يبدي وزير التعليم الأفغاني، أسد الله حنيف بلخي، قلقه الشديد على مستقبل المؤسسات التعليمية التابعة لجماعة الداعية التركي فتح الله غولن في بلاده، ما دعاه للتأكيد على أن الحكومة الأفغانية ستأخذ بعين الاعتبار مستقبل الطلاب الذين يدرسون في تلك المدارس، عند اتخاذ أي قرار بشأنها.
قلق بلخي جاء ضمن تداعيات المحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت في 15 يوليو/تموز الماضي في تركيا والمتهم فيها تنظيم الخدمة الذي يتزعمه غولن، إذ أكد المتحدث باسم النائب الأول للرئيس الأفغاني، بشير أحمد تاينج، أن السفارة التركية لدى كابول طلبت منه ومن قيادين في حزبه التعاون معهم لإغلاق المدارس التركية الأفغانية.
الموقف التركي من مدارس غولن في أفغانستان تكرر في جارتها الغربية باكستان، إذ كشفت الخارجية الباكستانية، أن إسلام أباد مستعدة للتعاون الكامل مع أنقرة، ضمن ملف المؤسسات التعليمية التابعة لجماعة فتح الله غولن المتهم بالتخطيط لمحاولة الانقلاب الفاشلة.
وشددت الخارجية الباكستانية أن إسلام أباد تدعم بكل ما تملك من القوى، الحكومة الديمقراطية في تركيا، وتناهض أي مسعى للإطاحة بها. لذا فإنها تتعاون مع أنقره في ما يخص إغلاق المدارس والمؤسسات التعليمية التابعة لجماعة غولن.
ممتلكات إمبراطورية غولن الأفغانية والباكستانية
تعرف مؤسسات غولن التعليمية في أفغانستان بالمدارس التركية الأفغانية، وتدير جماعة فتح الله غولن، 24 مؤسسة تعليمية بدءًا من مرحلة رياض الأطفال والابتدائية والإعدادية وحتى مرحلة الثانوية، كما تضم مؤسسات الجماعة التعليمية ثانوية الأئمة والخطباء وتنظم الدورات التدريبية للتمهيد للجامعات، ويبلغ عدد الطلاب الذين يدرسون في تلك المؤسسات التعليمية 8 آلاف طالب، وتخرج خمسة آلاف طالب وطالبة من تلك المدارس التي يعمل فيها 198 معلمًا تركيًّا منهم 56 معلمة تركيّة، فيما يبلغ عدد المعلمين الأفغان 350 معلمًا، وتعمل تحت اسم "تشاغ" أو ما يعرف بالمدارس الأفغانية التُركية، وتنشط هذه المدارس التابعة لحركة الخدمة في ست مدن أفغانية، على رأسها العاصمة كابول ومزار شريف، وشبرغان، وهيرات، وقندهار، وجلال آباد، وفقا لما وثقه معد التحقيق عبر لقاءات مع مسؤولي تلك المؤسسات.
وتقوم مراكز الأناضول للغات والثقافات، التابعة لتنظيم الخدمة في أفغانستان، بتقديم دورات في اللغة التركية، بينما كانت تسهل سفر الطلاب الأفغان إلى تركيا قبل اندلاع النزاع بين أردوغان وغولن في عام 2013. وضمن مجالات عملها في أفغانستان، قامت مؤسسات جماعة الخدمة، بتصميم 82 مبنى للمدارس العامة، من بينها معهد النجم الجديد في منطقة باغرام في ضواحي العاصمة الأفغانية كابول، والذي تكلف نحو مليوني دولار أميركي.
وتمتلك جماعة غولن، 28 مدرسة في باكستان تعمل تحت مسمى المدارس التركية الأفغانية، تنتشر في 12 مدينة، بما فيها العاصمة إسلام أباد. ويدرس فيها حوالى عشرة آلاف طالب وطالبة تحت إشراف 1500 مدرسة ومدرس، ألف منهم باكستانيون والباقون أتراك، بحسب تصريحات مسؤول مؤسسة باك ترك التعليمية في باكستان بيرام ألتماش، التي تدير تلك المؤسسات.
"المؤسسة لا تعمل فقط في مجال التعليم، بل لها مشاريع اجتماعية وثقافية"، يقول ألتماش، مضيفا أن المؤسسة قامت بدعم متضرري زلزال باكستان في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2005. إذ منحت المؤسسة 10 ملايين دولار للحكومة الباكستانية لمساندة متضرري الزلزال في إقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان.
دعوات لإغلاق المشاريع
بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، طالب السفير التركي لدى إسلام آباد، صادق بابور السلطات الباكستانية، بإغلاق جميع المشاريع التابعة لجماعة فتح الله غولن، بما فيها المدارس التركية الباكستانية.
وأكد السفير أن أنقرة على اتصال دائم بإسلام أباد من أجل إغلاق جميع المشاريع التابعة لفتح الله غولن، وأنها ستقف في وجه كل من له صلة بالرجل المتهم بمحاولة انقلاب فاشلة في تركيا.
حيال القضية ذاتها، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، أثناء زيارته إسلام اباد في الثاني من شهر أغسطس/آب الحالي أن بلاده في تنسيق دائم مع إسلام أباد بخصوص أنشطة جماعة غولن، بما فيها المدارس التابعة لها، وأن الدولتين ستتخذان تدابير لازمة بهذا الشأن بحيث لن يتضرر الطلاب. كما أكد أوغلو، أن بلاده قدمت وثائق لإسلام أباد تثبت أن جماعة غولن تشكل تهديداً لأمن أي دولة تنشط فيها، لافتاً إلى أن لدى إسلام أباد إرادة قوية لاتخاذ تدابير لازمة بهذا الشأن.
مسؤول المنظمة في باكستان ينفي التهم
رفض مسؤولو مؤسسات غولن في أفغانستان الرد على ما أثير حول ممتلكات رجال الأعمال المقربين من تنظيم الخدمة، بينما أكد مسؤول الأنشطة التابعة لجماعة الله فتح غولن في باكستان، أن "مدارسهم لا علاقة لها بأي شأن سياسي"، مردفاً أن "عمل مؤسساتهم التعليمية الوحيد يتمثل في المساهمة في دفع عجلة العلم إلى الأمام في باكستان".
وأضاف ألتماش في تصريح خاص لـ"العربي الجديد" مشاريعنا تهدف إلى خدمة الإنسانية، وتعليم أبناء الفقراء وتثقيفهم، وتفعل ذلك منذ عقدين من الزمن، وهي مجرد مشروع علمي لا أكثر ولا أقل.
محاولات لإيجاد حل وسط
في خضم الكثير من الأقاويل والتكهنات بشأن مستقبل المدارس التركية الأفغانية ونظيرتها التركية الباكستانية، يحاول النائب الأول للرئيس الأفغاني الجنرال عبد الرشيد دوستم، أحد المقربين من الحكومة التركية، "أن يجد حلا وسطاً للمعضلة"، كما يؤكد المتحدث باسم النائب الأول، بشير أحمد تاينج، لافتاً إلى أن الجنرال دوستم لا يرغب أبداً في إغلاق تلك المدارس كونه من أهم المؤيدين للمدارس لعملها.
ويؤكد بشير أحمد أن عبد الرشيد دوستم زار تركيا لمناقشة أبعاد القضية وتشجيع السلطات التركية على إيجاد حل وسط للقضية، إذ إن تلك المدارس لها دور كبير في تربية أبناء الأفغان وفي تحسين الوضع التعليمي في البلاد.
ووفقاً للمتحدث باسم النائب الأول لرئيس أفغانستان، فإنه يتابع مع القيادة التركية من أجل إجراء تغيير في إدارة المدارس والمشاريع التابعة لجماعة فتح الله غولن وخططها، وأن تكون تابعة تماماً للحكومة التركية، بدلا من إغلاقها، ملمحاً إلى موافقة الحكومة التركية على فكرة التغيير بدلا من الإغلاق.
"التغيير في الإدارة والخطط والبرامج فكرة، لا يؤيدها الساسة فحسب، بل حتى عامة المواطنين وخبراء التعليم، كما يقول إعتزاز حسن الخبير التعليمي في باكستان، والذي يتمتع بعلاقة وطيدة مع تلك المدارس.
ويؤكد حسن لـ"العربي الجديد" أن إغلاق تلك المدارس لن يكون في مصلحة أحد، بل سيكون له آثار عكسية، والأفضل هو إيجاد تغيير جذري فيها، إن صح أن جماعة فتح الله غولن فعلا خططت لمحاولة انقلاب تركيا، وتابع "الحكومة التركية يمكنها بالتنسيق مع الحكومة الباكستانية أن تجري أي نوع من التغيير، وهذا أفضل من الإغلاق".
بالمقابل، فإن محمد شاه الخبير التعليمي وأحد العاملين في سلك التعليم بأفغانستان، يرى أن جل من يحصلون على المنح التعليمية من قبل مؤسسة غولن وغيرها من المؤسسات التعليمية الراقية، لا يعودون إلى أفغانستان عقب تخرجهم، متسائلا عن مدى فائدة هؤلاء لمستقبل البلد، في ظل أن تلك المدارس تجمع العقول الأفغانية، وترسلها خارج أفغانستان، ما يحرم البلاد من جهودها ويجعل عملها قاصراً على تصدير الكوادر الأفغانية إلى الخارج.
قلق أهل الطلاب يزداد
مع تزايد التكهنات بشأن مستقبل مدارس غولن، يزداد القلق في أوساط الأهل الذين يخشون من ضياع مستقبل أولادهم، كما تقول أفشين خان التي تدرّس اثنتين من بناتها في إحدى المدارس التركية الباكستانية.
تقول السيدة خان لـ"العربي الجديد": "لا علاقة لي بالأحداث السياسية، وبما يجرى في تركيا، يهمني فقط ألا تغلق تلك المدارس، لأن فيها مستقبل أولادي وأولاد الكثيرين"، وهو ما يتفق معه الخبير الباكستاني إعزاز مشدداً على أن الحل الوسط لتلك المشكلة، يكمن في إجراء تغييرات في الإدارة وفي خطط هذه المشاريع والمدارس، إذ إن مستقبل الكثير من أبناء أفغانستان وباكستان بات مرهوناً بها.