1982، هل تذكُرون؟
ننسى كثيرا، نحن اللبنانيين، وتختلط علينا التواريخ "الحاسمة" لكثرتها، فحربنا الأهلية كانت محلية ودولية، وسلامنا المزعوم اتضّح منقوصا، ومعاركنا المتجدّدة جاءت متحوّلة ومتبدّلة كما الحرباء حيث يصير الأعداء حلفاء، والحلفاء خصوما. قلّة من تلك التواريخ العديدة السوداء تحفظها الذاكرة علامات اهتداء إلى ذلك الخراب الذي لا يني يهدهد حيواتنا. لكن 6 حزيران/ يونيو 1982، يحتل المراتب الأولى ولا بدّ، والساعة العاشرة و35 دقيقة تحديدا، عندما ظهرت 13 دبابة "سنتريون" إسرائيلية عند جسر الحمراء، تبعها عبور 60 ألف جندي إسرائيلي الحدود.
واليوم، مع حلول الذكرى الأربعين لاجتياح إسرائيل جنوب لبنان، وصولا إلى العاصمة بيروت، يعود الفيلم اللبناني الذي يحمل التاريخ هذا عنوانا له، "1982"، إلى الحياة بعد أن كان قد أُنجز في العام 2019، من دون أن ينال فرصته الحقيقية في التوزيع والانتشار بسبب جائحة كوفيد التي جمّدت مجمل الأنشطة الثقافية والفنية في العالم. فها هو قد باشر عروضه وجولاته العالمية في الولايات المتحدة وتايوان والبرازيل وفرنسا، إلى جانب عرضه في عديد من المهرجانات العربية والعالمية، حيث حاز جوائز عدة كان جديدها أخيرا جائزة أفضل فيلم آسيوي في مهرجان تورنتو.
"1982" هو العمل الأول لمخرجه اللبناني وليد مونّس الذي اختار أن يروي الأثر الذي خلفه القصف الإسرائيلي على المدنيين، مثلما صرّح في أكثر من موضع، مضيفا أن اختياره هذا الموضوع نابعٌ بالذات من تأثره الشخصيّ بالاعتداء الغاشم، إذ كان في العاشرة من عمره وهو يتذكّر جيدا كيف التهبت السماء قصفا وكانت فترة تقديم امتحانات نهاية العام، واليوم الأخير قبل هجرته من لبنان مع أهله.
تتلخّص قصة الفيلم في يوم مدرسي طويل يبتدئ عاديا مع سلسلة امتحانات نهاية العام يخضع لها التلامذة، حيث يسعى الصبي حسام (10 سنوات)، جاهدا لمصارحة زميلته جوانّا بحبّه، بأن يضع في خزانتها ورقة عليها رسم البطل الجبّار الذي يحبّه مرفقا بقبلة، إنما من دون توقيعه. لكن، وفيما هو يتحيّن الفرص لرصد رد فعلها ولإخبارها بأنه صاحب الرسالة، تبدأ بيروت تتعرّض لقصف جوّي إسرائيلي، وهو ما سيوتّر الأجواء، ويسرّع الإيقاع البطيء، قليلا، مع انشغال الإدارة والأساتذة بالتواصل مع الأهالي لتصريف الأولاد وتأمين عودتهم إلى منازلهم آمنين. والمدرسة التي اختارها مونّس هي مدرسته الأصلية في برمانا (جبال بيروت القريبة)، من حيث تسهل مراقبة ما يجري "تحت"، أي في البحر والعاصمة، أو الانشغال بما يجري عبر الاستماع إلى الراديو. إلى جانب الطفلين ورفاقهما، هناك المعلمة ياسمين (نادين لبكي) المنشغلة بصحة والدها في بيروت، وارتباكها من تصريح أخيها جورج، وهو يوصلها إلى المدرسة، بأن الحزب (القوات اللبنانية) قد استدعاه للالتحاق بقواته المتوجّهة إلى الجنوب، وأيضا الأستاذ جوزف (رودريغ سليمان)، الوطني اليساري المعادي لجورج وحزبه، والذي تربطه بياسمين علاقة عاطفية.
والحال أن جودة الأداء لدى الكبار (نادين لبكي وعلياء خالدي تحديدا)، كما لدى الصغار، تُنسي المُشاهدَ هنات الفيلم وضعف المعالجة الدرامية والإخراجية، وتُبرز بعض حسناته، وفي مقدمتها بساطة القصة وتقديم الإنساني فيها على السياسي، والتركيز على أشجان الصغار الذين لا يعبأون كثيرا بما يجري من حولهم، وإن أحسّوه وانعكس عليهم قلقا وتوتّرا. ولسنا ندري إن كان "هدوء" الأهالي ودعة أجواء المدرسة وقلّة تلاميذها وجهازها التعليمي، مضافا إليه تغييب الظرف الخارجي العام، مثل استعار حرب أهلية مستمرة منذ أعوام (1975 - 1990) تدلنا إليه إشارات ضعيفة، مثل صليب القوات المعلق في سيارة جورج، أو عبارة غربية وشرقية، أو سؤال الصبي أمه: "ليش عنا ما في شي، .. إلخ"، عائدة إلى فقر في الإنتاج، أم إلى ضعف في الكتابة وتصوير الواقع وعدم قدرة على التحكّم بالتصعيد الدرامي وشحن الأجواء..