عن زيارة حسين الشيخ واشنطن

18 أكتوبر 2022

حسين الشيخ مع مساعد نائب مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (حساب حسين الشيخ في تويتر)

+ الخط -

زار أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، مسؤول الشؤون المدنية والتنسيق مع إسرائيل في السلطة الفلسطينية، حسين الشيخ، واشنطن، أخيراً. وحسب بيان صادر عنه، التقى مسؤولين أميركيين عدة، وأجرى لقاءات سياسية واقتصادية وأمنية مع موظفين كبار في البيت الأبيض ووزارة الخارجية، إضافة إلى محطّة لافتة في الوكالة الأميركية للتنمية، حيث التقى المعنيين بشؤون فلسطين والمنطقة فيها.
قدّم البيان الرسمي الذي أصدره الشيخ، الأربعاء 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، صورة عامة عن الزيارة وحيثياتها، محاولاً إبراز الطابع السياسي الجوهري لها، إلا أن ذلك صحيحٌ بالمعنى العام فقط، كون الزيارة سياسية بالتأكيد، غير أن الحوارات والنقاشات تركّزت أساساً على ملفات اقتصادية وأمنية، في ظل صعوبة واستحالة تنفيذ الأجندة السياسية التي تحدّث عنها الشيخ في بيانه، فيما يبدو كحالة إنكار وانفصام عن الواقع وهروب من مصارحة الجمهور بالحقيقة ومغزى الزيارة الفعلي ومضمونها.
بداية، جاء الإعلان الأول عن الزيارة، وكما العادة، من الصحافة الإسرائيلية (هآرتس، الخميس 29 سبتمبر/ أيلول 2022)، من دون أي إشارة أو حتى تسريب فلسطيني عنها. وكان لافتاً كذلك حديث الصحيفة العبرية أنه جرى التوافق عليها والإعداد لها منذ زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، فلسطين المحتلة منتصف يوليو/ تموز الماضي، حيث التقى الشيخ برفقة رئيس السلطة، محمود عباس، في لقاء بدا بروتوكوليا بحتا في بيت لحم التي مرّ بها بايدن مرور الكرام، كون محطته، وللدقة محطتيه المركزيتين، كانتا في تل أبيب وجدّة، حيث التقى زعماء الدول الخليجية ومصر والأردن والعراق، ضمن سعي عام إلى التهدئة في المنطقة.

تركّزت نقاشات الشيخ وحواراته مع المسؤولين الأميركيين على الملفات الاقتصادية والأمنية

أشار الشيخ، في بيانه، إلى طرح أجندة سياسية مكثفة خلال الزيارة، تضمّنت إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، واستئناف العملية السياسية والمفاوضات مع إسرائيل وفق حلّ الدولتين، والضغط الأميركي المطلوب على الاحتلال لوقف سياساته الأحادية وممارساته وعملياته وتوغلاته في القدس وجنين ونابلس والضفة الغربية بشكل عام.
كان هذا بشكل عام ودعائياً وإعلامياً فقط، وكما قالت الصحافة الإسرائيلية والأميركية، وتحديداً موقع نيوز وان "السبت 8 أكتوبر/ تشرين الأول"، وهو ما يتماهى مع الوقائع والشواهد الملموسة على الأرض أيضاً، حيث تسعى الإدارة الأميركية لصيانة الواقع الراهن والحفاظ عليه، كونها لا تملك أجندة سياسية واضحة تجاه القضية الفلسطينية، ولا تنوي كذلك الانخراط الجدّي فيها. وبالتأكيد لا تبدو في وارد فعل ذلك تحديداً على أعتاب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، المتزامنة أيضاً مع الانتخابات الإسرائيلية العامة في الأسبوع الأول من الشهر المقبل (نوفمبر/ تشرين الثاني).
وعليه، تركّزت نقاشات الشيخ وحواراته مع المسؤولين الأميركيين على الملفات الاقتصادية والأمنية، وتحديداً بشأن كيفية تهدئة التوتّر الحالي، ومضاعفة السلطة جهودها لمحاصرته وتحجيمه، ومنع تحوله إلى تصعيد أو انفجار كبير، ما يقتضي، من وجهة النظر الأميركية، مواصلة التنسيق الأمني مع إسرائيل، بموازاة التفكير في كيفية دعم السلطة اقتصادياً وتقويتها أمنياً. لمنع انهيارها أو تجاوز الأحداث الميدانية لها، كما نرى في جنين ونابلس، ما قد يؤدّي إلى مزيد من التدهور وانفجار الأوضاع برمتها في الأراضي الفلسطينية. 

بمجرّد استقبال الشيخ في واشنطن، الآن تحديداً، بدت الأخيرة داعمة للشيخ، أو على الأقل منفتحة تجاه فكرة خلافته الرئيس عباس

إلى ذلك، ثمّة بعد شخصي في زيارة حسين الشيخ إلى واشنطن في هذا الوقت. وواضح أننا أمام تعبير عن دعم أميركي له في سباق المنافسة على خلافة الرئيس محمود عبّاس. وفي المقابل، أرادت الإدارة الحصول على ثمن عبر التأكّد من تماهيه مع السياسات الأميركية في فلسطين والمنطقة، علماً أن الشيخ منفتح أصلاً، وهو يعتقد أن السلطة الفلسطينية بحد ذاتها إنجاز وطني.  وبالتالي، يجب الحفاظ عليها، حتى في غياب الأفق السياسي، بمعنى أن وجودها نفسه يُبقي الباب موارباً أمام اتفاقٍ كهذا، أو أمل يبدو مستحيلاً، وأقرب إلى السراب، في ضوء الواقع الراهن، كما التطورات والتحولات في إسرائيل وحتى العالم، مع تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، والتوافق الإقليمي والدولي فقط على صيانة هذا الواقع، ومنع انفجاره أو تدهوره، بما ينعكس سلباً على الاستقرار الهشّ أصلاً في فلسطين والمنطقة.
وفي العموم، وبمجرّد استقبالها له في واشنطن، الآن تحديداً، بدت الأخيرة داعمة للشيخ، أو على الأقل منفتحة تجاه فكرة خلافته الرئيس عبّاس. وإذا كانت الطريق إلى واشنطن تمرّ بتل أبيب، فهذه عبّرت وتعبر دوماً عن رضاها عنه، وفي الحد الأدنى عدم ممانعتها تولّيه القيادة الفلسطينية بعد الرئيس عباس.
واضح كذلك أنّ مضمون الزيارة يدفع بهذا الاتجاه، أي دعم حسين الشيخ وتوقيته سياسياً مع مروحة لقاءاته الواسعة في وزارة الخارجية، ورغم قيام الوزير أنتوني بلينكن بجولة خارجية في أميركا اللاتينية، فإن الشيخ التقى أهم نواب الوزير ومساعديه المعنيين بالشؤون الفلسطينية والإقليمية، والأهم ربما كان لقاؤه مستشار الأمن القومي، جاك سوليفان، في البيت الأبيض، إضافة إلى لقاء مثير جداً للاهتمام في الوكالة الأميركية للتنمية، حيث جرت مناقشة دعم واشنطن مشاريع تنموية في الأراضي الفلسطينية، ضمن رؤية عامة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيها، بما ينعكس إيجاباً على هيبة السلطة وصورتها أيضاً... وبدت لافتة كذلك مرافقة مجدي الخالدي، مستشار الرئيس عبّاس للشؤون الدبلوماسية، حسين الشيخ في زيارته، والمعنى هنا واضح جداً، لجهة دعم عبّاس الشيخ وتزكيته لخلافته، واعتباره بمثابة مبعوث شخصي له.

مع مشكلات الإدارة الأميركية المتفاقمة واستنزافها داخلياً وخارجياً، فهي ليست في وارد طرح أفق سياسي، كما تطالب السلطة الفلسطينية

وفيما يخصّ النتائج؛ لا يمكن الحديث عن نتائج سياسية ملموسة سوى دعم الشيخ في ملف الخلافة، كما السعي إلى تقوية السلطة بشكل عام، والعمل على التهدئة، أقلّه حتى الانتخابات المتزامنة في أميركا وإسرائيل مع تقديم واشنطن دعماً مالياً للسلطة، ولو عبر القطاع الخاص والمؤسسات المجتمعية، إضافة إلى تسهيلاتٍ إسرائيلية اقتصادية، وحتى أمنية (لم تغلق الضفة بمناسبة عيد العرش منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الجاري)، لتحسين موقعها وصورتها أمام الجمهور الفلسطيني. وفي السياق، لم يكن مفاجئاً إعلان السفير الأميركي في إسرائيل، توماس نايدز. وبالتزامن مع الزيارة عن فتح معبر الملك حسين مع الأردن على مدار اليوم، ابتداء من أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وهو ما كان مطلباً فلسطينياً دائماً لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفلسطينيين، باعتبار الأردن قناة تواصلهم المركزية مع العالم.
في العموم، ومع مشكلات الإدارة الأميركية المتفاقمة واستنزافها داخلياً وخارجياً، فهي ليست في وارد طرح أفق سياسي، كما تطالب السلطة الفلسطينية، وتحت ضغط الوقائع السياسية والميدانية التي تفرضها إسرائيل، ولا اعتراض جدّياً عليها. وأميركياً يتبقى فقط المساران الاقتصادي والأمني، بما يحفظ ماء وجه السلطة والوضع الراهن، وعدم انفجاره، كما إبقاء الأفق مفتوحاً أمام عملية السلام. وبعدما عشنا عقوداً مع العملية، ولو من دون السلام، كما قال مطلقها ومخترعها وزير الخارجية الأميركية السابق، هنري كيسنجر، بتنا الآن أمام كيفية إبقاء الأفق السياسي مفتوحاً أمامها حتى من دون العملية نفسها، ومن دون سلام بالطبع.