استمع إلى الملخص
- في بيت لحم، غابت شجرة الميلاد الكبيرة، واقتصرت فعاليات العيد على الصلوات والشعائر الدينية، مع التركيز على التضامن مع المتألمين في غزة.
- الكنائس الغربية تتباين في مواقفها تجاه أحداث غزة، بينما تقف الكنيسة اللاتينية مع المظلومين، وتفتقد القدس بهجة العيد بسبب غياب الحجاج وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي وحرب الإبادة على غزة، تحوّلت أجواء عيد الميلاد في القدس وبيت لحم إلى لحظات من الحزن والتضامن، إذ غابت زينة الميلاد والأضواء عن المدينتين المقدستين، واستبدلت بالصلوات والتضرعات من أجل ضحايا الحرب على غزة.
وتفتقد العائلات المسيحية أجواء اللقاءات الواسعة في العشاء الجماعي، كما لن توضع شجرة الميلاد في كثير من البيوت، ولن يوزّع "بابا نويل" الهدايا على الأطفال، في رسالة واضحة بأن الأعياد المسيحية كما باقي الأعياد في الأراضي الفلسطينية لا يمكن أن تشهد احتفاليات في حين يقتل الفلسطينيون.
في القدس، بدت البلدة القديمة خالية من زينة العيد المعتادة، بينما انشغل سكانها بالصلاة والدعاء. وفي بيت لحم، التي تحتضن كنيسة المهد، غابت شجرة الميلاد التي كانت تضيء المدينة تعبيراً عن التضامن مع قطاع غزة، ورفضاً للحرب التي طاولت جميع المدنيين بلا تمييز، وأعلنت بلدية بيت لحم اقتصار فعاليات عيد الميلاد على الصلوات والشعائر الدينية.
لن تحتضن بيت لحم، كما المعتاد، شجرة الميلاد الكبيرة التي كانت تزيّن ساحة كنيسة المهد، وسيغيب عن أحيائها وكنائسها الحجاج والزوار القادمون من كل بقاع العالم، وستكون الشوارع التي كانت تفيض بأهازيج الميلاد وأضوائه صامتة، تعبيراً عن حزن المدينة.
من بيت جالا، تقول سوزان الحذوة لـ"العربي الجديد": "يمرّ عيد الميلاد علينا حزيناً للعام الثاني على التوالي. لا يمكننا الاحتفال في ظل الإبادة في غزة، ولن نحتفل حتى في الإطار الضيق داخل منازلنا. فقط نضيء الشموع ونتضرع إلى الله بالدعاء، ولن نخرج للقاء الأهل من خارج المحافظة، لأن الاحتلال يفرض قيوداً على حركتنا من دون اعتبار لقدسية أعياد الميلاد".
وتوضح الحذوة أن الأسر المسيحية جزء من فلسطين، لذا تغيب مظاهر البهجة وإنارة الطرقات والمنازل والزيارات وتبادل الهدايا، "لكن الصلوات والطقوس الروحية لن تتوقف، وجميع العائلات المسيحية ستصلي على أمل أن يأتي عيد الميلاد في العام المقبل وقد عادت مشاهد السرور واختفت مشاهد الحزن التي خيّمت على مدينة بيت لحم".
رسالة الميلاد التضامن مع الإنسان في غزة
ورغم غياب التحضيرات الخارجية، تستمر التحضيرات الداخلية كونها مرتبطة بالصلوات "التاسوعية" التي تسبق رأس السنة الميلادية. يقول كاهن رعية السيدة فاطيما في بيت ساحور، عيسى حجازين، لـ"العربي الجديد": "الرسالة الأهم للعيد هذا العام هي التضامن مع الإنسان المتألم. نحن شعب واحد، ونتضامن مع الجميع. العيد الحقيقي هو أن يشعر الإنسان بالسلام الداخلي والخارجي، وبالكرامة والحرية، وهذه المقومات مفقودة في ظل الظروف الراهنة، تحديداً في قطاع غزة".
وعن موقف الكنائس الغربية من أحداث غزة وغياب احتفالات الميلاد في بيت لحم، يبيّن الكاهن حجازين أن "الكنائس الغربية مختلفة، ومنها الكنيسة اللاتينية الكاثوليكية، والأنجليكانية، والأسقفية، واللوثرية، وغيرهم، وبعض الكنائس تحرّكها المصالح. نحن في الكنيسة اللاتينية نقف مع المظلوم والمتألم، ولدينا نشاطات إغاثية في غزة بالتعاون مع مؤسسات أخرى، وترأس المطران بيتسابالا قدّاس الأحد في كنيسة العائلة المقدسة في غزة، ومستمرّون في تقديم المساعدات للمتضررين من المسيحيين والمسلمين".
يضيف: "لا نطالب قادة الكنائس باتخاذ موقف سياسي، لكننا نطالب بموقف إنساني وأخلاقي. هناك فرق بين الكنائس التي تتحرك بناءً على مصالحها، وتلك التي تقف مع المظلومين. الكنيسة تصلي كل يوم أحد من أجل غزة، ومن أجل الشهداء والضحايا. نصلي من أجل السلام الذي سيأتي من الله، وليس من رؤساء دول العالم".
بدوره، يقول نائب رئيس بلدية بيت لحم، حنا حنانيا، إن مؤسسات المحافظة والكنائس والطوائف أجمعت على ألا تضم أجواء أعياد الميلاد الشجرة الكبيرة المزيّنة التي كانت تتوسط عادة ساحة "كنيسة المهد"، وأن تغيب الطقوس المعتادة التي كانت تشمل الصلوات الخاصّة في ظل وجود الحجّاج المسيحيين من مختلف أصقاع الأرض، ما دام قطاع غزة يعاني حرباً لا تفرّق بين الأديان.
يضيف حنانيا: "عُلّقت الطقوس والفعاليات الدينية كافّة، إذ لا يمكن لمدينة بيت لحم، كجزء أصيل من النسيج الفلسطيني، أن تحتفل في وسط الإبادة. لكننا سنحافظ على الوضع القائم منذ آلاف السنين، من خلال استقبال البطاركة، واقتصار الطقوس على الشعائر الدينية داخل الكنائس. الفعاليات لن تبرز فيها أصوات لأنشطة فرق الكشافة، وسيتم استقبال البطاركة بحسب (الستاتيكو) المتبع من دون مظاهر احتفالية. عادةً يتم استقبال البطاركة بمشاركة المجموعات الكشفية مع عزف الموسيقى، وتكون البلدية مسؤولة عن تنظيم العديد من فعاليات الاستقبال، لكن هذا العام سيكون الاستقبال صامتاً، وستشارك المجموعات الكشفية من دون أي آلات عزف".
وتنطلق الفعاليات من دير مار إلياس في بيت جالا، حيث يُستقبل موكب بطريرك القدس والأردن وسائر الديار المقدسة، بيير باتيستا بيتسابالا، القادم من القدس، ويحط الموكب رحاله في المبنى الصليبي التابع لطائفة الروم الأرثوذكس، حيث يكون في استقباله رئيس بلدية بيت جالا ممثلاً عن أهالي المدينة، إلى جانب نائب رئيس بلدية بيت لحم. بعد ذلك، يتجه الموكب نحو بلدة بيت ساحور، مروراً بقبة قبر راحيل على طريق القدس– الخليل التاريخي.
ويتابع حنانيا: "يتوقف الموكب عند دوار العمل الكاثوليكي، حيث يرافق موكب البطريرك الناس حتى ساحة المهد، حيث رئيس بلدية بيت لحم ومحافظ بيت لحم وقائد المنطقة ومدير الشرطة، ويسيرون مع البطريرك من بلاط ساحة الكنيسة حتى بوابتها. بعد ذلك يغادر الحضور، ويدخل رئيس البلدية مع مجموعة من الناس والجمعيات المسيحية إلى الكنيسة لأداء صلاة صغيرة، لينتهي استقبال البطريرك. بطبيعة الحال، يُقام قداس منتصف الليل داخل الكنيسة مثل كل عام، بمشاركة بعض الشخصيات من القناصلة والسفراء، دون حضور الحجاج الوافدين".
ويؤكد: "العلم الفلسطيني سيكون حاضراً طوال الفعاليات، ويتقدم موكب البطريرك، ولن يتم تجسيد فعاليات أخرى، سنكتفي بالمشهد الذي قدمه البابا فرنسيس، زعيم الكنيسة الكاثوليكية، بإضافة الكوفية على مجسم الطفل يسوع في الفاتيكان، وكانت هذه سابقة، ورسالة واضحة للعالم للمطالبة بإنقاذ الشعب الفلسطيني. ستفتقد بيت لحم أيضا حضور المسيحيين من قطاع غزة، والتي كانت لمسة تجسّد وحدة مكوّنات الوطن الفلسطيني، فالحرب حالت دون ذلك بعد أن بات قطاع غزة مدمّراً بالكامل. رغم أن بيت لحم تحمل رسالة السيد المسيح المتمثلة في المحبة والسلام، إلا أنها تواجه معاناة كبيرة بسبب الاحتلال الإسرائيلي الذي يفرض عليها حصاراً مطبقاً من خلال إغلاق مداخلها كافّة، كما يحيطها بـ 23 مستوطنة غير شرعية".
في القدس، تفتقد المدينة المقدسة وكنيستها العظيمة "أم الكنائس" للعام الثاني بهجة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، فالفواجع التي ألمت بأهل غزة سرقت من عموم الشعب الفلسطيني فرحة أعياده الإسلامية والمسيحية، حسبما يقول المسيحي المقدسي أنطون حنا سنيورة، وصديقه المسلم ناصر حجازي، وهما من سكان حارة السعدية بالبلدة القديمة.
بالقرب من كنيسة القيامة بالبلدة القديمة من القدس، يقول سنيورة لـ"العربي الجديد": "نتألم لغياب بهجة العيد المصحوبة بحزن كبير على ما يجري في غزة من حرب إبادة تفقد جميع الأعياد أي بهجة، بل يتعذر معها مجرد التفكير بالاحتفال. سنكتفي بإقامة الطقوس والشعائر الدينية. كعائلة، نختصر هذه السنة كما السنة السابقة الاحتفالات، كما أنني لم أنصب شجرة ميلاد في البيت تضامناً مع أهلنا في غزة، ونكتفي بالاجتماع العائلي تحت رعاية عميد العائلة حنا أبو أنطون سنيورة في وليمة يوم العيد".
في بيت العائلة، يجلس والد أنطون يتابع ما يرد من أخبار من غزة تحمل أنباء الفواجع والآلام. كل شيء في البيت يبدو طبيعياً، وكأن عيد الميلاد مناسبة فقط لاجتماع الأسرة من دون شجرة تضاء. يقول أبو أنطون، وهو من قدامى المراسلين الصحافيين المحليين المختصين في الشؤون الدينية، إن "برنامج الاحتفال الديني يشمل، كما جرت العادة، اجتماعاً يعقد لأبناء رعية اللاتين في القدس والمخاتير والوجهاء والرعية المسيحية، ورؤساء الجمعيات الدينية والخيرية، وشخصيات وطنية في ديوان البطريركية اللاتينية في القدس، وذلك قبل بدء المسيرة التقليدية للموكل البطريركي إلى مدينة بيت لحم برئاسة الكاردينال بيير باتيستا بيتسابالا، استعداداً للاحتفال بالقداس الميلادي في منتصف ليل الثلاثاء. عدا ذلك، لا احتفالات ستقام، وإن أضاءت بعض العائلات شجرة الميلاد لرمزيتها، فسيكون ذلك في أجواء تغلب عليها مشاعر انعدام فرحة لقاء أحبتهم وأقاربهم من الضفة الغربية وقطاع غزة".
في حي الجبشة بالبلدة القديمة من القدس، والمفضي إلى الحي المسيحي، أو ما يعرف بـ"حارة النصارى"، لا شيء يشي باحتفالات العيد. يمضي جون قاقيش حكماً بالسجن لمدة عشر سنوات، ويقول والده، لـ"العربي الجديد": "العائلة منذ أن اعتقل جون قبل عدة سنوات فقدت بهجة الاحتفال بالعيد، وزاد الشعور بانعدام البهجة خلال العامين الماضيين مع استمرار حرب الإبادة في غزة، وتعذر التواصل مع جون الذي نجهل مكان وجوده بسبب سياسة القبضة الحديدية المطبقة بحق الأسرى. سنكتفي بالطقوس الدينية، وباجتماع العائلة".
بدوره، يقول مواطن مصري يقوم على خدمة الكنيسة القبطية، لـ"العربي الجديد": "لا توجد أي بهجة للاحتفال بالعيد. حتى الحجاج المسيحيين القادمين من دول العالم المختلفة الذين كانوا يحضرون سنوياً للمشاركة غائبون، والمسيحيون من أبناء فلسطين ممنوعون من القدوم إلى كنيستهم في القدس. إنه أمر محزن".
ويقول حسن قطينة، وهو صاحب أحد محال بيع زينة العيد في حارة النصارى: "أمارس هذه المهنة منذ أربعين سنة، ولم يمر علينا مثل هذه الأوقات الحزينة والكئيبة. الناس مشدوهة بسبب ما يجري في غزة، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي أجبرت الناس على اختصار كثير من الأمور، ومنها الزينة والهدايا".