في تأثير حرب غزّة على بايدن انتخابياً

18 نوفمبر 2023
+ الخط -

اتخذ الرئيس الأميركي، بايدن، منذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة موقفا مؤيدا بشكل مطلق، وهو القائل "إنك لا تحتاج أن تكون يهوديا كي تكون صهيونياً"، و"إذا لم تكن إسرائيل موجودة، فإننا بحاجة إلى اختراعها"، مردّدا حرفيا الرواية الإسرائيلية في ولادة دولة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني.

ومع تصاعد القصف الإسرائيلي، ثم الاجتياح البرّي لغزّة، ظهر حجم الكارثة التي ستخلفها إسرائيل في حربها على المدنيين والبنية التحتية، حيث سوّيت أحياء بأكملها بالأرض، وتضاعف عدد الشهداء الفلسطينيين المدنيين إلى أكثر من 12 ألفاً، فبدأت أسئلة كثيرة داخل دوائر الحزب الديمقراطي بشأن موقف بايدن، ولا سيما أن الرأي العام الأميركي يبدو متغيّرا إلى حد بعيد في عدم دعمه هذه العملية العسكرية الإسرائيلية. فقد حذّر الديمقراطيون في ميشيغن البيت الأبيض من أن تعامل الرئيس مع الحرب قد يكلفه ما يكفي من الدعم داخل المجتمع العربي الأميركي للتأثير في نتيجة انتخابات عام 2024 في ولايةٍ يكاد يكون من المؤكّد أنه لا يستطيع تحمّل خسارتها، في محاولته إعادة انتخابه، ولا سيما أن الأرقام متقاربة بشكل كبير بينه وبين الرئيس السابق ترامب، بل أعطى استطلاع للرأي، أخيرا، ترامب تقدّما على بايدن في خمس ولايات متأرجحة، منها ميشيغن. وقد دفع هذا الوضع البيت الأبيض إلى مناقشة سبل تخفيف التوترات مع بعض الديمقراطيين البارزين في الولاية، بما في ذلك عديدون ممن انتقدوا الرئيس بشدة بشأن الحرب على غزّة.

يشعر أميركيون عرب بأنهم قد لا يدعمون مرشّحًا جمهوريًا مثل ترامب، إلا أنهم سيتركون الجزء العلوي من البطاقة فارغًا

كانت ميشيغن عنصرا حاسما في ما يسمّى الجدار الأزرق للولايات في وجه الولايات الحمراء المقصود بها التي قد تصوّت لصالح المرشّح الجمهوري. ويضم هذا الجدار الأزرق ميشيغن وويسكونسن وبنسلفانيا، وإذا خسر بايدن أيا منها من المحتمل أن يخسر المعركة إلى البيت الأبيض في 2024، فقد ساعدته ميشيغن على الفوز في عام 2020. ومنذ ذلك الحين، شعر الديمقراطيون بثقة أكبر بشأن مكانتهم فيها، خصوصا بعد أن حقّقت الحاكمة غريتشن ويتمر فوزًا ساحقًا بإعادة انتخابها بعشر نقاط في العام الماضي، فسيكون للحرب على غزّة تأثير كبير ربما أكثر استدامة بالنسبة للرئيس بايدن. وفي عام 2020، دعم الناخبون المسلمون بايدن على المستوى الوطني على ترامب بنسبة 64% إلى 35%، وفقًا لوكالة قوت كاست.

تضم ميشيغن أكبر تجمع للأميركيين العرب في البلاد، وأكثر من 310.000 نسمة من أصول شرق أوسطية أو شمال أفريقية. وتعهد كثيرون في الولاية بالتكاتف ضد حملة إعادة انتخاب بايدن ما لم يدعُ إلى وقف إطلاق النار. ولكن بايدن يبدو متردّدا كثيرا في القيام بذلك، مؤكّدا حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد هجوم 7 أكتوبر، وألقى ظلالا من الشك على تقديرات وزارة الصحة في غزة بشأن عدد الفلسطينيين الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية.

وقد اجتمع ما يقرب من 30 من القادة والناشطين العرب الأميركيين في ضاحية ديربورن في ديترويت في 16 الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول) لمناقشة رد إدارة بايدن على الحرب. وأعلنوا البدء بتشكيل لجنة عمل سياسية ستقاطع المرشّحين الديمقراطيين الذين لم يتحدّثوا علناً ضد العملية الإسرائيلية داخل غزّة، وهو ما وصل صداه إلى واشنطن، حيث اجتمع مسؤولون في البيت الأبيض مع قادة الجالية في ميشيغن، في محاولة لكسب الصوت العربي والمسلم في الولاية.

حقق الجمهوريون مكاسب كبيرة في فلوريدا وأوهايو، وكلاهما كانا يعتبران من الولايات المتأرجحة الحاسمة حتى وقت قريب

يشعر أميركيون عرب بأنهم قد لا يدعمون مرشّحًا جمهوريًا مثل ترامب، إلا أنهم سيتركون الجزء العلوي من البطاقة فارغًا. فاز ترامب بولاية ميشيغن بفارق يزيد قليلاً عن عشرة آلاف صوت في عام 2016، واختار عشرات الآلاف من ناخبي ميشيغن عدم التصويت في السباق الرئاسي في ذلك العام.

كان الغضب من ردّ فعل الديمقراطيين على الحرب واضحًا بالكامل، فقد خرجت المظاهرات المطالبة بوقف إطلاق النار في كل أنحاء الولاية، وخصوصا في مقاطعة وين التي بدأت تشهد اعتصامات شبه يومية، وقد ساعدت المجتمعات الإسلامية الكبيرة في مقاطعة واين بايدن على استعادة الولاية لصالح الديمقراطيين في 2020 بفارق 154 ألف صوت تقريبًا. وتمتّع بايدن بميزة 3 إلى 1 تقريبًا في ديربورن، حيث ما يقرب من نصف سكان المدينة (110 آلاف نسمة هم من أصل عربي). وقد ردّد زعماء الجالية هناك صراحة إن إدارة بايدن والديمقراطيين الذين يتفقون مع موقفه بشأن الحرب لا يستحقون أصواتنا العام المقبل في الانتخابات. وقد بدأ الحزب الديمقراطي في الولاية أيضًا إجراء مناقشات داخلية، وتواصل بشأن كيفية تخفيف التوترات السياسية مع المجتمع العربي الأميركي والعمل على توحيد جميع الدوائر الانتخابية الديمقراطية. ولكن من الصعب تصور سيناريو لبايدن للفوز بإعادة انتخابه لا يشمل ميشيغن. وقد حقق الجمهوريون مكاسب كبيرة في فلوريدا وأوهايو، وكلاهما كانا يعتبران من الولايات المتأرجحة الحاسمة حتى وقت قريب.

... هل يخسر بايدن في انتخابات عام 2024 بسبب موقفه من الحرب على غزّة، من المبكّر جدا الحسم بذلك، لكن مؤشّرات أولية تفيد بأن ذلك محتمل إلى حد بعيد.

BCA0696E-8EAC-405E-9C84-3F8EA3CBA8A5
رضوان زيادة

كاتب وباحث سوري، أستاذ في جامعة جورج واشنطن في واشنطن