سيد قطب

الفرق الحضاري بين البيئة الغربية العملية المحيطة بشخصٍ مثل البابا بنديكت السادس عشر وشخصيات دينية وغير دينية من بيئات أخرى محاطة بشعارات مجرّدة من خطواتٍ عملية، جعل البابا، مع احتفاظه الصريح بقناعاته، ينسحب من المشهد، إيماناً منه بضرورة نجاة الكنيسة.

نتحدّث عن تنظيرات ناضجة، لعلماء وباحثين، وهي، على ما فيها، لم تصل، يوماً، إلى مناهج الحركات الإسلامية الفاعلة على الأرض، ولم تشكّل يوما، انحيازات قواعدهم "الحقيقية"، بل على العكس، كلما ازداد الخطاب انفتاحا ازدادت الممارسات انغلاقا، و"عدوانية".

مثيرٌ للسخرية السوداء أن نستمع لرئيس وزراء مكلف في دولةٍ أعلنت إفلاسها، يتحدّث عن طرق لإنقاذ بلاده، وهو أحد من يمتلكون الملايين، بل ربما المليارات الكامنة في ملاذات آمنة، وفق تحقيقات أوراق بندورا!

تمكّن حافظ الأسد خلال سنوات حكمه الثلاثين من تحويل سورية إلى سجن كبير والمواطن إلى شبح "مهستر"، يمشي في الشارع ويكلم نفسه. ومع ذلك، يحسد السوريون اليوم زمن حافظ الأسد، لأن أيامه أقلّ سوءاً من أيام وريثه المهووس بالسلطة والقتل.

تحتاج المجتمعات البشرية إلى الحرية من أجل التعبير عن نفسها وعيش حياتها، وتحتاج الحرية لفهم نفسها، وللتعامل مع مشكلاتها، ولفهم الأرضية التي تقف عليها. التعامل مع الحريات بمفهوم التحريم يعيق أيّ نقاش جدّي لفهم هذه المجتمعات ومشكلاتها الحقيقية.

ما عاد المطلوب اليوم في بلادنا العربية المبتلاة بالكراهية الدينية فصلُ الدين عن الدولة، بل إلغاء احتكار الطوائف للأوقاف ومؤسسات الرعاية الطائفية كدور العجزة والمياتم والمستوصفات والمستشفيات وصناديق الخير، فضلاً عن الأحوال الشخصية ومحاكمها.

لا يتجاوز نجيب محفوظ في رواياته هويته، المكان والزمان والثقافة والتاريخ، ولا يخشى من التكرار أو الإملال. هويته الدينية حاضرة بقوة، علاقته بالإسلام واضحة، مباشرة، لا تحتمل التأويل أو التزوير. هوية المنتمي، المحبّ، المنحاز، من دون أدنى شك.