انتخابات الرئاسة الإيرانية... تفكير غير عميق بقضايا النساء

28 يونيو 2024
زاد دور الإيرانيات في المشهد الداخلي خلال السنوات الأخيرة (مرتضى نيكوبازل/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، تم التركيز على السياسة الخارجية على حساب قضايا داخلية مثل الحجاب، مع فشل المرشحين في جذب النساء الرافضات للحجاب للمشاركة في الاقتراع.
- احتجاجات وفاة مهسا أميني أبرزت قضية الحجاب ودفعت الحكومة والبرلمان للنظر في قوانين جديدة لمعالجة القضية، مما يشير إلى تحول في التعامل مع قضايا المرأة.
- عدم تأهيل أي امرأة من بين المرشحين للانتخابات الرئاسية يعكس استمرارية تحديات مشاركة المرأة في السياسة، رغم تناول المرشحين لقضايا المرأة في حملاتهم الانتخابية.

تحظى السياسة الخارجية بأولوية في انتخابات الرئاسة الإيرانية، في حين تتراجع أهمية القضايا الداخلية ومنها مسألة الحجاب التي تعني المرأة. وعد مرشحون بمعالجة المسألة، لكن يبدو أنهم لم يُقنعوا من يرفضن الحجاب بالمشاركة في الاقتراع.

حاول مرشحو الانتخابات الرئاسية الإيرانية خلال حملاتهم دغدغة مشاعر النساء وقضاياهن من أجل كسب أصواتهن التي تشكل تقريباً نصف عدد السكان البالغ 85 مليوناً، لكن لا يبدو أنهم نجحوا في استمالة أصوات هذه الشريحة التي زاد دورها في المشهد الداخلي خلال السنوات الأخيرة، وهذا ما عكسته الاحتجاجات التي اندلعت نهاية عام 2022 بسبب موضوع الحجاب إثر وفاة الشابة مهسا أميني بعد أيام من احتجازها من جانب شرطة الآداب.
وشكلت هذه الاحتجاجات نقطة تحوّل في حياة الإيرانيات، وجعلت مطالبهن وقضاياهن في الصدارة. وبات الحجاب أهم قضية ساخنة دفعت الحكومة والبرلمان إلى بذل جهود لإنهائها عبر بحث سن قوانين جديدة.
وفيما تشكل النساء نحو نصف عدد سكان إيران، يتناصف عدد الناخبين من الجنسين تقريباً. ومن بين أكثر من 61 مليون ناخب تمت دعوتهم للمشاركة في الانتخابات الحالية، يبلغ عدد الناخبات نحو نصفهم.
في السباق الانتخابي الحالي، قدّم 87 إيرانياً أوراق ترشحهم، من بينهم خمس نساء، لكنّ مجلس صيانة الدستور صادق فقط على أهليّة ستة مرشحين ليس من بينهم أي امرأة، كما جرت العادة في 14 استحقاق رئاسي منذ عام 1979، علماً أن لا نص قانونياً صريحاً يمنع الإيرانيات من الترشّح للانتخابات الرئاسية. 
واللافت أن المادة 115 في الدستور الإيراني الخاصة بمواصفات رئيس الجمهورية توحي بضرورة أن يكون الرئيس "رجلاً سياسياً ومذهبياً"، لكن البعض يقولون إن "المقصود من الرجل في هذه المادة هو أن يكون المرشح شخصية سياسية وليس من جنس محدد". 
وكان مجلس صيانة الدستور أعلن سابقاً أنه لا يمانع أن تقدم نساء طلبات ترشيح للانتخابات الرئاسية لدى وزارة الداخلية تمهيداً لدرسها إلى جانب ترشيحات الرجال، لكن عدم المصادقة على أهلية النساء للترشح استمرت.

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

تقول الباحثة في علم الاجتماع شيما فرزادمنش لـ"العربي الجديد": "قضايا المرأة الإيرانية متعددة وذات طبقات مختلفة، ومن أجل إلمام المرشحين بها، وعرض حلول مؤثرة ومقنعة في شأنها، يجب استخدام الطاقات المتوفرة لدى الباحثات والخبيرات والناشطات اللواتي يشكلن اليوم جزءاً كبيراً من المجتمع النسائي في إيران".
وتقسم فرزادمنش قضايا المرأة الإيرانية إلى قسمين "تشمل الأولى المشكلات الاجتماعية الحالية، ومن بينها أوضاع ربات البيوت المعيلات والبطالة، وعدم توفر إمكانات كافية للأمهات العاملات، والثانية قضايا التحوّلات الثقافية وتلك المتعلقة بالسن مثل الشيخوخة، والحياة الرقمية للشابات، والرغبة في الهجرة. وهذه القضايا لم تتحوّل بعد إلى هموم الشارع اليوم، لكن بحوث وبيانات تشير إلى أنها ستفرض نفسها قريباً باعتبارها ملحة. وإذا أبدى أي مرشح اهتمامه بها سيشكل ذلك مؤشراً إلى "عمق تفكيره وبرامجه".
فعلياً دخلت المرأة وقضاياها صلب الحملات الأخيرة للمرشحين الستة للرئاسة. وتناولها أربعة منهم تحديداً من منطلقات معروفة لدى التيار المحافظ الذي لطالما أكد ضرورة الالتزام بالحجاب. وهم اتفقوا على ضرورة احترام المرأة وإنهاء العنف والتمييز الذي تتعرض له. 
وفي المناظرة الثالثة بين المرشحين الستة التي أجراها التلفزيون الرسمي في 21 يونيو/ حزيران الجاري، دافع المرشح المحافظ رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف عن مشروع قانون "الحجاب والعفاف" الجديد الذي يبحثه البرلمان، وقال إن "اللباس السيئ وعدم ارتداء الحجاب آفة للأسرة والمجتمع يجب ألا نسمح بها". ودعا إلى اتباع أسلوب صحيح لمعالجة الأمر.

مرشحو الانتخابات الإيرانية غير مقنعين للنساء (راغب هوماواندي/ فرانس برس)
مرشحو الانتخابات الإيرانية غير مقنعين للنساء (راغب هوماواندي/ فرانس برس)

أما المرشح المحافظ أمير حسين قاضي زادة هاشمي فقال: "هموم النساء ليست الحجاب بل التمييز الذي يجب إنهاؤه".
ومن بين المرشحين الستة، وجه المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، أكثر من غيره، انتقادات لطريقة التعامل مع قضايا المرأة الإيرانية، في حين وعد المرشح المحافظ المعتدل مصطفى بور محمدي بسحب لائحة "الحجاب والعفاف" من البرلمان الإيراني إذا فاز بالانتخابات، واعتبر خلع إيرانيات حجابهن في المجتمع سلوكاً احتجاجياً. 
وأعلن المرشح الإصلاحي بزشكيان رفضه لمعاملة النساء بعنف من أجل إجبارهن على الالتزام بارتداء الحجاب، وقال: "يجب عدم التعامل مع مسألة الحجاب بالعنف والقوة والإجبار، إذ لا يمكن لنا أن نجبر النساء على ارتداء ما نرغب به. ولا يمكن في أي حال أن نغيّر سلوك الناس من خلال القانون"، منتقداً عمل البرلمان لسن قانون "الحجاب والعفاف".
وتقول فرزادمنش: "ما طرحه المرشحون في شأن النساء لم يخلق حوافز لمشاركة مترددات في الانتخابات، كما لم يغيّر موقف اللواتي قررن التصويت لمرشح محدد".
بدورها، تقول الناشطة شيما قوشة لـ"العربي الجديد": "لا تشكل قضايا النساء غالبا أولوية للمحافظين، أما الإصلاحيون فيعلنون في الظاهر على الأقل أنها تشكل أولوية وهمّا لهم. وفي كل الأحوال لم يتحمّل أي من الطرفين مسؤولية تسيير دوريات الآداب في الشوارع للتصدي لمظاهر عدم التقيّد بالحجاب، علماً إن إنشاء هذه الدوريات يعود في الأساس إلى تفكير اليمين المتطرف".

تضيف: "وعود المرشح مصطفى بور محمدي بسحب لائحة الحجاب الحكومية من البرلمان لا تحلّ المشكلة، لأن البرلمان يستطيع إقرار قانون يعده للحجاب والعفاف، أما القرار النهائي لتمريره فيعود إلى مجلس صيانة الدستور. وتلفت إلى أن الرئيس لا يملك صلاحية منع إقرار هذه القوانين وتنفيذها، لأنه يعتبر منفذاً للقوانين وفق الدستور، ولا يمكنه الوقوف في وجهها".
وتنتقد قوشة المفردات التي يستخدمها الإصلاحيون الذين يتناولون أكثر من غيرهم قضايا المرأة، بشأنها، "فهم لم يتحرروا بدورهم من قوالب تقليدية تعتبر الرجال قيّمين على النساء". وتشير إلى مدونات نشرها المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان عن سوء تربية النساء، وتقول: "كأنه يؤمن بأن المرأة كائن يجب تربيته، وأنها تفتقر إلى القدرات الذاتية للقيام بنفسها بهذا الأمر".
وتعبّر الناشطة قوشة عن إحباطها من أن تؤدي نتائج الانتخابات إلى "تغيير إيجابي" في السياسة الداخلية الخاصة بالمرأة وحقوقها، سواء فاز المحافظون أو الإصلاحيون، وتقول: "تواصل الإيرانيات في ظل هذا الواقع مقاومتهن المدنية لتحقيق مطالبهن".

المساهمون