الخذلان الأميركي للمعارضة السورية في الجنوب

08 يوليو 2018
+ الخط -
تولدت لدى المعارضة السورية قناعة عامة أن النظام لن يجرؤ على التقدم إلى مناطق الجنوب السوري، بناء على افتراضات وتصريحات أميركية. ولكن ما الذي تغير ودفع النظام السوري، بالتعاون مع طيران الجو الروسي، إلى التوجه جنوباً، والضرب عرض الحائط بكل هذه الاتفاقات والتفاهمات؟ هناك عدة أسباب لذلك:
أولا: تغير الموقف الأميركي، وهو العامل الحاسم. على الرغم من أن الولايات المتحدة أعلنت، على لسان رئيسها، دونالد ترامب، ووزير الدفاع، جيمس ماتيس، أنها لن تسحب قواتها من سورية، قبل ضمان الاستقرار هناك وتحقيق الانتقال السياسي، إلا أن الأمور يبدو أنها تتجه نحو انسحاب أميركي تدريجي كامل، وتسليم الأرض السورية كاملة للقوات الروسية، فتغير الموقف الأميركي في عفرين، ثم منبج، ثم الجنوب السوري، يظهر أن الولايات المتحدة لا تكترث عملياً لتوازنات القوى الدولية والإقليمية على الأرض السورية، فضلاً عن أنها لا تعباً بالمعاناة السورية، وهذه لا تشكل هاجساً للإدارة الأميركية تحت قيادة ترامب الذي اشتهر بتقلبه وتغيير آرائه في المواقف عموماً.

ثانياً: يعكس تغير موقف الولايات المتحدة أيضاً عدم اكتراثها بالاتفاقات التي تم التوصل إليها، وأن ترامب لا يريد محاسبة روسيا على إخلالها بالاتفاقات التي تم التوصل إليها سابقا، وعدم احترامها، وهو الذي كان ينتقد إدارة أوباما باستمرار، قائلاً إنها لا تعرف التعامل مع روسيا، ومحملاً إياه المسؤولية عن الحرب الأهلية في أوكرانيا، وسيطرة روسيا على القرم في أوكرانيا، وضمها لها من طرف واحد. وهو ما يؤشر، بشكل ما، إلى أن ترامب فشل في حماية الاتفاقات التي توصل إليها، وغيرت الخارجية الأميركية موقفها بسرعة في الجنوب السوري، قائلة للمعارضة السورية إنها لن تتدخل لحسابها، من أجل حماية اتفاق خفض التصعيد، وإن عليها أن تجد طرقا للدفاع عن نفسها.
ثالثاً: يظهر هجوم القوات الروسية والسورية كذبة ما تسمى مناطق خفض التصعيد التي تم التوصل إليها في أستانة، وأن روسيا الراعي الأول لهذه الاتفاقات تخترقها بكامل قواتها وعديدها، وهو ما يظهر أن مسار أستانة الذي استحدث ليكون بديلاً لمسار مفاوضات الحل السياسي في جنيف لا يعدو سوى كونه سيركاً لا تملك الأطراف المشاركة فيه قوة التفاوض، أو القدرة على الوقوف في وجه روسيا وطموحاتها في سورية. ولذلك ربما تعد معركة الجنوب السوري نهاية مسار أستانة الذي أظهر أن الأطراف المشاركة فيه غير قادرة على حماية التزاماتها.
لذلك، يمكن القول إن روسيا اليوم ترغب أن تكرّر في درعا السيناريو نفسه في حلب عام 2016، والغوطة الشرقية في 2017، وهو قصف جوي مكثف، لا يميز بين المدنيين والعسكريين، بهدف إجبار السكان على النزوح بشكل كامل. ولذلك تظهر تقارير الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن أكثر من 200 ألف لاجئ نزحوا نحو الحدود السورية – الأردنية، حيث أغلقت الأردن حدودها بشكل دائم، ومنعت دخول أي لاجئ إليها، بحجة أنها لا تستطيع استقبال مزيد من اللاجئين السوريين إليها.
ثم تكثف القصف الجوي وكانت أهدافه المستشفيات والمراكز الصحية التي تعمل بحدها الأدنى، ما أخرج خمسة مراكز صحية تعمل في مناطق مختلفة في درعا من الخدمة، وأرسل رسالة واضحة إلى المدنيين في تلك المناطق أنها مناطق غير قابلة للسكن أو الإيواء، وأن سيناريو حلب الشرقية والغوطة الشرقية يتكرر في درعا، ما دفع مدنيين كثيرين إلى النزوح ومغادرة بيوتهم، وأماكن عملهم، بهدف البحث عن مأوى آمن للجوء، والهروب من مناطق القصف الجوي التي ستكون عشوائية بالكامل، بغرض جعل كل مناطق الجنوب السوري مفتوحةً بالكامل للنزوح، وتكون مؤهلة لسيطرة النظام السوري بالكامل.
بعد ذلك، تأتي الخطوة الأخرى في استخدام كل الأسلحة، حتى المحرّمة منها، بما فيها غاز الكلور أو الأسلحة الكيماوية، كما شهدنا استخدام ذلك بشكل مكثف في حلب والغوطة الشرقية، ما يدفع المقاتلين من المعارضة إلى الاستسلام، لحماية من تبقوا من المدنيين، أو ضمان سلامتهم أمام قوة عسكرية لا تحترم قوانين الحرب، وأمام خذلان الأطراف الداعمة لهم التي تراجعت، مع أول هجمة روسية على المنطقة. ولذلك لا نحتاج إلى حنكةٍ كثيرة للقول إن سيناريو حلب والغوطة سيبدو أنه سيتكرّر مجدداً في درعا، وإن اللقاء المرتقب بين الرئيسين الروسي والأميركي في هلسنكي حتى لو ناقش الوضع السوري يبدو أنه سيقدم تنازلا أميركياً جديداً لروسيا في سورية، عبر التخلي تماماً عن الجنوب السوري، والسماح للقوات الروسية بالسيطرة على تلك المناطق، بما يخالف اتفاق فيتنام الموقع عام 2017.
وتعني خسارة المعارضة السورية مواقعها في الجنوب السوري أن تركيزها سينحصر في الشمال، وحصرا في إدلب ومحيطها، قبل أن يتحضر النظام مجدداً، برعاية حليفه الروسي، لمعركته الفاصلة في الشمال، وعندها سيتكرر سيناريو غروزني في سورية، ولكن مع تكلفة
أكبر، ودمار أكبر، ونهاية مأساوية للخدعة الروسية المستمرة في ما يسمى "الحل السياسي"، أو مسار أستانة، ولن يكون بالطبع أي معنى للحديث عن مسار جنيف بعدها، أو حتى تشكيل لجنة دستورية، فالأسد يبدو أن سينتصر، بفضل تصميم بوتين على تكرار سيناريو الشيشان في روسيا، وسيكون سعيداً أنه هزم ثورة شعبية في سورية، وأنه سحق "مؤامرة غربية" بعد نجاح هذه المؤامرات في طرده من جورجيا وأوكرانيا.
من يتحمّل المسؤولية حقا هي الإدارة الأميركية التي استسلمت تماماً أمام الشره الروسي في العنف الأعمى، لتحقيق أهداف سياسية، وبدت غير راغبة في الدفاع عن مصالح الأردن والمعارضة السورية المسلحة في الجنوب السوري. ولذلك يبدو أن الأسد ربح جولةً أخرى، باعتماده على بوتين، وخسرت المعارضة جولة أخرى، بسبب اعتمادها المتكرّر على ترامب الذي لا يبدو أنه سيحقق نصراً، أو يقطف ثمار نصره على "داعش" في سورية، وترك الشعب السوري لمصيره المؤلم أمام قوى دولية، كروسيا وقوى إقليمية كإيران، وقوة احتلال داخلي كالنظام السوري، لترسم مصير سورية وشعبها، لا بالقانون أو السياسة، إنما بالعنف الكامل والقتل والتشريد، وهو حتى وإن نجح مؤقتاً فإنه لن يكون دائماً، وتاريخ سورية الطويل في صد الغزاة والمحتلين أكبر دليل على هذا القول.
BCA0696E-8EAC-405E-9C84-3F8EA3CBA8A5
رضوان زيادة

كاتب وباحث سوري، أستاذ في جامعة جورج واشنطن في واشنطن