عن النفاق الأسترالي في تصنيف حماس إرهابية
قرّرت الحكومة الأسترالية الأسبوع الماضي، على نحو مفاجئ، تصنيف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إرهابية. بدا القرار مستهجناً ومستغرباً، لعدم انخراط أستراليا في القضية الفلسطينية بشكل خاص، وشؤون المنطقة وشجونها بشكل عام، ولتزامنه مع تقرير لمنظمة العفو الدولية، خلص إلى أنّ إسرائيل تتبع نظام فصل عنصري ضد الشعب الفلسطيني، ومع مقاطعة واسعة لمهرجان سيدني المسرحي، لتلقيه تمويلاً من السفارة الإسرائيلية في كانبيرا.
زعمت وزيرة الشؤون الداخلية الأسترالية، كارين أندروز، في تبريرها القرار أنّ "آراء حماس والجماعات المتطرّفة العنيفة التي أُدرِجَت مقلقة للغاية، ولا مكان في أستراليا لأيديولوجياتهم البغيضة. ولذلك، من المهم لنا ألا تستهدف قوانيننا الأعمال الإرهابية والإرهابيين فحسب، بل أيضاً المنظمات التي تخطّط هذه الأعمال وتموّلها وتنفذها".
إننا بصدد أسانيد واهية، فـ"حماس" ليست حركة إرهابية، لكونها تملك حقاً مشروعاً بالمقاومة. وأساساً، لا وجود رسمياً لها هناك، ولا تزاول في الخارج عملها المقاوم المشروع، سواء في أستراليا أو غيرها، كما قالت، في بيان رسمي منذ أيام، ردّاً على شائعات إسرائيلية ادّعت استعداد الحركة لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية في الفيليبين.. إذاً، بدا القرار مفاجئاً، إلّا أنّه، أيضاً، جاء ظالماً ومنافقاً ومنحازاً إلى جانب الجلّاد على حساب الضحية، وتعبيراً عن المزاج اليميني الحاكم في البلاد.
حركة حماس ليست حركة إرهابية، لكونها تملك حقاً مشروعاً بالمقاومة
إلى ذلك، وداخلياً أيضاً، بدا القرار كأنّه ردٌّ حكومي على التعاطف الشعبي مع "حماس" نفسها، حركة مقاومة مشروعة، كما مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة بشكل عام. وتبدّى هذا في التظاهرات والنشاطات والفعاليات المؤيدة للفلسطينيين في أثناء هبّة القدس ومعركة سيفها قبل أقل من عام، كما في مقاطعة فنانين وإعلاميين ومثقفين بارزين كثر مهرجان سيدني المسرحي في يناير/ كانون الثاني الماضي، في تعاطف واضح أيضاً احتجاجاً على تلقّي المهرجان تمويلاً من السفارة الإسرائيلية في العاصمة كانبيرا. وهنا بدت الحكومة الأسترالية كأنّها تتصرف بشكل فظّ وغير ديمقراطي، ولا تتماهى مع الرأي العام المحلي، وحتى العالمي الرافض الممارسات الإسرائيلية، ويقف مع عدالة القضية الفلسطينية.
في سياق سياسي وقانوني آخر، جاء القرار متناقضاً جداً مع تقرير منظمة العفو الدولية، الصادر أوائل فبراير/ شباط الجاري، وخلص، بناءً على حيثيات صلبة وراسخة واستنتاجات دقيقة وصحيحة، إلى أنّ إسرائيل تمارس نظام فصل عنصري في فلسطين، علماً أنّ التقرير طالب، في توصياته، بمحاسبة الدولة العبرية على ذلك، كما على جرائمها الموصوفة ذات الصلة بحق الشعب الفلسطيني استغلالاً لمبدأ الولاية القضائية العالمية وبتشديد الضغوط عليها عبر العزل والمقاطعة، بينما بدت الحكومة الأسترالية، بقرارها أخيراً، كأنّها تكافئ إسرائيل على جريمتها، بل جرائمها العنصرية.
بدت الحكومة الأسترالية كأنّها تتصرف بشكل فظّ وغير ديمقراطي، ولا تتماهى مع الرأي العام المحلي، وحتى العالمي الرافض الممارسات الإسرائيلية
لا يمكن استبعاد احتمال قيام إسرائيل بنشاط سياسي ودبلوماسي وإعلامي، والتعاون مع لوبيات محلية متطرّفة، للتأثير بتوجهات الحكومة الاسترالية، لتحقيق نجاح ما، سياسي ودبلوماسي ومعنوي، يقوّي موقفها داخلياً ويحفظ ماء وجهها خارجياً في ظل النقمة العالمية عليها، والغضب المستمر، خصوصاً شعبياً على سياساتها وممارساتها الإجرامية والعنصرية.
سياسياً، لكن في السياق الدولي، يعبّر القرار المستهجن عن انضمام أستراليا إلى أميركا وبريطانيا وكندا ونيوزيلندا، في ما يشبه الحلف الجديد، كما رأينا في أزمة الغواصات الفرنسية ومقاطعة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، وحتى في الأزمة الروسية والأوكرانية أخيراً.
دولياً أيضاً، واضح أنّ ثمة التحاقاً، وحتى تبعية أسترالية بالسياسة البريطانية تحديداً (لا تزال تابعة للتاج الملكي البريطاني). ومن هنا، لا يمكن فصل هذا القرار عن نظيره الذي اتخذته الحكومة البريطانية، في نوفمبر/ تشرين الثاني، ضد حركة "حماس" بتصنيفها إرهابية، واستند كذلك إلى أسس واهية، يمكن دحضها بأقل جهد سياسي وإعلامي وقضائي.
في السياق نفسه، لا يمكن فصل القرار الأسترالي عن صعود اليمين المتطرّف عالمياً وأجواء الكراهية والعنصرية التي يثيرها، وعلى الرغم من فقدانه السلطة في عدة دول غربية، وحتى بعد رحيل ملهمه الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عن البيت الأبيض. وواضحٌ أن ثمة تأثراً أسترالياً "رسمياً" بتلك الأجواء التي يثيرها اليمين المتطرّف، وتتماهى معها إسرائيل، وتسعى بانتهازية معتادة لاستغلالها لمصلحتها.
ثمة تأثر أسترالي "رسمي" بالأجواء التي يثيرها اليمين المتطرّف، وتتماهى معها إسرائيل، وتسعى بانتهازية معتادة لاستغلالها لمصلحتها
دولياً، وللمفارقة أو للدقة، الانفصام والازدواجية أيضاً، كانت الاتهامات تُوجَّه إلى "حماس" زوراً وبهتاناً، بعرقلة عملية التسوية والمفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، علماً أن العملية ميتة سريرياً الآن، وانتهت عملياً، بل وأُزيحت عن جدول أعمال المجتمع الدولي نفسه، والحكومة الإسرائيلية الحالية تعلن، صراحة وبوضوح، أن لا نية أساساً للعودة إليها، لا في المدى المنظور، ولا حتى البعيد، بل وصل الأمر بأحد "معتدليها" ومحاور الغرب الأساسي وزير الدفاع، الجنرال بيني غانتس، إلى حد إنكار حل الدولتين، والقول إن حكومته قد توافق مستقبلاً على كيان، لا دولة فلسطينية سيدة مستقلة بالمعنى الدقيق والكامل للمصطلحات، بمعنى أن الدولة العبرية تعلن تنكرها فعلاً لعملية التسوية، وهدفها المركزي "حلّ الدولتين" المدعوم دولياً.
أما في تأثيرات القرار الأسترالي وتداعياته، فقد صنّفت كانبيرا نفسها الجناح العسكري لحركة حماس، كتائب الشهيد عز الدين القسام، في المربع الإرهابي منذ عام 2003، تماشياً أيضاً مع الأجواء البريطانية والأميركية، وبدرجة أقل الأوروبية، ولم يؤثر ذلك بنشاطه وحضوره وتحوله إلى الجناح العسكري الفلسطيني الوحيد بالمعنى الدقيق للمصطلح، وبالتالي العصب أو العمود الفقري للمقاومة المسلحة المشروعة في فلسطين.
وفي البعد السياسي، صنّفت الحركة إرهابية أيضاً من كيانات ودول أوروبية منذ عقدين تقريباً، ولم يحل ذلك دون فوزها في الانتخابات التشريعية الماضية، عام 2006. وتفيد الاستطلاعات بالشيء نفسه عن أي انتخابات قادمة، ثم تحوّلها، مع الوقت، إلى لاعب مركزي، ورقم لا يمكن تجاوزه فلسطينياً ولا إقليمياً، ولا حتى دولياً، في أي مسعى عادل ونزيه لحل القضية الفلسطينية وفق الشرعية الدولية وقراراتها ومواثيقها التي تعطي الشعب الفسطيني، وبالتبعية حركة حماس، الحق بمقاومة الاحتلال بكل الوسائل والإمكانات المتاحة، بينما الاحتلال، بحد ذاته، غير شرعي، وممارساته بالتأكيد جرائم حرب أيضاً.