الانتخابات الرئاسية الإيرانية: صورة أولية لملامح المنافسة

11 يونيو 2024
قاليباف في طهران، 3 يونيو 2024 (مقداد مدادي/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الانتخابات الرئاسية الإيرانية تدخل مرحلة جديدة بإعلان مجلس صيانة الدستور قائمة المرشحين، معظمهم محافظون باستثناء مرشح إصلاحي واحد، مسعود بزشكيان، في أعقاب رحيل الرئيس إبراهيم رئيسي.
- قائمة المرشحين تعكس استراتيجية النظام الإيراني للحفاظ على التوازن السياسي، مع توقعات بمشاركة أكبر بفضل وجود مرشح إصلاحي يحظى بدعم واسع.
- التوقعات تشير إلى إمكانية حدوث جولة إعادة بين مسعود بزشكيان ومصطفى بور محمدي، مع تنافس ثلاثي الأقطاب يعد بزخم كبير في الانتخابات ورغبة الشعب في التغيير.

تدخل الانتخابات الرئاسية الإيرانية المزمع إجراؤها في 28 الشهر الحالي، مرحلة جديدة، إثر تسمية مجلس صيانة الدستور الإيراني، أمس الأول الأحد، المرشحين المسموح لهم بخوض السباق الرئاسي، وهم ستة في هذه الدورة، خمسة منهم محافظون هم محمد باقر قاليباف، وسعيد جليلي، ومصطفى بور محمدي، وعلي رضا زاكاني وأمير حسين قاضي زادة، والإصلاحي الوحيد مسعود بزشكيان.
ولعل المفاجأة الوحيدة التي حملتها قائمة المرشحين في هذه الدورة من الانتخابات الرئاسية الإيرانية تتمثل في منح الثقة للبرلماني الإصلاحي البارز مسعود بزشكيان، أحد المرشحين المعتمدين الثلاثة للتيار الإصلاحي، ما يعني تحقق شرط هذا التيار بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة التي تشهدها البلاد إثر الرحيل المفاجئ لرئيسها إبراهيم رئيسي بتحطم مروحيته في 19 مايو/أيار الماضي.

صلاح الدين خديو: ما تفضّله النواة الصلبة للسلطة في إيران هو انتخابات بأقل مغامرة تسمح بفوز قاليباف

ومن المفارقات أيضاً أن مجلس صيانة الدستور صادق هذه المرة على أهلية بزشكيان، بينما رفضه في الدورة الرئاسية السابقة التي منح فيها الثقة لمحافظ البنك المركزي الإيراني عبدالناصر همتي المرفوض في هذه الدورة. كما لم يشكل إقصاء الرئيس السابق للبرلمان الإيراني علي لاريجاني مفاجأة كبيرة، رغم توقعات بالموافقة على ترشحه خلافاً للدورة السابقة التي أثار فيها رفض ترشحه جدلاً وعلامات استفهام.

وإذا تم استثناء ترشح القيادي الإصلاحي إسحاق جهانغيري إلى الانتخابات الرئاسية الإيرانية في العام 2017 مرشحَ ظل للرئيس السابق حسن روحاني بغية تجديد دورته الرئاسية، والذي انسحب قبيل الانتخابات لصالح روحاني، فإن هذه هي المرة الأولى التي يكون للإصلاحيين مرشح خاص بهم لخوض السباق الرئاسي منذ الانتخابات الرئاسية الإيرانية المثيرة للجدل في 2009، والتي أعلن فيها عن فوز الرئيس الأسبق المحافظ محمود أحمدي نجاد. وكان التيار الإصلاحي والزعيمان الإصلاحيان مير حسين موسوي ومهدي كروبي رفضوا وقتها القبول بالنتائج مع اتهامات بتزويرها، ثم شهدت البلاد احتجاجات واسعة من الإصلاحيين استمرت لأشهر، أدت إلى اعتقالات واسعة لقيادات ونشطاء إصلاحيين وفرض الإقامة الجبرية على موسوي وكروبي المستمرة إلى اليوم وإن بقيود أخف وإقصائهم بالتدرج عن السلطة.

قائمة قديمة بفارق وحيد

يرى الخبير الإيراني الإصلاحي صلاح الدين خديو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن قائمة المرشحين إلى الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي اعتمدها مجلس صيانة الدستور لا تختلف كثيراً، كماً وكيفاً، عن قائمة العام 2021، من بينها وجوه انتخابية مكررة. والفارق هذه المرة هو استبدال عبدالناصر همتي بمسعود بزشكيان المدعوم رسمياً من الإصلاحيين، عكس همتي الذي لم يكن كذلك وقتها. ويقول خديو إن ما تفضّله النواة الصلبة للسلطة في إيران، هو انتخابات بأقل مغامرة تسمح بفوز المرشح المفضّل، الذي هو محمد باقر قاليباف في هذه الدورة، إذ إن فوزه لن يؤدي إلى تغييرات كثيرة على مستوى المناصب الحكومية والوزارات والمحافظات والقائم مقاميات في المدن، كما ينظر إليه على أنه الأنسب لمواصلة نهج رئيسي، كما أن قاليباف نفسه أيضاً قال إنه سيواصل نهج رئيسي.

ويشير إلى أن لائحة المرشحين تشي بأن النتيجة المفضلة لدى نواة السلطة الصلبة المراد الوصول إليها في الانتخابات الرئاسية الإيرانية هي أن تؤدي إلى تشكيل حكومة ثانية لرئيسي وليس حكومة ثالثة لحسن روحاني، بمعنى أن تفضي نتيجة الانتخابات لتشكيل حكومة تكون بمثابة الحكومة الثانية لرئيسي، وليس أن يعود الوضع إلى ما كان عليه قبلها، لتصبح الحكومة المقبلة بمثابة حكومة ثالثة لروحاني.

ويتوقع الخبير الإيراني تحقيق نسبة مشاركة أكثر في هذه الدورة بالمقارنة مع الدورة السابقة التي بلغت 48.8%، وذلك في ظل وجود مرشح إصلاحي تتبناه جبهة الإصلاحيين بصفته مرشحها الخاص، فضلاً عن القاعدة التصويتية التي يتمتع بها بزشكيان بين الأتراك والأكراد معاً، لكونه تركيا ولد في مدينة مهاباد الكردية وكبر فيها. ووفق خديو يوجد "مرشحو ظل" في الانتخابات الرئاسية الإيرانية لافتاً إلى أنهم ترشحوا دعماً للمرشح المحافظ الرئيس ثم الانسحاب لصالحه من السباق قبيل إجراء الانتخابات، مشيراً إلى المرشحين المحافظين علي رضا زاكاني وأمير حسين قاضي زادة هاشمي اللذين كانا قد انسحبا أيضاً في انتخابات 2021 لصالح رئيسي. ويضيف أنه ليس واضحاً في هذه الدورة بعد ما إذا كانا سينسحبان لصالح قاليباف، أو سعيد جليلي "الذي له قاعدة تصويتية محدودة"، أو بور محمدي.

وبحسب خديو، فإن فرص المرشح المحافظ مصطفى بور محمدي لتحشيد أصوات القاعدة التقليدية للمحافظين لصالحه أكبر من جليلي. ويلفت إلى أن "المشكلة التي سيواجهها قاليباف هي وجود نظرة سلبية تجاهه في الرأي العام"، مع الحديث عن أن قاليباف سبق أن جرب حظه أربع مرات في الانتخابات الرئاسية، "فحاول في ترشحه الأول في 2005 الظهور بمظهر شخصية بيروقراطية منضبطة خارج الأطر الأيديولوجية، أملاً في الحصول على دعم الأصوات الرمادية، وجزء من قاعدة الإصلاحيين المجتمعية، لكن ذلك أبعد نواة السلطة عنه لصالح أحمدي نجاد".

ويرجح خديو أن يكون خطاب قاليباف هذه المرة متسقاً مع حكومة رئيسي للتعويض عن "الإخفاقات السابقة وعدم إثارة غضب النواة الصلبة للسلطة"، من دون أن يستبعد في هذا السياق وجود مساومات مع أطراف في الحكومة الحالية لتشكيل حكومة جديدة معها في حال فوزه استمراراً لحكومة الرئيس الراحل.

قطبية ثلاثية

من جهته، يرى الناشط المحافظ المعتدل هاتف صالحي أن التنافس في الانتخابات سيكون ثلاثي الأقطاب، بين المحافظين المتشددين يمثلهم سعيد جليلي، والمحافظين المعتدلين يمثلهم محمد باقر قاليباف، والإصلاحيين يمثلهم مسعود بزشكيان، متوقعاً "زخماً كبيراً في الانتخابات الرئاسية الإيرانية في ظل وجود ممثلين عن جميع التيارات السياسية، وربما تصل فيها نسبة المشاركة إلى 60%".

يرى هاتف صالحي أن التنافس في الانتخابات سيكون ثلاثي الأقطاب

ويرى صالحي، في حديثه مع "العربي الجديد"، صعوبة في توقع نتائج الانتخابات المقبلة من الآن. ويرجح أن يكون التنافس النهائي، أو ما اعتبره "ثنائي القطب"، بين قاليباف وبزشكيان، قائلاً إنه من الصعب القول من الآن إن قاليباف هو المرشح الأوفر حظاً، مع الحديث عن أن حظوظ بزشكيان ستزداد إذا وصلت نسبة المشاركة إلى 60%، وتمكن هو من إقناع من ابتعد عن صناديق الاقتراع في السنوات الأخيرة وأصحاب الأصوات الرمادية والإصلاحيين بالمشاركة في التصويت.

ولا يستبعد الخبير الإيراني المحافظ، وقوع مفاجآت من العيار الثقيل بتكرار تجربتي الانتخابات الرئاسية لعامي 1977 و2013، حيث كان يُتوقع في الأولى فوز المرشح المحافظ أكبر ناطق نوري الذي كان يقال حينها إنه مرشح النظام، لكن فاز فيها الرئيس محمد خاتمي، كما فاز روحاني في انتخابات 2013 عكس التوقعات بفوز قاليباف حينها، و"بالتالي أستطيع القول إنني أشم رائحة تكرار التجربتين". ويضيف صالحي أن الخطاب الأكثر إقبالاً اليوم في الشارع الإيراني هو "خطاب التغيير". وقال إن تركيبة المرشحين "تدل على احترام مجلس صيانة الدستور لهذا الخطاب"، مؤكداً أن مفتاح حل مشاكل البلاد يكمن في "انتخابات تنافسية مكثفة يفوز فيها رئيس الجمهورية بالعدد الأكبر من الأصوات، وهو ما يمنحه قوة أكثر في التعامل مع الغرب والعالم".

جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية

من جهته، يستبعد الخبير الإيراني، أحمد زيد أبادي، في حديثه مع "العربي الجديد"، حسم نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 28 الشهر الحالي، متوقعاً جولة إعادة لها. ويوضح أن أحد المرشحين المنافسين الاثنين في جولة الإعادة سيكون مسعود بزشكيان، "لكن منافسه (المحافظ) ليس واضحاً بعد"، معتبراً أنه بعد إقصاء علي لاريجاني "فإن الشخص الذي يمكنه أن يمارس دور لاريجاني، ربما بشكل أقوى وأكثر تأثيراً منه، هو مصطفى بور محمدي". ويتوقع الخبير الإيراني أن يكون بور محمدي هو المرشح المحافظ الذي سينافس بزشكيان في الجولة الثانية.

المساهمون