سورية... حرّية وخبز وأمن

21 ديسمبر 2024

سوريون في حماة يحتفلون بسقوط نظام الأسد (19/12/2024 الأناضول)

+ الخط -

حقٌّ لكل سوري أن يبدي رأيه بالتحول الجديد، الذي تلا سقوط حكم عائلة الأسد. ثار السوريون من أجل الحرية، كي يعبّروا ويتكلموا من دون خوف أو رقابة. وقياساً على الأثمان التي دفعوها، وبالنظر إلى الخصوصية السورية، لن يستطيع حاكم، من الآن وصاعدا، ومهما كان طابع الشرعية التي اكتسبها، قطع ألسنة الناس وتكميم الأفواه بالترهيب أو بالترغيب. لقد استعاد الشارع السوري حرّيته، وهذا ما عكسته ساحات الاحتفالات في عموم المحافظات السورية، من الشمال إلى الجنوب والوسط والساحل، وما حفلت به وسائل التواصل الاجتماعي من آراء وانتقادات دليل وعي، ورفض لكل سلطة، باستثناء القانون الذي سيحكم بين الجميع على قدم المساواة.

يمكن اعتبار كل الأفراح التي شوهدت في خانة ردود الفعل العفوية التي اقتضتها الحالة، وهي تعكس قدراً كبيراً من التعويض عن القهر والكبت والحرمان، أكثر من نصف قرن، كانت سورية خلالها محكومة بالحديد والنار والسجون والحزب الواحد والرأي الواحد وقائد الأبد. تحرّر السوريون من الخوف عام 2011 عندما نزلوا إلى الشوارع يطالبون بالحرية والكرامة، لكن النظام حرمهم من تذوق طعم الفرح، وقابل ثورتهم السلمية بالرصاص والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية، ومارس عليهم حرب تهجير داخل البلد وإلى خارجه، أجبرت اكثر من 12 مليوناً منهم على مغادرة بيوتهم وأراضيهم. لقد انتظروا قرابة 13 عاما كي يحتفلوا بالحرية. وفرار حارس السجن الكبير بشّار الأسد في الثامن من شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي هو الإنجاز الكبير الذي لا توازيه سوى ولادة الكيان قبل حوالي قرن، وتحقيق الاستقلال من الانتداب الفرنسي عام 1946. وعلى هذا، يجب تجنّب كل ما يمكن أن ينغّص صفاء هذه الأيام التاريخية، وقبل كل شيء الخلافات الداخلية، التي يجب تأجيلها حتى تحين لحظتها المناسبة. وكما يليق بكل فرح استثنائي، يجب طي صفحة الماضي، بكل ما تحمله من أثقال ومرارات، فالمستقبل الجديد الخالي من القمع وكبت الحريات يستحقّ التضحية من أجله جماعات وأفراداً، منظمات مجتمع مدني، وأحزاباً سياسية وهيئات معارضة وفصائل عسكرية... إلخ.

يحتاج الفرح السوري إلى تحصينه من الهزّات والانتكاسات، وأول خطوة على هذا الطريق هي مواجهة التحدّيات الكبيرة، التي تقف أمام البلد من داخلية وخارجية، وفي مقدمتها الخدمات الأساسية ومتطلبات المعيشة، وبرزت في الأيام الماضية مسائل ملحّة تحتاج حلولاً سريعة، مثل انقطاع الكهرباء وشح مياه الشرب وعدم قدرة الأفران على تلبية حاجات الناس من الخبز وارتفاع أسعار بعض المواد الأولية، بالإضافة إلى الأمن. ورغم التحسّن البطيء في بعض المجالات، مثل تقليل ساعات تقنين الكهرباء، عما كانت عليه قبل سقوط النظام، فإن حلّ المصاعب المتراكمة منذ أكثر من عقد غير ممكن خلال فترة وجيزة، ما يستدعي من الجميع وضع كل قضية في نصابها، والنظر إليها بحجمها، وعدم تضخيمها، لأن الموقف السلبي يؤثر على الجهود التي تقوم بها السلطات الجديدة، والتي تحتاج من الناس التفهم والصبر والمساعدة، وليس العكس.

هناك فئات من السوريين تنتظر أن يحدُث التغيير في حياتها بسرعة شديدة، تريد رحيل النظام ومحاسبة رموزه، وحل مشكلات الكهرباء والماء والمازوت، وإقامة الديموقراطية والتعدّدية والدولة المدنية، خلال زمن قصير جداً، ولا تقبل الانتظار قليلاً حتى يتسلم الحكم الجديد الملفات من الحكومة السابقة، ويدرسها ويضع خطط عمل قائمة على تلبية الأولويات. ومن بين المطالبين بالتغيير السريع الذين لا يروْن جبال المشكلات والتراكمات الكبيرة من العهد السابق. ولذلك يطالبون بارتجال الحلول، وفي هذا قصور نظرٍ ذي تبعاتٍ كارثيةٍ على المستقبل.

شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر