"حرب ربيع" مختلفة بأفغانستان: طالبان تواجه "أكثر من عدوّ"

10 ابريل 2016
تحاول القوات الأفغانية استغلال الخلافات داخل طالبان(فرشد يوسيان/فرانس برس)
+ الخط -
يستعد طرفا الصراع في أفغانستان، الحكومة وحركة طالبان، لموسم حرب جديد مع دخول فصل الربيع. وتأمل طالبان أن تحقق الغلبة في المعارك المرتقبة على الرغم من أنها تعاني تصدعات داخلية حادة، إذ يعلن قياديوها واحداً تلو الآخر الانشقاق عنها والحرب عليها، وذلك بعدما استعرت الحرب بين مؤيديها والمنشقين عنها في عدد من الأقاليم في موسم الشتاء، حيث تضع الحرب أوزارها عادة. لذلك يتوقع أن يكون جزء كبير من حرب ربيع هذا العام بين طالبان والمنشقين عنها، إذ ستواجه الحركة "أكثر من عدو"، وهم المنشقون عنها، وتنظيم "الدولة الإسلامية" "داعش"، والحزب الإسلامي الذي طلب قبل فترة من الشعب الأفغاني الوقوف معه مقابل سياسات طالبان، وأخيراً القوات الدولية والأفغانية.

إزاء التحديات المتعددة التي تواجهها طالبان، لم يتأخر زعيم الحركة، الملا أختر منصور، في الطلب من أنصاره الصعود إلى الجبال لشنّ هجمات ضد الحكومة الأفغانية والقوات الدولية، وعدم الالتفات إلى عملية المصالحة، وذلك بعدما رفضت الحركة الحوار مع الحكومة حتى خروج القوات الدولية من أفغانستان. وتحمل دعوة منصور رسالتين، الأولى أن جهود المصالحة لم تعد مجدية، والثانية مفادها أن الشعب الأفغاني على موعد مع حالة حرب أشد خلال الربيع الحالي.

من جهتها، لا تخفي الاستخبارات الأفغانية أن طالبان تستعد للسيطرة على مناطق شاسعة في البلاد، معتبرة أنها تخطط لذلك بدعم من الاستخبارات والجيش الباكستاني. يضاف إلى ذلك، إعلان بعض المسؤولين الأفغان أنّ الحركة حصلت منذ أسابيع على أسلحة متطورة، تكون عادة بحوزة القوات الدولية في أفغانستان. وقد تطرق مسؤول أمن قندهار، الجنرال عبد الرازق أتشكزاي إلى الأمر، بقوله إن طالبان حصلت في الأيام الأخيرة على أسلحة ثقيلة وحساسة، وأنها أصبحت تستخدم هذه الأسلحة في الأقاليم الجنوبية، كإقليم قندهار، وهلمند، وذابل، وهو الأمر الذي قد يغير موازين القوة.

في موازاة ذلك، لم تتأخر الحكومة الأفغانية في الإعلان عن عمليات عسكرية شاملة ضد طالبان في عدد من الأقاليم شمالاً وجنوباً، وذلك ربما عملاً بمقترح قدمه بعض جنرالات القوات الدولية وخبراء عسكريون أفغان، ومفاده أن تخرج القوات الأفغانية من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم.

يذكر أن الحرب في أفغانستان عادة ما تضع أوزارها خلال موسم الشتاء قبل أن تستعر مع بدء فصل الربيع. لكن هذا العام كان الأمر مختلفاً قليلاً، إذ أعلنت الحركة مواصلة الحرب في موسم الشتاء. وكان لقرار طالبان تفسيران في الأوساط الإعلامية والأمنية. التفسير الأول يعتبر أن الحركة لم تكن تريد أن يرجع مقاتلوها من جبهات القتال خشية عدم عودتهم إليها أو انشغالهم بالخلافات الداخلية. أما التفسير الثاني فربط قرار طالبان بسعي الحركة لتقوية موقفها على طاولة الحوار.

لكن مع ذلك، رجعت مجموعات من مقاتلي الحركة إلى منازلها في باكستان أو داخل أفغانستان، ووقع ما كانت تخشى منه قيادة الحركة، إذ اختار كثر من مقاتلي الحركة عدم العودة إلى جبهات القتال بسبب الخلافات الداخلية، ومن بينهم محمد عادل الذي كان قائداً ميدانياً في طالبان بإقليم ننجرهار منذ العام 2005، لكنه اختار المكوث في منزله الآن. ويأتي قراره بعدما طُلب منه تنظيم رجاله لمواجهة "داعش" والقيادات المنشقة عن الحركة.
يقول عادل، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، "إنني لم ولن أشارك في المعارك الداخلية، ولن ألطخ يدي بدماء المسلمين. لذا قررت الجلوس في المنزل، وأدبّر لعمل يتكفل برزق أولادي". ويخشى عادل من تكرار تجربة الأحزاب الجهادية التي انشغلت في الحرب الداخلية بعد هزيمة الروس في أفغانستان، لذا يطالب جميع قيادات الحركة بعدم الانخراط في الحروب الداخلية.
ولم يكن عادل الوحيد الذي اختار الابتعاد عن الجبهات لهذه الأسباب بل ثمة العشرات من القيادات الميدانية التي تركت العمل المسلح بعدما بدأت المعارك الداخلية بين طالبان والمنشقين عنها، من جهة وبين الأولى وتنظيمات أخرى كـ"داعش".


تزايد المنشقين عن طالبان

بعد الإعلان عن وفاة زعيم الحركة الراحل الملا عمر في يوليو/تموز من العام 2015، بدأت التصدعات في صفوف طالبان. وكان الملا محمد رسول القيادي البارز في الحركة، أحد أعضاء طالبان في الجولة الأولى من الحوار مع الحكومة والتي أجريت قبيل الإعلان عن وفاة الملا عمر في باكستان، من أوائل المنشقين عن الحركة. وكان معه قياديون آخرون كالملا عبد المنان نيازي، أحد مؤسسي الحركة، والملا محمد حسن الذي توفي قبل فترة وكان من المقربين إلى مؤسس الحركة الملا عمر، والملا منصور دادالله، الذي تدعي طالبان أنه قتل خلال المعارك معها. ومنذ ذلك الحين، تندلع المعارك الداخلية بين أنصار الملا محمد رسول وبين أنصار طالبان التي يتزعمها أختر منصور، ما أدى إلى مقتل المئات في أقاليم عدة في جنوب البلاد. كما يستعد الطرفان لمعارك الربيع.

لم تقف سلسلة الانشقاقات عند هذا الحد بل إنها لا تزال متواصلة، إذ أعلن عدد من القادة الانشقاق عن الحركة والحرب عليها خلال الأسابيع والأشهر الماضية، فضلاً عن الحركة التي أنشأها الملا محمد رسول باسم شورى الإمارة الإسلامية. ومن الذين انشقوا أخيراً الملا عبيد الله هنر، صاحب النفوذ في بعض الأقاليم الجنوبية. وقد أدت المعارك بين أنصاره ومقاتلي طالبان إلى مقتل 100 مسلح في كل من إقليم بكتيكا وغزنة. وأعلنت طالبان أخيراً قتله في "عملية نوعية" لمسلحيها، إلا أنه خرج إلى العلن مرة أخرى عبر نشر تسجيل مصور، معلناً مواصلة الحرب ضد طالبان.

كذلك أعلن الملا عبد السلام، وهو قيادي في شمال البلاد، الحرب على الحركة، متهماً إياها بـ"العمالة للاستخبارات الأجنبية". من جهته، يعد الملا عبد الغفار آخر المنشقين، حيث أعلن وجوده أخيراً في إقليم بادغيس، غرب البلاد، مؤكداً انشقاقه عن الحركة التي وصفها بـ"جماعة الملا أختر منصور"، وأنه سيقاتل ضده تأييداً لجماعة الملا رسول. وتشير مختلف هذه المعطيات، بما في ذلك توالي الانشقاقات، إلى أن حركة طالبان ستنشغل إلى حد كبير خلال فصل الربيع في المعارك الداخلية.


من جهتها، تستغل الحكومة الفرصة، ليس فقط في دعم المنشقين عن الحركة، كما تدعي طالبان، بل إنها تشنّ عمليات مسلحة على الحركة أثناء معاركها الداخلية، على غرار ما حصل في مديرية شيندند في إقليم هرات حيث نفذت القوات المسلحة هجوماً على طالبان وكبدتها خسائر كبيرة.

وإلى جانب المواجهات مع الحكومة من جهة والمنشقين عن طالبان من جهة ثانية، يبرز تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) كخصم أساسي للحركة. ويفضّل "داعش" مواجهة طالبان بدلاً من مواجهة الحكومة وحتى القوات الدولية. وقد بدأ أخيراً في تنفيذ عمليات انتحارية تستهدف قادة الحركة، على غرار ما حصل في شهر مارس/آذار الماضي في مديرية خوجياني في إقليم ننجرهار، حيث حاول انتحاري الهجوم على قيادي في طالبان إلا أن الأخير نجا.

خلافات رموز الحكومة

وبينما لم يعد خافياً أن جزءاً كبيراً من حرب طالبان خلال الربيع الحالي سيكون داخلياً، إلا أنه على الضفة الأخرى لم تنج الحكومة الأفغانية من الخلافات الداخلية، التي تصب في مصلحة طالبان. وتستفيد الأخيرة من الصراع الذي بدأ أخيراً بين نائب الرئيس الأفغاني الجنرال عبد الرشيد دوستم وبين نائب رئيس الجمعية الإسلامية، حاكم إقليم بلخ، عطاء نور في مناطق الشمال.

وعلى الرغم من أن الصراع هدأ في الظاهر بعد تدخل الرئيس الأفغاني أشرف غني، إلا أن كل طرف لا يزال يتربص بالآخر. وقد اتهم مسؤولون في حزب دوستم نور وأنصاره بأنهم يساعدون طالبان لأجل قمع وتقويض قوة دوستم. كما اعتبروا أن سقوط مدينة ميمنة، عاصمة إقليم فارياب، التي شهدت مواجهات بين أنصار نور ودوستم أخيراً كان وشيكاً بيد طالبان، لولا أن شنت قوات الأمن عمليات عسكرية للحفاظ عليها.
ويخشى أن تدخل الخلافات الداخلية، سواء في صفوف طالبان أو بين رموز الحكومة، أفغانستان في أتون حرب داخلية لا تحمد عقباها.

المساهمون