يُعتبر الاتفاق النووي مع إيران، والذي دخل حيز التنفيذ منذ يونيو/حزيران 2015، النجاح الأهم على الصعيد الدولي للرئيس الأميركي الذي تشارف ولايته على الانتهاء، باراك أوباما، في مقابل اعتباره "خطوة أميركية كارثية" من قبل حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
الاتفاق، الذي عرّض أوباما للكثير من الانتقادات داخلياً وخارجياً، والذي وُصف بأنه جاء تحت شعار "الوصول إلى تسوية بأي ثمن"، يمثّل ذروة نجاحات الدبلوماسية الأميركية، بحسب الرئيس نفسه، في حين أنه اعتُبر ضوءا أخضر أميركيا لسياسات إيران في المنطقة، لاسيما تدخلاتها في العراق وسورية واليمن ولبنان والبحرين.
الاتفاق "تقنياً" لم يلغِ مخاوف حيازة إيران سلاحا نوويا، لكنه قام بتأجيل هذه المخاوف 15 سنة، أي مدة صلاحية الاتفاق، حيث يشدد مؤيدو الخطوة على أنه إزالة لمخاوف قيام حرب حقيقية في المنطقة، ومراهنة على التغييرات الداخلية في إيران، التي ستتبلور خلال 15 سنة من تأسيس مقاربة جديدة لعلاقات إيران مع المجتمع الدولي، تتجاوز العدائية التي طَبعت أكثر من ثلاثة عقود.
في المقابل، يعتقد معارضو الاتفاق أنه يتجاهل أن "إيران، قبل اعتبارها فاعلاً مقبولاً دولياً، متورطة في زعزعة استقرار المنطقة، ودعم منظمات إرهابية، الأمر الذي سيتضاعف بعد ترميم علاقتها مع واشنطن".
الاتفاق مع إيران لم يكن خطوة أميركية منعزلة، بل جاء برعاية دولية، أطرافها مجموعة (5 +1) المكونة من الدول الكبرى كاملة العضوية في مجلس الأمن (أميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين)، بالإضافة إلى ألمانيا، واستغرق سنوات طويلة من التفاوض، ابتداء من المفاوضات الأولية في مسقط في 2008، وحتى المفاوضات الماراثونية في لوزان السويسرية، بين شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان 2015.
وقد حظي الاتفاق بدعم دول أخرى غير مجموعة 5+1، وسط تحفظات خليجية واسعة، ورفض إسرائيلي قاطع.
وحاولت الولايات المتحدة الأميركية احتواء التحفظات الخليجية، من خلال قمة "كامب ديفيد"، والتي غاب عنها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، في مايو/أيار 2015، وتضمنت تعهدات أميركية بحماية أمن الخليج، في مقابل تهميش الرئيس الأميركي مخاوف الدول الخليجية من دعم إيران للمليشيات الطائفية في المنطقة، ولاسيما في العراق وسورية.
أما في دولة الاحتلال الإسرائيلي، فلم تكن العلاقات المتوترة بين رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي، تسمح بأي محاولات لاحتواء المخاوف الإسرائيلية، إلا أن أوباما أكد مرارا أن "الاتفاق سيجعل إسرائيل أكثر أمنا".
وبموحب ما تم التوصل إليه بين طهران و"كبار العالم"، فإن إيران ملزَمة باستخدام أجهزة طرد مركزي متأخرة تقنيا، مع خفض أعدادها التي يُسمح للإيرانيين باستخدامها.
كما أن نسبة تخصيب اليورانيم لن تزيد عن 3.67%، فضلا عن أن مخزونات إيران من اليورانيم المخصب لن تتجاوز 300 كيلوغرام خلال 15 سنة، في مقابل السماح لإيران ببيع مخزوناتها من اليورانيوم في الأسواق الدولية، وتشرف روسيا على تأمين الوقود النووي الذي تحتاجه طهران لتشغيل مفاعلاتها النووية، التي ستُستخدم لأغراض علمية، برقابة دولية دائمة.
وفي مجال الأسلحة التقليدية، يسمح الاتفاق لإيران بشراء أسلحة تقليدية بعد 5 سنوات، وبتطوير برنامجها الصاروخي بعد 8 سنوات، مقابل إلغاء جل العقوبات الدولية على طهران، وإلغاء تجميد الأموال الإيرانية في الولايات المتحدة وأوروبا.
وكون الاتفاق "تقنيا بحتا"، فإنه لم يفِ بالمتطلبات السياسية التي يستلزمها التوصل إلى تسوية مع إيران، وهي المسألة التي استشعرها الرئيس الأميركي، عندما أكد أن "الاتفاق لم يلغِ ركائز الخلاف مع طهران"، والذي يتلخص الآن، بحسبه، في تهديداتها أمن المنطقة، وانتهاكات حقوق الإنسان، وبرنامج تطوير الصواريخ الباليستية، ودعمها لـ"الإرهاب".
ويرى الرئيس الأميركي أن السياسات الأميركية ضد طهران، منذ "ثورة 1979"، لم تحقق مصالحها، في مقابل تطور برنامج إيران النووي. لذلك اعتبر، في حديثه عن الاتفاق في يناير/كانون الثاني 2016، أنه "لن يحل كل المسائل المعلقة مع طهران، لكنه سيمنعها من امتلاك سلاح نووي"، بالإضافة إلى أنه "جعل المنطقة والعالم أكثر أمنا".
ويدعم الرئيس الأميركي موقفه باعتبار أن إيران تخلّت عن المواد التي تسمح لها بصناعة قنبلة نووية، "اليوم تحتاج إيران إلى قرابة العام، في حال كسرها الاتفاق، لجمع المواد التي تسمح لها بصناعة قنبلة نووية، بينما كان الأمر يتطلب شهرين إلى ثلاثة قبل الاتفاق النووي"، مضيفاً أن أنشطة إيران النووية "باتت مراقبة 24 ساعة على مدار 365 يوما".
ويستشهد أوباما بحادثة حجز الإيرانيين جنود البحرية الأميركية في مياه الخليج في يناير/كانون الثاني، مؤكدا أنها تجسيد لنجاح مقاربته الدبلوماسية للملف الإيراني، حيث شدد على أنه بالتواصل المباشر مع الحكومة الإيرانية تم حل مسألة احتجاز البحارة في أقل من 24 ساعة، وعدم تحوّلها إلى كارثة سياسية كأزمة الرهائن في 1979.
كما أن التواصل مع طهران أدى، بحسب أوباما، إلى الإفراج عن المواطنين الأميركيين المحتجزين هناك، ومن بينهم صحافي في "واشنطن بوست".
إلى ذلك، عارض الجمهوريون الاتفاق مع إيران، واعتبروه بمثابة مكافأة بالنسبة لطهران.
وقد وعد دونالد ترامب، الذي خلق المفاجأة أمس وفاز بالرئاسة، بإلغاء الاتفاق فور توليه السلطة في البيت الأبيض. أما هيلاري كلينتون فقد دعمت الاتفاق، في الوقت الذي وعدت بفرض مزيد من العقوبات على طهران، لاحتواء مخاطرها غير النووية.
ومثّل الاتفاق النووي مع إيران نقطة خلاف أساسية بين دول الخليج العربي (باستثناء عُمان التي رعت مباحثات الاتفاق الأولية) وواشنطن، رغم ترحيب دول المنطقة بالاتفاق، الأمر الذي جاء دون تحفظات من قبل الكويت والإمارات، وبلغة باردة في البيان السعودي.
واعتبرت دول مجلس التعاون أن "الاتفاق لن يحدّ من سياسات إيران العدائية في المنطقة، والتي تتمثل في دعم مليشيات طائفية في العراق وسورية ولبنان واليمن، والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية أخرى". كما عدّته تخليا أميركيا عن أولوية أمن الخليج، والذي لخص في واشنطن في "نزع فتيل حرب مفترضة مع إيران بسبب طموحاتها النووية".
في المقابل، شكل الاتفاق فرصة لمحاولة الولايات المتحدة تحديد أولوياتها في المنطقة، وأساسا "مواجهة الإرهاب"، ممثلا خاصة في تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والتنظيمات المتشددة. لذا كان الاتفاق، بحسب الرئيس الأميركي في حواره مع صحيفة "نيويورك تايمز"، فرصة لـ"إزالة التوتر في المنطقة والتفرغ لمحاربة الإرهاب". غير أن هذه النقطة تبقى موضوع خلاف مع الدول الخليجية، التي ترى في التنظيمات المدعومة من إيران "إرهاباً يوازي إرهاب المنظمات التي تمثل خطراً على الولايات المتحدة، كتنظيم الدولة".