السيسي وأسطورة "السلطان العاري"

17 اغسطس 2018
+ الخط -
تحكي هذه الأسطورة أن سلطانا أراد أن يستغل بطشه، وأراد أيضا أن يفرض أن يراه الناس كما يحب هو أو أن يروه كما يرى هو، لم يكن هذا الرأي إلا ترجمةً لرؤية فرعون الباطشة الزائفة "ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"، إن رؤية الناس له يجب أن تمر من قناة ما يرى هو في نفسه، وكما يرى ذاته، ومن ثم فإن عبد الفتاح السيسي أراد أن يترجم ذلك من خلال هذا الحلم الذي رآه في البداية، وقد اعتلى السلطة، بسيفه الأحمر، وساعته الأوميغا. كان هذا الحلم محاولةً لتبرير سلطانه، وتحقق ما يراه السيسي رؤية في منامه متحققا في عالم الواقع، وعلى الناس أن تترجم ذلك في سلوكها، فتقبل ذلك الحلم، حينما يصير واقعا وحقيقة، وأكثر من ذلك أنه ادّعى أشياء كثيرة، مؤكّدا على الناس أن لا يروا إلا ما يراه، ولا يستمعوا إلا له، وليس لغيره.
أما عن أسطورة السلطان العاري، فإنه فرض على الناس رؤيته، بعد أن قام أحدهم فيما ادّعاه بصناعة ثيابٍ عجيبةٍ خفيفة، لا يشعر السلطان بها، وينقل إلى بقية الناس من خلال عسفه واستبداده، وقد أعلن للجميع أنه سيخرج عليهم في أبهى حلله، وما كان على الناس، على الرغم من أنهم رأوه عاريا إلا أن بعضهم قد امتدح ثيابه وحلّته تلك، لم يجرؤ أحد على الكلام، أو وصف حاله، لم يجرؤ أحد أن يقول له إنك عارٍ مفضوح، وتكرّر هذا المشهد، وظل الناس ينافقون السلطان، وظل السلطان المفضوح يرى أنه في أبهى حلله، وأن على الآخرين من 
جماهيره أن يروه كذلك. وفي الرواية أيضا أن صبيا صغيرا، وفي رواية أخرى أن رجلا فقيرا تجرأ، وقال للسلطان أنت المفضوح، أيها السلطان، أنت لا تلبس شيئا، ولا ترتدي حلة، أنت الآن عار.. تبدو تلك الأسطورة توحي بدلالات كثيرة في انقلاب السيسي المفضوح.
هذا السلطان العاري المفضوح، وانقلاب العسكر البادي الذي قام به السيسي كان انقلابا عاريا مفضوحا للأسف الشديد، لا يغطّي عورته، وإن ادّعى أنه تدثر بغطاء شعبي، كحلة جميلة، ليصف انقلابه العاري بأنه ثورة عظيمة. أراد للناس أن يروه كما يهوى، على الرغم من مفضوحيته وعريه وانكشاف عورته. وفي البداية، لم يجرؤ إلا قلة نادرة تصف فعله بالانقلاب الفاجر العاري، ولكن نفرا ليس قليلا ظل يروّج أن السيسي يلبس أبهى حلته، وفي روايات كثيرة، هو مبعوث العناية الإلهية، أو رسول كريم، أو هو قائد تاريخي مغوار. وعلى الرغم من ذلك كله، كان عاريا من الصحة، وعارٍيا من الثياب التي تغطّي عورته الانقلابية، إلا أنه ظل يتعامل مع الأمر على أنه يرتدي أجمل حلة، وأفضل ثياب.
ومن العجيب حقا أن نرى أن هذا السلطان العاري لا يزال يكذب ويتحرّى الكذب، فيؤكد مع بيان فضح عريه أمام الكافة أنه ليس حكم عسكر "لا والله ما حكم عسكر"، فقد قال مرة إنه لا يطمع في سلطة، ولن يترشح، واعتقد الجميع أنه سيفعل، لكنه فعل العكس. وأصر على أن ذلك ليس انقلابا عسكريا، وأصرّ، على الرغم من عريه، أنه يلبس ثوبه وحلته الفاخرة، بل هو يفتخر بفضيحته، ويطلب من الجميع أن يمتدح حلته، ألا ترون أفعاله القبيحة وزيفها، فيراها هو جمالا ما بعده جمال، وإنجازا ما بعده إنجاز.
ثم كانت أفعاله وسياساته المفضوحة التي يخرج بها على إعلامه وناسه، مؤكّدا أن تلك السياسات والأفعال ليست إلا عملا بطوليا، لا يقوى على هذا العمل إلا أمثاله، وهم نادرون، هؤلاء الذين، على حد تعبيره، يحملون حياتهم على أكفهم، ويضحّون من أجل الشعب، وبدا ذلك الخطاب المفضوح يخاطب به عموم الناس، فهم مرّة "نور عينيه"، ومرّة أخرى أنهم "لم يجدوا من يحنو عليهم". أراد أن يقول لهم إنه هو السلطان الحاني، لكنه مرة أخرى ظهر عاريا مفضوحا بجرائمه الكبرى، ومجازره البشعة، يقتل الناس بلا حساب، ويحرّض أجهزته على القتل والضرب في الرأس أو سويداء القلب، مؤكّدا لهم افعلوا ذلك إعمالا لسياسة حنوه وعطفه، اقتلوهم فأنتم فوق الحساب أو العقاب، ظل هذا السلطان العاري يمارس قتله والتصفية الجسدية لمن يعارضه، فاعتقل من اعتقل، وطارد من طارد، وخنق من خنق، وحرق من حرق. وفي كل مرة، قال إنه يحارب الإرهاب المحتمل، فكانت كلمته عن الإرهاب المحتمل كلمة عارية زائفة، مثل تلك الكلمة التي افتتح بها عهده "والله ما حكم عسكر".
لا زال هذا السلطان العاري يمارس عريه، مفضوحة عورته، بانقلابه وقطعه الطريق على مسار ديمقراطي، لكنه على الرغم من ذلك يوهم الجميع أنه لا يزال يرتدي أبهى حلله، ولا زال يواري سوأته.. ألا أيها السلطان العريان، كم تريد من شعبك أن يقول لك ارحل حتى 
تعرف أنك عار، كم من معارضيك يمكن أن تقتل أو تعتقل، ليقول لك الناس إنك عريان، كم من انتخابات هزلية تريد أن تخوض تخرج فيها الكومبارسات المصنوعة، وتسجن فيها كل من أراد أن يقول لك إنك السلطان العاري، بإعلان ترشحهم ضدك، فتسجنه أو تقوم على تحديد إقامته، ثم تخرج بعد ذلك عاريا وتصر أنك تلبس أبهى حللك، وتحصد أصواتا مزوّرة مفبركة، وتقول للناس، وتريدهم أن يصدقوك، إنك حصلت على أعلى من 90% من الأصوات، بل يزيد، بل إنه يؤكد أنه على أعتاب تمام الأصوات إلى حافّة المئة في المئة.
ألا أيها السلطان العاري الذي قمت بإذلال هذا الشعب، حنوا عليه بترويعه وتفزيعه وإفقاره وتجويعه، ثم تقول إن ذلك إصلاح اقتصادي "في مصلحة المواطن"، وهو السلطان الذي يحدّد ما يصب وما هو مصلحة، وفي عرفه يثاب الشعب، رغم أنفه، وعليهم جميعا، وقد مارس كل هذه السياسات القبيحة، أن يمتدحوه، ويمتدحوا حلته، وهو السلطان العاري من كل حقيقة، وقد زيّف كل شيء بانقلابه العسكري، وعسكر كل المجتمع، حتى يكون على مقياس أفعاله القبيحة، يمارس عريه المفضوح كل يوم، ويخرج على الناس يقول لهم إنني ألبس أبهى ثيابي.
ألا أيها السلطان العاري المفضوح، ألا تعرف أننا لم نعد نطيق رؤيتك عاريا، تتباهى بأفعالك القبيحة، وانكشاف عوراتك في أفعالك وسياساتك، وأننا لا نستطيع أن نقبل إلا أن نقول لك أنت السلطان العاري المفضوح، ارحل: فضحتنا، فضحتنا بخيانتك وبيع أرض الوطن، بتفريطك في مياه النيل، شريان الحياة في مصر، وتطلب من رئيس الوزراء الإثيوبي، مقنعا إياه بأن يتجرّد من ثيابه بالقسم، والحلف إنه لن يضر أمن مصر المائي، وتفرّط في موارد مصر وغازها. وها أنت ما زلت تتعرّى في "صفقة القرن"، مدّعيا أنك تلبس أبهى حللك، سيكون يوما ليس بعيدا أن يقول لك كل الناس "ارحل" أنت "السلطان العاري المفضوح".

ECE602C0-DB35-414B-9572-17B675CE3C2A
سيف الدين عبد الفتاح

كاتب وباحث مصري، مواليد 1954، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، من مؤلفاته "في النظرية السياسية من منظور إسلامي"، و" التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر.. رؤية إسلامية".