لم يُمهل الموت الطفل الفلسطيني فاروق أبو النجا (6 أعوام)، من حي "معن" شرق مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، المزيد من الوقت، حيث توفي وهو في انتظار "التحويلة الطبية" التي تمكنه من الوصول إلى المستشفى لإتمام العلاج.
وقضى الطفل نتيجة مُماطلة الاحتلال الإسرائيلي في منحه تصريحا للمرور عبر حاجز بيت حانون (إيرز) شمالي القطاع، للوصول إلى مستشفى "هداسا عين كارم"، لتلقي العلاج، خاصة بعد تدهور حالته الصحية بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية.
ويُعتبر المنع من المرور، والمتمثل في عبارة "قيد الدِراسة" سيفاً مُسلطاً على رقاب أهالي قِطاع غزة، المُحاصر منذ 16 عاماً، لا سيما المرضى، حيث يتحكم الاحتلال الإسرائيلي بقبول أو رفض مرور المواطنين ويتسبب ذلك بشكل دائم بوفاة مرضى كانوا على قوائم انتظار السماح لهم بالمرور للعلاج.
وتقول والدة الطفل خلود أبو النجا لـ"العربي الجديد" إن طفلها وُلِد بشكل طبيعي، إلا أن صحته بدأت بالتراجع تدريجياً بعد إتمام عامه الثالث، حيث بدأ وزنه بالتراجع، مما دفع العائلة إلى مراجعة الأطباء، إلا أن استمرار تراجع حالته الصحية دفع مؤسسة أجنبية إلى حجز موعد في مستشفى "هداسا عين كارم" بالداخل المُحتل في 12 يناير/ كانون الثاني، لكن الجانب الإسرائيلي رفض السماح بمرور الطفل، وساءت حالة الطفل فاروق أبو النجا أكثر، حيث فقد القدرة على البلع والحركة بشكل كامل وتأثر السمع والبصر إلى جانب بعض التشنجات.
وتضيف الأُم المكلومة أن تدهور صحته بشكل كبير دفع إلى إجراء عملية جراحية سريعة في معدته، لإيصال الطعام الذي لا يتمكن من بلعه عبر أنبوب، إلا أن حالته استمرت في التدهور، فقامت المؤسسة الأجنبية ذاتها بحجز موعد آخر في 10 أغسطس/ آب الحالي، إلا أنه رُفِض مُجدداً وقال الاحتلال إن الطلب "قيد الدراسة" دون تلقي أي رد آخر، إلى أن فارق الطفل فاروق أبو النجا الحياة بعد أسبوعين من المنع الأخير.
أما الفلسطيني بسام حسونة (51 عاماً)، الذي يُعاني من كُتلة على باب المريء تمنعه من الأكل والشرب، فيقول إن رحلته للعلاج تعثرت أكثر من مرة، حيث كان الاحتلال يرد على كل موعد بأن ملفه "قيد الدراسة"، حتى مرور الموعد المُحدد دون تلقي أي معلومات أو أسباب واضحة.
ويبين حسونة لـ "العربي الجديد" أنه لم يتمكن من مُغادرة قطاع غزة عبر حاجز بيت حانون "إيرز" في تاريخ 16و 29 أغسطس/ آب الحالي بسبب عدم حصوله على موافقة الاحتلال، وتم تحديد موعد جديد في 13 سبتمبر/أيلول القادم، إلا أنه يقول "أشعر بأنني في أسوأ حالاتي، وصحتي في تدهور مستمر، وأشعر بأنني لن أتمكن من الصمود حتى الموعد المُحدد، والذي يمكن أن يتم المماطلة فيه أيضاً، مثل المواعيد السابقة".
ويُخالط القلق كذلك الشاب حسين العريني، من قرية "أم النصر" شمالي القطاع والمُصاب بمرض السرطان في الصفائح الدموية، ويقول العريني لـ"العربي الجديد" إنّ رحلة علاجه بدأت عام 2019 حين زار مستشفى المُطلع، وبدأ منذ عام 2020 مُحاولاته لتحديد موعد جديد لزيارة المُستشفى، إلا أنه كان يُقابل بعبارة "قيد الدراسة"، مضيفًا "لم أتمكن من تحديد موعد جديد حتى اللحظة، على الرغم من النزيف المتواصل، والتدهور المُستمر في صحتي".
ويشمل المنع من السفر زوايا عديدة للمُعاناة، حيث لم تتمكن الفلسطينية زينب صقر من مُرافقة قريبتها المريضة نجوى، وتقول زينب إن مُعاناة قريبتها بدأت بالمنع والمُماطلة إلا أنها استمرت بفعل منع سفري معها كمرافِقة لها بعد حصولها على الموافقة بالعبور، تؤمن لها احتياجاتها وتعينها على مستلزماتها الشخصية.
ووفقاً لبيان أصدره الأحد الماضي، مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة، فارق الحياة أربعة من المرضى الفلسطينيين من بينهم ثلاثة أطفال، منذ بداية عام 2022، بسبب المُماطلة الإسرائيلية وعدم منحهم التصاريح الخاصة لإتمام علاج المرضى في مستشفيات خارج قطاع غزة.
ويضرب الاحتلال الإسرائيلي الاتفاقيات الدولية بعرض الحائط، وفي مقدمتها اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949 التي "يُعتبر الاحتلال الإسرائيلي طرفاً فيها"، حيث تُلزم الاتفاقية الاحتلال بتأمين الرعاية الصحية لسكان الأراضي المُحتلة.