يناير/كانون الثاني 2009، قبل أن يتم التجديد له بولاية ثانية في انتخابات 2012، شهد العراق مزيدا من التشظي الداخلي، والتدخلات الخارجية.
ووصل التدهور الأمني في العراق ذروته منتصف عام 2014، بعد سيطرة التنظيم على محافظة الموصل (شمالي العراق)، ومحافظات ومدن عراقية أخرى، وما تلا ذلك من تشكيل لمليشيات "الحشد الشعبي"، التي تأسست بناء على فتوى من المرجع الديني، علي السيستاني، بذريعة محاربة "داعش".
ولم يواجَه تشكيل مليشيات عراقية مدعومة من إيران بمعارضة أميركية، الأمر الذي فسر بأنه "دعم ضمني للمليشيات التي بدأت بارتكاب انتهاكات صارخة بحق المدنيين في محافظة ديالى (شرقي العراق)، وبلدة جرف الصخر بمحافظة بابل (100 كيلومتر جنوبي بغداد)، ثم في المدن المحررة بمحافظتي الأنبار وصلاح الدين، فضلا عن مناطق حزام بغداد".
وتحولت العديد من المحافظات العراقية إلى مناطق يغيب فيها القانون، وتسيطر عليها قوانين المليشيات، والإملاءات الإيرانية، ما أدى إلى حدوث احتقان في الشارع العراقي بسبب تصرفات المليشيات، وسكوت واشنطن عنها. وأثبتت تقارير محلية ودولية أن "الحشد الشعبي" يقاتل بسلاح الجيش العراقي، الذي جاء أغلبه من الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من تحرك الإعلام الاميركي، الذي وثّق لارتكاب المليشيات مجازر بحق المدنيين، والقيام بعمليات خطف وتهديد وتهجير بحق سكان المدن المحررة، ركن الموقف الرسمي في واشنطن إلى الصمت عن هذه الانتهاكات. بل ذهب أبعد من ذلك، حين قدم الدعم الجوي في معارك يشارك فيها "الحشد الشعبي"، كما حدث في تكريت، التي لم تتحرر لولا تدخل طيران التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن ضد "داعش "، فضلا عن معارك أخرى كان فيها الطيران الدولي في الجو والمليشيات على الأرض.
وينتقد مراقبون تغاضي الولايات المتحدة عن المشاركة العلنية لمليشيات "الحشد" في معركة الموصل التي تجري حاليا، وحديث قادتها عن معركة إقليمية تبدأ من سورية وقد تصل بلدانا أخرى، كاليمن.
ويشير المراقبون إلى أن العبء الأكبر من سنوات حكم أوباما وقع على العراقيين الذين فقدوا بلادهم بسبب سياساته غير المحسوبة، التي أفرزت سيطرة المليشيات وتسليم العراق لإيران.