خطورة الفشل أردنيّاً
مرّة أخرى، يعود الأردنيون إلى مناقشة حيثيات تشكيل لجنة جديدة للإصلاح السياسي، أصدر الملك عبد الله الثاني أمراً بتشكيلها وضمت 92 شخصية، للعمل على تطوير التشريعات الناظمة للحياة السياسية في الأردن، ما يشمل تعديلاتٍ دستورية، وقوانين الانتخاب والأحزاب ودمج الشباب والمرأة في العمل السياسي والبرلماني والحزبي.
لا يُستغرب أن تقابَل اللجنة ببرود شعبي، فهي الكلاكيت الثالث للجانٍ شبيهة، بداية من لجنة الميثاق الوطني في بداية التسعينيات، مروراً بالأجندة الوطنية، ثم الحوار الوطني (في بدايات الربيع العربي)، والآن اللجنة الحالية، ما صعّد من شكوكٍ مشروعةٍ لدى الشارع في مدى إمكانية إحداث اختراق في الجدار الحديدي الذي طالما وقف أمام تنفيذ توصيات تلك اللجان ومقترحاتها.
ضمّت اللجنة الحالية شخصياتٍ تمثل القوى السياسية والمجتمعية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فيها تمثيلٌ معتبر للتيار المحافظ، وفي المقابل هنالك وجود ملحوظ لممثلين عن أحزاب سياسية، بمن فيهم جبهة العمل الإسلامي، الحزب الشيوعي، الأحزاب الوسطية، حزب حشد والحزب الديمقراطي الاجتماعي. وحظيت اللجنة بتمثيل جيد للمجتمع المدني والتيارات السياسية والفكرية المختلفة، وحضورٍ ملموسٍ لجيل الشباب، من خلال عشرة من الشباب الفاعلين في المجال العام، من محافظات مختلفة ومشارب فكرية وأيديولوجية متنوعة.
في المقابل، يجد رئيس اللجنة، سمير الرفاعي، المحسوب تقليدياً ضمن عائلةٍ محافظة، نفسه أمام تحدّ كبير في إثبات أنّه قادر على الخروج بمشروعاتٍ وتوصياتٍ مهمة ونوعية، وأنّه، على خلاف الصورة المنطبعة لدى قوى سياسية، أصبحت لديه قناعة بأهمية الإصلاح السياسي وضرورته، وربما يساعده على ذلك قربه من الملك، وإدراكه العميق لكيفية التعامل مع "حقل الألغام" الموجود.
ما الجديد؟ وهل يمكن أن ينجح عمل اللجنة؟ سؤال مهم، بل مصيري، لأنّ نتائج الفشل اليوم وخيمة، مع تدهور ملحوظ في الثقة بين مؤسسات الدولة والشارع، وانفجار الأزمات الداخلية وتزاوج المشكلات الاقتصادية والسياسية بصورة غير مسبوقة. هل فعلاً تغيرت قناعة "مراكز القرار"، وأصبحت متقبلة قفزة حقيقية في الإصلاح، وتولّدت لديها القناعة بأنّ الاستمرار بالأدوات التقليدية لم يعد ممكناً في مواجهة التغيرات الكبيرة في المجتمع؟ هذا السؤال هو الوحيد الذي سيحسم الإجابة عن حدود نجاح اللجنة المكلّفة وفشلها، لأنّ "لعبة الوقت" التي كان سياسيون كثيرون يعتقدون أنّها مفيدة في التحايل على دعوات الإصلاح انقلبت إلى الضد.
لم يُخفِ الملك في لقائه شخصيات سياسية، في الأسابيع الماضية، قناعته بضرورة الإصلاح السياسي، وبتجنّب ما حدث سابقاً. ولذلك، تحدث عن تغييرٍ في التعامل مع الملف، لتحديد السقف والهدف في البداية، ثم وضع خطة واقعية وعملية لتنفيذه، ضمن إطارٍ زمنيٍّ واضح، ما يقنع الشارع بأنّ هنالك بالفعل مراحل متتالية، وإرادة صارمة.
لا نريد هنا أن نستبق القول بالنجاح أو الفشل، لأنّ مبرّرات ومؤشرات كلّ منهما موجودة، لكن القول بعدم جدوى اللجنة أو الحوار مسألة تحتاج إلى تدقيق أكثر، فهنالك اليوم تياراتٌ عديدةٌ وتصوراتٌ متباينةٌ ومختلفة من القوى الموجودة لأولويات الإصلاح ولمشروع الإصلاح المطلوب، وثمّة مخاوف متبادلة بين أطرافٍ متعدّدة، منها ما هو محسوبٌ على "مراكز القرار" والتيار المحافظ، ومنها ما هو محسوبٌ على القوى الإصلاحية المختلفة، وفيما بينها، لذلك يُعَدّ بناء التفاهم والأرض المشتركة والحوار العقلاني بمثابة روافع للوصول إلى اتفاقاتٍ تبدّد تلك المخاوف والشكوك.
أيّ نتائج وتوصيات، بل قوانين وتشريعات، إن لم تقتنع بها مؤسسات الدولة التنفيذية، لن تلقى التنفيذ، أو سيجري التحايل عليها. لذلك، من الضروري ألا يقتصر عمل اللجنة على مشروعات القوانين، بل تقدّم تصوراً للسياسات المطلوبة المتعلقة بالحريات العامة والأحزاب ودمج الشباب والحريات الإعلامية وتجريم خطاب العنصرية والكراهية وتطوير دور المجتمع المدني شريكاً في إدارة المجال العام.
ثمّة اتجاه إصلاحي عريض في القوى السياسية والشباب والمجتمع المدني يقدّم خطاباً عقلانياً واقعياً ومعتدلاً، ينتظر أن يكون هنالك طرف في أوساط الدولة والتيار المحافظ للوصول معه إلى اتفاقٍ يمنح المسار الديمقراطي أفقاً كبيراً.