الصوت العربي في الانتخابات الفرنسية
كلما شهدت فرنسا استحقاقاً انتخابياً طرح سؤال الحضور العربي نفسه بقوة. ومبرّر ذلك أن هناك عدة ملايين من أبناء الهجرة المغاربية، ممن يتمتّعون بالمواطنة في هذا البلد منذ عدة أجيال، لكن قلة منهم تمارس حقها في الترشّح والتصويت. ويعود هذا الاستنكاف إلى التقصير في إدراك أهمية العملية الديمقراطية، ومدى تأثيرها على حياة أكثر من ستة ملايين، يتعرّض بعضهم إلى التمييز والعنصرية، بسبب اللون أو الأصل أو الديانة. ونتيجة الجهل بأهمية توجيه الصوت الانتخابي، جرى التصويت في دورات سابقة، في بعض الضواحي، ذات الأكثرية من المهاجرين، لنواب ورؤساء لم يخدموا قضايا الهجرة، أو لم يساهموا في تخفيف حدّة التمييز، بل كانوا أصحاب أجندات سياسية معادية، بما في ذلك مساندة إسرائيل.
الصوت العربي ضائع وغير موجّه، وموزّع بين المعسكرات المتنافسة، من اليسار واليمين، وحتى الأحزاب المتطرّفة التي تستثمره على نحو انتهازي، وترشّح على لوائحها شخصيات من أصول عربية، ترمي منها تحقيق غرضيْن: حصد أصوات من أوساط الجاليات العربية والإسلامية، وأن تبعد عن نفسها تهمة العنصرية. وفي الأحوال كافة، ليس المطلوب من الجاليات العربية والإسلامية أن تشكّل أحزاباً تخصّها بحيث تنفصل عن البلد، وتتعارض مع القانون، بما يتجاوز حقوق المواطنة وواجباتها، كما عليها ألا تنغلق على نفسها وتتعامل بسلبية، بل أن تنفتح على الحياة السياسية، وتشارك في الأحزاب الفرنسية، ومنظمّات المجتمع المدني، وتطرح قضاياها من داخلها، بما تحمله من خصوصية، لا تتعارض مع حقوق المواطنة، وعلى أساس رفض التمييز، الذي يحرّمه القانون، وتناهضه القوى السياسية، ما عدا التي تتبنّى إيديولوجيا معادية للأجانب، وتعمل على نشر ثقافة الكراهية والإسلاموفوبيا.
يعود سبب الإحجام عن ممارسة هذه الحقوق في السابق إلى ضعف التعليم في أوساط موجات الهجرة الأولى، ولكن الأمر اختلف في العقدين الأخيرين مع الأجيال الجديدة التي أصبحت حاضرة بصورة ملحوظة في الإدارة والاقتصاد والخدمات والرياضة والفن والكتابة، غير أنه لم يحصل تقدّم يتناسب مع ذلك على مستوى وعي المواطنة. وبما أن الديمقراطية الفرنسية تمثيليّة دستورياً، فإن في وسع الملايين التي تنحدر من أصول الهجرة أن تحظى بممثلين عنها في البرلمان وهيئات الدولة والوصول إلى الوظائف الحكومية العليا، شريطة المشاركة على أساس المواطنة، وليس الأصل أو الدين، فالدولة، حسب الدستور، لكل مواطنيها، وملزمة، حسب القوانين، بمعاملة مواطنيها سواسية، وهذا أمرٌ واقعٌ بقوة القانون، وليس شعاراً سياسياً يرفعه حزبٌ للوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها، كما هو الحال في الأنظمة الدكتاتورية.
الصوت العربي غير ممثل بما يناسب حجمه، والقضايا العربية حاضرةٌ بقوة، وخاصة الهجرة والاسلاموفوبيا والمسألة الفلسطينية، وباتت شؤون الهجرة ورُهاب الإسلام في صلب الوضع الفرنسي، كما أن حرب إسرائيل على غزّة فرضت نفسها على الأحداث، وتحوّلت إلى أحد عناوين حملات الانتخابات الأوروبية التي جرت يوم التاسع من يونيو/ حزيران الحالي، ويستمر الأمر بالزخم ذاته خلال حملة التشريعية الفرنسية الجارية، وهناك تنافسٌ حادٌّ بين قائمتي أحزاب "الجبهة الشعبية الجديدة" الأربعة التي طرحت خلال تقديم برنامجها الانتخابي "وقف المجازر في غزّة" واحداً من الأهداف التي تعمل عليها في حال فوزها برئاسة الحكومة، وبين معسكر اليمين المتطرّف، الذي يشهر هذه الورقة بوجه الأحزاب الأربعة، ويدعو الجمهور إلى عدم التصويت لها، بتهمة أنها لم تُدن حركة حماس وهجمات 7 اكتوبر. وبمعنى آخر، تحتل إسرائيل مكانة أساسية في الانتخابات. الأمر الذي يشكّل حافزاً مهمّاً لأوساط الهجرة في أن تتحرّك وفق ما تمليه المرحلة.