تفادي خنق النفط...إعفاءات أميركية تمنح طهران والمستوردين فرصاً للنجاة

04 نوفمبر 2018
إيران تراهن على حاجة السوق الدولية للنفط (فرانس برس)
+ الخط -

تبدو إيران مهيأة بشكل كبير لتفادي تداعيات الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية، التي تدخل حيز التطبيق يوم الإثنين، مستهدفة قطاع النفط والتعاملات المالية، لا سيما أن هذه العقوبات تحمل إعفاءات لثماني دول من حظر شراء النفط الإيراني، ما يمنح طهران فرصة لتنفس الصعداء، عبر الإبقاء على منافذ للتصدير، بينما اتبعت بالفعل خلال الأسابيع الأخيرة العديد من المسالك لتصريف إنتاجها بعيداً عن الإجراءات الأميركية لغلق الأبواب.

وتأتي العقوبات تنفيذاً لإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مايو/ أيار الماضي، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، الذي أبرم في يوليو/ تموز 2015، ودخل حيز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني 2016.

وتضمنت حزمة العقوبات الأولى منع طهران من شراء النقد الأجنبي من الخارج، وقيوداً على تجارة المركبات والطائرات، وأخرى على واردات سلع غذائية وتقييد صادرات السجاد.

والعقوبات الأقسى على طهران تتمثل في مس عصب الاقتصاد، ممثلاً في الصناعة النفطية وصادراتها، وتعاملات شركات الخام الأجنبية (منتجون ومستوردون)، مع نظيرتها الإيرانية، وفق الحزمة الثانية التي تبدأ يوم الإثنين.

لكن واشنطن ذكرت، يوم الجمعة الماضي، أن ثماني دول ستستفيد من استثناءات مؤقتة تتعلّق بشراء النفط من إيران، وسيكون بإمكانها تالياً الاستمرار مؤقتاً في الاستيراد، مشيرة، على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو، إلى أن هذا الاستثناء تقرّر "فقط لأنها (الدول المستوردة) أثبتت قيامها بجهود كبيرة في اتجاه وقف وارداتها النفطية قدر الإمكان"، ولأنها أيضاً "تعاونت في العديد من الجبهات الأخرى" مع الولايات المتحدة. ومن المنتظر أن تعلن الولايات المتحدة اليوم عن الدول المستثناة من حظر شراء النفط الإيراني.

لكن خريطة صادرات النفط الإيراني، وفق بيانات صادرة عن مؤسسات دولية ووزارة النفط الإيرانية فندتها "العربي الجديد"، تظهر أن آثار العقوبات الأميركية ستكون محدودة، وربما تعاود الصادرات الوصول إلى معدلاتها السابقة مع الاستثناءات الأميركية للدول الثماني، خاصة أن بعضها قلصت بالفعل على مدار الأشهر الماضية وارداتها من إيران، ومع حصولها على استثناءات ربما تعود إلى الاستيراد بمعدلات طبيعية.


وإيران هي ثالث أكبر منتج للنفط الخام في "أوبك" بنحو 3.8 ملايين برميل يومياً، وفق البيانات الإيرانية. وقال نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري، في تصريحات أخيراً، إن الولايات المتحدة عاجزة عن وقف تصدير نفط بلاده بالكامل، مؤكداً وضع آليات للحد من الأضرار وبأن السوق العالمية لا يمكن أن تستغني عن نفط إيران.

ولم ينف جهانغيري أن بلاده التي كانت تُصدّر 2.5 مليون برميل يومياً خلال الأشهر الماضية، قد انخفضت معدلاتها بالفعل أخيرا، رغم وصفه ذلك بالتراجع المتدني، مؤكدا أن العقوبات لن تقلل معدل الصادرات إلى ما دون المليون برميل، وهو الرأي الذي يؤيده عدد من خبراء الاقتصاد، ممن لا يشككون في الوقت ذاته في احتمال وقوع تبعات سلبية ثانية.

كذلك يراهن وزير النفط بيجن زنغنه على مسألة عدم قدرة السوق الدولية على الاستغناء عن النفط الإيراني بالكامل، فمن شأن ذلك إحداث تقلب كبير فيها، وذكر أيضاً أنه لا يمكن للمنتجين الآخرين التعويض عنه.

وكانت بيانات رسمية قد سجلت انخفاضاً في صادرات النفط الإيراني قبيل دخول العقوبات حيز التنفيذ العملي، وهي تلك المخصصة للزبائن الآسيويين، فقامت كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية بتخفيض واردات نفط طهران، ومقابل ذلك أصرّت أطراف ثانية على موقفها الذي رفض تحقيق المطلب الأميركي بخفض مشتريات النفط الإيراني من قبيل الهند وتركيا.

وتنفست أسواق النفط والأسهم الصعداء قليلاً، يوم الجمعة الماضي، بإعلان واشنطن إعفاء 8 دول من عقوبات النفط ضد إيران.


ووفق بيانات معهد التمويل الدولي، فإن صادرات النفط الخام والمكثفات الإيرانية بلغت نحو 2.8 مليون برميل يومياً في إبريل/ نيسان الماضي، بينما قدرت بنحو مليوني برميل يومياً في سبتمبر/ أيلول، بعدما خسرت نحو 800 ألف برميل بفعل الضغوط الأميركية على كثير من المستوردين.

وتوقع عضو لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني علي غلمرادي أن تترك العقوبات تأثيرا على اقتصاد بلاده، لكنه أوضح أنها ليست المرة الأولى التي تخضع فيها إيران لظروف مماثلة، معتبرا أن تبعات الحظر نفسية وأن مشكلات الاقتصاد لن ترتبط بالعقوبات القادمة من الخارج فقط، فهناك مسببات داخلية من قبيل سوء الإدارة.

وقال غلمرادي لـ"العربي الجديد" إن أميركا لم توفر أي جهد في فرض الضغوط، ولن يختلف ذلك مستقبلا، مبديا عدم قلقه من عقوبات النفط التي لن تترك تأثيرا بالغا بحال طبّق المسؤولون خططا مجدية، ومشيرا إلى قرار الاعتماد على الشركات الخاصة لبيع النفط الصادر مؤخرا، ووصف ذلك بالخيار الحكومي الصائب الذي يدعمه البرلمان، كونه سيحدّ من العواقب الخطرة.

وبالتزامن مع الإجراءات الحكومية لبيع النفط للشركات الخاصة، تحاول الناقلات الإيرانية مواصلة بيع النفط بعيداً عن الأنظار، بحسب محللين.

لكن غلمرادي لفت إلى ضرورة تقليص الاعتماد على النفط وتطبيق ما يسمى بنظرية الاقتصاد المقاوم، التي تسمح بزيادة الإنتاج المحلي وتتيح مشاركة رؤوس أموال الداخل، داعيا إلى فتح المجال للقطاع الخاص.


وتتزايد المخاوف من أن تترك العقوبات، حال تشديد أميركا من إجراءات الحظر، تأثيرا مباشرا على الموازنة التي تعتمد بشكل رئيسي على عائدات النفط.

وقد صكت الحكومة موازنتها للعام الإيراني الجاري الذي بدأ في 21 مارس/ آذار الماضي بقيمة 341 مليار دولار، وفقا لسعر برميل يساوي 55 دولارا، وأخذت الحكومة بعين الاعتبار حجم صادرات يصل إلى مليون و87 ألف برميل في اليوم.

وقال المتخصص في شؤون الطاقة حسين أنصاري فرد إن العقوبات الأخيرة ستؤثر على الموازنة القادمة بلا شك، فانخفاض مخزون العملة الصعبة لدى البنك المركزي سيجبر الحكومة على التقليل من المصاريف.

وكانت إيران التي هددها الرئيس الأميركي بتصفير صادراتها النفطية، قد ردت على لسان رئيسها حسن روحاني بأنه إذا ما منعت من بيع النفط فلن تكون أي دولة في المنطقة قادرة على استخدام مضيق هرمز، وهو ما قرأه البعض على أنه تهديد بإغلاق المضيق الذي تمر عبره ثلثا ناقلات مصادر الطاقة نحو العالم، ورأى فيه آخرون أنه تصريح ملغم يدل على أن محاصرة نفط إيران ستؤدي إلى توتر أمني إقليمي سينعكس على حركة الناقلات المتخوفة.

في الوقت ذاته، حاولت الأطراف الأوروبية طيلة الفترة الماضية إيجاد صيغة لتحقيق شرط إيران الأول لتبقى في الاتفاق النووي، بما يضمن التزامها بتقييد نشاطها في المفاعلات، ألا وهو استمرار بيع النفط، وتراهن طهران على إنشاء كيان يتيح استمرار تصدير نفطها والحصول على العائدات، وهي ليست بالعملية السهلة، فالأطراف ذاتها لا تريد مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة ولا عقوبات تطاول شركاتها المتخوفة من عقد الصفقات مع طهران.

كذلك ذكرت مواقع عدة أن طهران تفكر بسيناريو مستقبلي إذا ما ساءت الأمور كثيرا، فستبيع نفطها عبر روسيا التي ستوزعه للزبائن، وهو ما نفاه وزير النفط بيجن زنغنه، وعن هذا الأمر قال الصحافي مهدي بيك إن هذا قد يكون خيارا عمليا مستقبلا، لكن البنك المركزي سيواجه مشكلة في الحصول على العائدات، لأن حزمة العقوبات الجديدة ذاتها تحدّ التعاملات المالية، وأشار إلى سيناريو مقايضة النفط بالبضائع المطروح على الطاولة، وذكر بيك أنه ليس مثاليا لكنه وارد.

المساهمون