بعد 20 جلسة نقاش متتالية شابتها خلافات بين الأطراف السياسية، أقر مجلس الوزراء اللبناني عصر اليوم الإثنين في القصر الجمهوري، مشروع الموازنة العامة لسنة 2019، بعجز متوقّع أن تكون نسبته 7.59%، من دون المسّ بالرواتب وتقديمات العسكريين، فيما أكد حاكم "مصرف لبنان" (المركزي)، رياض سلامة، وجود إشارات إيجابية في إصلاحات الموازنة.
ويخفض مشروع موازنة 2019 العجز في المالية العامة إلى 7.59% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، نزولاً من 11.4% المحققة سنة 2018، علماً أن لبنان مثقل بواحد من أكبر أعباء الدين العام في العالم بعدما وصل إلى نحو 150% من الناتج المقدّر بين 51 و52 مليار دولار.
وزير المالية علي حسن خليل، قال بعد الجلسة التي ترأسها رئيس الجمهورية ميشال عون بحضور رئيس الحكومة سعد الحريري: "خفضنا العجز إلى 7.59% وهو رقم مرض جداً، وسنعمل لبقاء نسبة العجز كما وردت اليوم، ونأمل أن تؤدي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة إلى الغاية المرجوة منها"، وذلك استناداً إلى توقعات نمو اقتصادي تبلغ 1.2% للعام الجاري.
وأضاف أن الحكومة أقرّت الموازنة "تماما كما كانت في جلسة الحكومة (التي عُقدت في السراي يوم الجمعة الماضي) ولم يتم تعديل أي بند فيها"، ما يعني عملياً أن الحكومة تكون بذلك قد أحالت مشروع الموازنة إلى مجلس النواب، حيث تدرسه لجنة المال والموازنة على مدى شهر تقريباً قبل أن تحيله إلى الهيئة العامة للتصويت عليه.
خليل اعتبر أن "التحدي كان أن نعمل على تخفيض العجز لأقصى حد ممكن توازياً مع إصلاحات بنيوية"، لافتاً إلى أننا "خفضنا العجز الى 7.59% وسنعمل كوزارة مالية بأعلى درجات الجدية للبقاء بحدود نسبة العجز".
أضاف الوزير أن هناك أموراً كثيرة ستُستكمل، وفي هذه الموازنة وصل الإنفاق إلى 23 ألفاً و340 مليار ليرة لبنانية (15.5 مليار دولار) يُضاف إليها 2500 مليار ليرة (1.66 مليار دولار) سلفة لدعم كهرباء لبنان، وفي المقابل، تبلغ الواردات 19 ألفاً و16 مليار ليرة (12.61 مليار دولار)، بزيادة عما كان مقرراً سابقاً. (الدولار= 1507.5 ليرات سعراً وسطاً).
وقال: "نحن أمام تحوّل استثنائي وأساسي حصل في مشروع هذا العام على صعيد زيادة الواردات والموارد الإضافية التي تؤسّس لمعالجة خلل الوضع الاقتصادي وتؤسّس لموازنة عام 2020".
لا مسّ بالرواتب ومخصصات العسكريين والمتقاعدين والأساتذة
كذلك، أكد خليل أن "كل الشائعات التي أطلقت بشأن المس بالرواتب ومخصّصات العسكريين أو المتقاعدين أو الأساتذة تبيّن أنّها غير صحيحة".
ولفت إلى أن "هناك قرارات وتوصيات بأن نضع موضع التنفيذ مجموعة من الإجراءات في مجال ضبط الموضوع الجمركي"، مشيراً إلى "أننا ذاهبون نحو إرسال رسالة إلى المجتمع الدولي بأننا جدّيون في هذا المجال، وسيُترجَم هذا الأمر بإطلاق وضخ مشاريع اقتصادية سيكون لها تأثير على عجلة الاقتصاد".
كما أوضح خليل أن "هناك خطّة لوزارة المهجّرين لإنهاء هذا الملف، وتم تخصيص 40 مليار ليرة لها كي تستكمل عملها، على أمل أن يسهم هذا المبلغ في إنهاء الملف".
وكان خليل ذكر في تصريحات سابقة، أن مشروع الموازنة يتضمن خطة حكومية لخفض نحو 660 مليون دولار من فاتورة خدمة الدين العام، عبر إصدار سندات خزينة بعائد نسبته 1% إلى القطاع المصرفي اللبناني.
تشريح الموازنة بحسب النفقات
وتتوزّع نفقات الموازنة في لبنان عادة وفق الآتي:
1- 35% رواتب ومخصصات ومعاشات تقاعد، وقد تمّت إعادة النظر بمجموعة من الأمور المتصلة بحوافز ومخصصات إضافية وتعويضات غير مبررة، حسبما عبّر عنها وزير المالية اليوم الإثنين.
2- 35% خدمة الدين العام، وقدم تمّت مراجعة خدمة الدين العام.
3- 11% تغطية عجز الكهرباء، وقد سبق أن أقر مجلس الوزراء خطة الكهرباء وبدأ عملياً بتخفيض عجز هذا القطاع.
4- نحو 9% عبار عن إنفاق استثماري.
5- البقية (10% تقريباً) هي النفقات التشغيلية للدولة.
وكان وزير الإعلام جمال الجرّاح، عقب انتهاء جلسة مجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي، قال إن الحكومة أنهت مناقشة كافة مواد وأرقام مشروع الموازنة العامة لسنة 2019، لكنها رحّلت إعلانها إلى جلسة تُعقد في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون.
وقال الجرّاح عقب انتهاء الجلسة التي حملت الرقم 19 في مسلسل الجلسات المخصصة لدرس الموازنة: "خلصنا الحمد لله وانتهت الموازنة".
وقد تساعد الموازنة في الإفراج عن تمويلات تتجاوز 11 مليار دولار بين قروض وهبات، لمشاريع بنية تحتية تعهد بها المانحون في "مؤتمر سيدر" (باريس) العام الماضي إذا نالت موافقة الدول والمؤسسات المانحة.
ومن بين إجراءات كبح فاتورة أجور القطاع العام تجميد جميع أنواع التوظيف الحكومي لمدة 3 سنوات ووضع سقف للمكافآت، إذ إن القطاع العام المتضخم في لبنان هو أكبر بنود الإنفاق الحكومي، يليه خدمة دين عام تعادل حوالي 150% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أحد أكبر أعباء الدين العام في العالم.
وستُفرض أيضاً ضريبة على معاشات المتقاعدين من القطاع العام، وثمة جزء كبير من خفض العجز ينبع من زيادات ضريبية، بما في ذلك ضريبة استيراد بنسبة اثنين في المائة وزيادة الضريبة على مدفوعات الفائدة.
من جهته، قال حاكم "مصرف لبنان" رياض سلامة، اليوم الاثنين بعد اجتماعه مع الرئيس ميشال عون إن الإصلاحات في مشروع الموازنة وقطاع الكهرباء إشارات إيجابية، وإن الاستقرار مستمر في سوق المال والليرة اللبنانية.