محاكمات ترامب ومستقبل الحزب الجمهوري
وجّهت هيئة المحلفين في جورجيا لائحة اتهام إلى الرئيس السابق دونالد ترامب و18 من حلفائه بتهم رسمية تدين جهوده لإلغاء هزيمته الانتخابية في عام 2020. واللائحة مكونة من 41 تهمة، وهي القضية الجنائية الرابعة التي يواجهها ترامب. وتضمّنت لائحة الاتهام، التي صادقت عليها هيئة المحلفين في مقاطعة فولتون في ولاية جورجيا، 13 تهمة ضد ترامب. وهذا يعني أن الأخير أصبج يواجه 91 تهمة في أربع قضايا جنائية في أربع ولايات قضائية مختلفة، منها اثنتان اتحاديتان (في محاكم فيدرالية) وأخريان على مستوى الولاية. ولائحة الاتهام مكونة من 98 صفحة متاحة لمن يريد التعمّق في التهم ضد الرئيس السابق.
شملت الاتهامات ابتزاز حاكم ولاية جورجيا لإرغامه على تغيير نتائج الانتخابات في الولاية عام 2020 بشكل غير قانوني. كما شملت التهم الأخرى التآمر مع أشخاصٍ آخرين من ضمن حملته الانتخابية لاستخدام ناخبين مزيّفين في جورجيا. كما اتُهم ترامب بعدة تهم تتعلق باستدعاء مسؤول عام ودفعه من أجل الحنث بقسمه. وأيضا الإدلاء ببيانات كاذبة لجلسي النواب والشيوخ في جورجيا. وقد استخدمت المدعية العامة قانونًا مرتبطًا عادة بالعصابات لاتهام الرئيس السابق ومحاميه ومساعديه الآخرين بـ"عمل إجرامي" لإبقائه في السلطة. وقد تضمّنت مذكرة الاتهام عشرات الأعمال التي قام بها ترامب أو حلفاؤه بغرض عدم الاعتراف بهزيمته، بما في ذلك التوسّل إلى وزير خارجية ولاية جورجيا لإيجاد أصوات كافية له للفوز بالولاية؛ ومضايقة موظفة الانتخابات التي واجهت مزاعم كاذبة بالتزوير؛ ومحاولة إقناع المشرّعين في ولاية جورجيا بتجاهل إرادة الناخبين، وتعيين قائمة جديدة من ناخبي المجمع الانتخابي من مؤيدّي ترامب.
من المفيد طبعا قراءة لائحة الاتهام بالتفصيل، لأنها تكشف الجهود الخبيثة التي مارسها ترامب من أجل تزوير نتائج الانتخابات في ولاية جورجيا، كما فعل مع ولايات أخرى خسرها أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن. وقد سبق لائحة الاتهام هذه توجيه الاتهام لترامب في العاصمة واشنطن بالعمل على قلب نتائج انتخابات 2020 في الفترة التي سبقت أعمال الشغب العنيفة من مؤيديه في مبنى الكونغرس. وقد وجّه له المدّعي العام الخاص جاك سميث، الذي عيّنه وزير العدل الأميركي، تهما جنائية تتعلق بمحاسبته على عدم القيام بأي جهد لمنع أعمال الشغب لتهديد التداول السلمي للسلطة.
شملت المذكرة السابقة المؤلفة من 45 صفحة الادّعات الكاذبة، التي ما زال ترامب يردّدها، في ما يتعلق بعدم هزيمته في انتخابات عام 2020 في حملةٍ، استمرّت أشهراً، من الأكاذيب حول نتائج الانتخابات. ويقول إن حملة الأكاذيب هذه أسفرت عن تمرّد في مبنى الكونغرس، حيث سعى ترامب إلى استغلال العنف، بالإشارة إليه سببا لمزيد من التأخير في فرز الأصوات التي حسمت هزيمته.
تحوّل ترامب إلى مشكلة داخل الحزب الجمهوري لا يستطيع التعامل معها أو التخلص منها، وسيدفع الحزب ثمنا غاليا في قبوله ترامب مرشّحا رئاسيا
يضاف إلى هذه الاتهامات التي تتجاوز أربعة اتهامات رئيسية، منها التآمر للاحتيال على حكومة الولايات المتحدة التي قادها ذات مرّة، والطريف أن المذكّرة تتهم رئيسا سابقا بالاعتداء على "الوظيفة الأساسية" للديمقراطية. هذه هي المرّة الأولى التي يواجه فيها الرئيس المهزوم، وهو المرشّح الأوفر حظًا من الحزب الجمهوري للرئاسة العام المقبل، عواقب قانونية بسبب جهوده المحمومة، ولكن الفاشلة في النهاية، للتشبث بالسلطة.
كما ذُكر اعلاه، يواجه ترامب اليوم ما مجموعه 91 تهمة، إذا أُدين فيها فسوف يواجه الحكم بالسجن أكثر من 600 عام. لكن من الواضح أن كل هذه الاتهامات ضده سوف تؤثر على قرار المستقلين في التصويت لصالحه، ما يجعل فرص الرئيس بايدن أقوى بكثير في الاحتفاظ بالبيت الأبيض لولاية ثانية، ويمنع الجمهوريين من العودة إلى الرئاسة، حيث من المتوقع أن يمنى حزبهم بهزيمة جديدة في البيت الأبيض، بعد أن هزم في الانتخابات النصفية في الكونغرس في مجلس الشيوخ عام 2022، وخسر في انتخابات عام 2020 البيت ألأبيض والكونغرس بغرفتيه، وبالتالي أصبح ترامب رمزا لخسارة الحزب الجمهوري، وهذا ما يرفضه مؤيدوه الذين يدينون بالولاء الشديد له، فترامب يمسك بتلابيب الحزب الجمهوري، ويقوده إلى خسارة تلو أخرى، لكن من الصعب على الحزب التخلص منه، فهو الأكثر شعبية على مستوى الحزب، ولذلك حتى منافسوه في الانتخابات يتجنّبون انتقاده، لأنهم يخافون تحريض قاعدته الانتخابية ضدهم. ولذلك يتساءل الجميع عن جدوى الترشّح أو الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الجمهوري، إذا كانت نتيجتها محسومة سلفا لصالحه.
... تحوّل ترامب إلى مشكلة داخل الحزب الجمهوري لا يستطيع التعامل معها أو التخلص منها، وسيدفع ثمنا غاليا في قبوله ترامب مرشّحا له داخل الحزب الجمهوري في السنوات المقبلة.