تأجيل جلسة الموازنة اللبنانية "التقشفية" إلى الجمعة... وتحذير من الانفجار الاجتماعي

15 مايو 2019
خلال تحرك للموظفين في لبنان (الوكالة الوطنية)
+ الخط -
قال وزير الصحة اللبناني للصحافيين إن مجلس الوزراء اللبناني لن ينعقد ليل الأربعاء، وإنه سيعقد الجلسة الأخيرة بشأن مسودة ميزانية 2019 يوم الجمعة. ويسعى الوزراء لوضع اللمسات النهائية على الميزانية، التي قال رئيس الوزراء سعد الحريري إنها ستكون الأشد تقشفا في تاريخ لبنان.

وتتجه الحكومة اللبنانية لإقرار الموازنة لضمان الحصول على قروض وهبات بالمليارات تعهد المجتمع الدولي بتقديمها لها شرط إقدامها على جملة إصلاحات بينها خفض العجز، في ضوء تردي الوضع الاقتصادي وتراكم الدين.

ويثير مشروع الموازنة قلقا بين المواطنين الذين يعانون من ضيق معيشي متزايد منذ سنوات، ما دفع موظفي القطاع العام الى تنفيذ اعتصامات وإضرابات متتالية منذ أكثر من أسبوعين رفضاً لأي اقتراحات تلحظ اقتطاعاً من رواتبهم أو من امتيازات بعضهم، في إطار سعي الحكومة لتخفيض الإنفاق العام.


وبعد فشل السلطات المتعاقبة بإجراء إصلاحات بنيوية في البلد الصغير الذي تثقل الديون والفساد كاهله، تعهدت الحكومة العام الماضي أمام مؤتمر دولي استضافته باريس لمساعدة

لبنان، بإجراء هذه الإصلاحات وتخفيض النفقات العامة مقابل حصولها على أكثر من 11 مليار دولار على شكل قروض وهبات.

ويوضح رئيس قسم الأبحاث في مجموعة "بنك بيبلوس" نسيب غبريل لوكالة "فرانس برس" أن "الضغط" على الحكومة يأتي أولاً من "المواطن الذي يلمس تراجعاً في فرص العمل والحركة الاقتصادية، والقطاع الخاص الذي يلحظ جموداً اقتصادياً وارتفاع الأعباء التشغيلية، والقطاع المصرفي الذي يتحمل أكثر وأكثر عبء تمويل القطاع العام".

ويأتي الضغط ثانياً من "التوقعات الدولية بعد مؤتمر "سيدر" وتعهد السلطات اللبنانية تطبيق إصلاحات لتخفيض العجز في الموازنة" بنسبة واحد في المائة سنوياً من الناتج المحلي خلال خمس سنوات.

 وسجلت نسبة النمو العام الماضي 0.2 في المائة، وفق صندوق النقد الدولي. وتراكم الدين

العام تدريجياً بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، ويُقدّر اليوم بأكثر من 85 مليار دولار، أي ما نسبته 152 في المائة من الناتج المحلي، وفق وزارة المالية.

ولم يقترن ذلك بأي اصلاحات جذرية أو بتأهيل البنى التحتية المترهلة والمرافق التي كبّدت الدولة أموالاً باهظة أبرزها الكهرباء. وحوالى ثمانين في المائة من ديون الدولة هي من المصرف المركزي والمصارف التي حققت أرباحاً هائلة جراء الفوائد التي جنتها من خدمة الدين.

وخفّضت وكالة "موديز" مطلع العام تصنيف لبنان، مشيرة إلى "مخاوف من ارتفاع كبير في الدين". ومنذ العام 2005، زاد الإنفاق العام بنسبة 147 في المائة، وفق غبريل، دون أن يقترن ذلك بزيادة متوازنة في الإيرادات.

وفشلت الحكومة العام الماضي في خفض العجز إلى 9 في المائة من الناتج المحلي، وارتفع عوض ذلك إلى 11.5 في المائة، وفق البنك الدولي. ويأتي وضع مشروع الموازنة متأخراً جراء الانقسام السياسي وفشل القوى السياسية في تشكيل حكومة على مدى ثمانية أشهر.

وأعلنت الحكومة أن الموازنة ستلحظ رفع الفوائد على الودائع المصرفية من سبعة إلى عشرة

في المائة. ويعتصم منذ أكثر من أسبوعين عسكريون متقاعدون وموظفون في دوائر عدة بينها الضمان الاجتماعي وكهرباء لبنان ومرفأ بيروت وقضاة في المحاكم رفضاً لأي مسّ برواتبهم، بعد تقارير تحدثت عن احتمال أن تشمل الموازنة اقتطاعات في الرواتب.

ويرى غبريل أن ما تقترحه الحكومة لخفض عجز الموازنة يتجاهل مصادر إيرادات كثيرة يمكن أن توفّر لخزينتها مليار دولار على الأقل خلال العام الحالي. ويشير الى "عدم جدية في إيجاد مصادر إيرادات موجودة، كمكافحة التهرب الضريبي وتفعيل الجباية وضبط الحدود ومنع التهريب"، مضيفاً "كلها إجراءات تحتاج فقط إرادة سياسية".

ويأخذ اللبنانيون على القادة السياسيين عدم التطرق الى هذه الملفات، متهمين إياهم بأنهم يفعلون ذلك لأنهم مستفيدون منها أو لأنهم يحصلون على عمولات من المخالفات والتهرب الضريبي. ويؤكدون أن التعديات على الأملاك البحرية العامة الممتدة على طول الشاطئ اللبناني والتي تشمل عشرات الفنادق والمجمعات البحرية، تعود في غالبيتها الى مشاريع يملكها سياسيون ونافذون.

وأقرت الحكومة في إبريل/ نيسان خطة لإصلاح قطاع الكهرباء الذي كبّد خزينة الدولة من العام 2008 حتى 2017، نحو نصف العجز المالي في لبنان، وفق البنك الدولي. وبعد حوالى ثلاثة عقود من انتهاء الحرب الأهلية، يستمر التقنين في التيار الكهربائي ولا تتمكن الدولة من جباية الفواتير من بعض المناطق. وقد لا يتم إقرار الموازنة في البرلمان بسهولة.

ويقول رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر لـ"فرانس برس": "نحن ضد أي إجراء يمسّ بالطبقة العاملة وشرائح المجتمع الفقيرة والمتوسطة". ويضيف "إذا لم تأخذ الحكومة

بالملاحظات التي قدمناها، (...) سيؤدي مشروع الموازنة إلى انفجار اجتماعي".

ويعيش أكثر من ربع اللبنانيين، وفق البنك الدولي، في دائرة الفقر، بينما لا تتوفر فرص عمل لعشرات آلاف الشبان. 

وقال مصدر اليوم الأربعاء إن لبنان لا يتعجل إغلاق صفقة إصدار سندات دولية بقيمة بين 2.5 مليار وثلاثة مليارات دولار وإن بمقدوره القيام بهذا حين تزيد شهية الأسواق الناشئة وتتحسن العوائد المحلية بعد الموافقة على الميزانية العامة.

وكان وزير المالية قال الشهر الماضي إن الحكومة تُجهز لإصدار سندات دولية في 20 مايو/أيار. وقال المصدر المطلع إن الإصدار يستهدف تمويل جميع استحقاقات العملة الأجنبية للبنان التي يحل أجل سدادها في 2019، بما في ذلك سندات بقيمة 650 مليون دولار تحل في 20 مايو/أيار.

(رويترز، فرانس برس)

المساهمون