الصفقة السعودية الأميركية الإسرائيلية... ملامح معادلة جديدة في المنطقة
ينظر كثيرون إلى تعيين السعودية سفيراً فوق العادة، غير مقيم، لدى السلطة الفلسطينية، وقنصلاً عامّاً في القدس، بوصفه جزءاً من الترتيبات المتوقعة في ما يتعلق بتسريباتٍ عن "الصفقة الكبرى" بين السعودية وإسرائيل وأميركا بما يخص العلاقات الثلاثية، وهي الصفقة التي كثرت التكهنات بشأنها خلال الأسابيع الأخيرة، بخاصة ما يأتي من المصادر الإسرائيلية والغربية.
أيّاً كانت الأسباب الحقيقية وراء هذه الخطوة السعودية، التي رحبت بها السلطة الفلسطينية، من الواضح أنّ المفاوضات الأميركية السعودية وصلت إلى مرحلة متقدّمة من الاتفاق على بنود رئيسية، وإنْ هنالك من يشكك بصعوبة الوصول إلى تفاهماتٍ حول القضايا المختلفة الرئيسية.
المفارقة أنّ هذه الخطوة السعودية كانت قد أوشكت على الحدوث خلال مرحلة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وضمن الحيثيات التي جاءت بصفقة القرن، لولا التراجع السعودي في الأمتار الأخيرة، واستدار السعوديون ليقولوا للأميركيين والإسرائيليين إنّهم ليسوا ضمن أيّ حمولة إقليمية، وإنّ حسبة السعودية مختلفة عن باقي الدول العربية، في ضوء التوجّهات القيادية الإقليمية الجديدة للرياض!
ومعروفٌ أنّ العلاقات السعودية الأميركية مرّت بمرحلة من التوتر الشديد منذ بداية عهد الرئيس الأميركي، بايدن، ولحقتها خطواتٌ سعوديةٌ غير مسبوقة بالتقارب مع الصين، وبالاتفاق مع إيران والانتقال إلى مسار مختلف تماماً، ما دفع إدارة الرئيس الأميركي إلى مراجعة الحسابات ومحاولة إيجاد صيغة من التفاهم مع السعودية على المرحلة المقبلة.
توجّه سعودي إلى إعادة ترسيم العلاقة مع واشنطن على أسس مختلفة
كانت النقاشات، في البداية، تتناول التطبيع السعودي الإسرائيلي، لكن الرياض نقلت المعادلة إلى مستوى ثلاثي أقحم الأميركيين في المعادلة، من خلال التأكيد على صيغة جديدة من العلاقة مع واشنطن، تقوم على تحقيق مطالب سعودية معيّنة، منها اتفاقية دفاع بمستوى موازٍ لاتفاقيات حلف الناتو، وهو أمر يحتاج بالضرورة إلى موافقة الكونغرس، ويتطلب أيضاً موافقة من أعضاء في الحزب الجمهوري، وهو أمر موضوع نقاش حالياً في دوائر التفكير والقرار في واشنطن. ومن بين المطالب السعودية أيضاً ما يتعلق بالبرنامج النووي السلمي السعودي. وفي خلفية ذلك المشهد هنالك توجّه سعودي إلى إعادة ترسيم العلاقة مع واشنطن على أسس مختلفة، تقوم على التعامل مع السعودية بوصفها قوة إقليمية.
على الطرف المقابل، تنظر إدارة بايدن إلى الصفقة بوصفها مهمّة على أكثر من صعيد، في المقدّمة من ذلك قطع الطريق على النفوذ الصيني في المنطقة واستعادة الدور الأميركي، وورقة رابحة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ما ينعكس على ملفّات دولية وداخلية متعدّدة. وفي الوقت نفسه، يحاول الأميركيون الضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إما لتغيير تركيبة الحكومة التي لا تروق للبيت الأبيض، ولا لأوساط سياسية أميركية وحتى صهيونية في الولايات المتحدة، أو في الحدّ الأدنى من أجل تغيير السياسات الإسرائيلية وتخفيف الضغط عن السلطة الفلسطينية التي تبدو اليوم في أضعف حالاتها وأسوأها.
في مقالته في صحيفة هآرتس الإسرائيلية بعنوان "لا تنسوا الجانب الرابع الحيوي، من أي صفقة أميركية إسرائيلية سعودية؛ الفلسطينيين"، يشير الكاتب ألون بنكاس إلى أهمية الموضوع الفلسطيني وتعقيداته، بخاصة مع ما وصلت إليه عملية التسوية السلمية من موت سريري. وبالتالي، يتمثل السؤال الأكثر أهمية في ما يمكن تقديمه للفلسطينيين في هذه الصفقة في ظل الظروف الراهنة؛ فالحديث المنمّق الوردي عن تسويةٍ سلميةٍ وحل سياسي بدون خطوات واقعية لن يجدي. وفي المقابل، الحديث عن خطوات عملية مع الحكومة الإسرائيلية الحالية غير ممكن، فهي حكومة ليس أمامها إلا خيار استراتيجي واحد، عزل السلطة الفلسطينية وحصارها وإضعاف الفلسطينيين، وضم مناطق واسعة في الضفة الغربية.
أردنيّاً، تمثّل القضية الفلسطينية أولوية استراتيجية وديبلوماسية ومسألة أمن وطني
تدرك السلطة الفلسطينية حجم التحوّلات الاستراتيجية الكبيرة في المنطقة، وهم وإذ يرون أنّ العامل الفلسطيني مسألة ثانوية في الصفقة المرتقبة، فإنّهم يأملون بأن تتيح فرصةً لتحريك المياه الراكدة وتخفيف الضغط على السلطة من خلال الضغوط الأميركية على حكومة نتيناهو، لكن "ماء الحياة" هذا مشكوكٌ في أمره، إذ حتى وإن كانت هنالك جهود لتخفيف السياسات الإسرائيلية، لا أظن أنّ احدا يزعم أنّ الإدارة الأميركية الحالية تملك خطة للتسوية، وإنما كل ما في جعبتها خطوات وسياسات جزئية محدودة مرتبطة بالخدمات والحياة اليومية للفلسطينيين. وفي أفضل الحالات، الإبقاء على الوضع الراهن، وفي كل الحسابات لصالح إسرائيل وليس الفلسطينيين، ولا حتى السلطة الفلسطينية.
ربما في هذا السياق، يمكن أن نقرأ القمّة الثلاثية أمس في مدينة العلمين، التي جمعت الأردن والفلسطينيين والمصريين، في محاولة من عمّان والقاهرة للتأكيد على أهمية المسألة الفلسطينية، وعلى خطورة سيناريو انهيار السلطة الفلسطينية أمام هذه الظروف القاسية. في مقابل تلك الفرصة المحدودة والهشّة، يدرك الفلسطينيون تماماً أنّ السعودية هي الجائزة الكبرى للإسرائيليين، وفي حال تطوّرت العلاقات مع إسرائيل، لن يشعر القادة الإسرائيليون مستقبلاً بضغوط حقيقية من أجل القبول بأي تسويةٍ حقيقية، بل من المتوقع أن تدخل إسرائيل إلى العالم العربي والإسلامي من أوسع أبوابه!
أردنيّاً، تمثّل القضية الفلسطينية أولوية استراتيجية وديبلوماسية ومسألة أمن وطني، وما تزال هنالك أسئلة عن مدى اطّلاع مطبخ القرار في عمّان على ما يحدث بخصوص هذه الصفقة من عدمه، وما يترتب عليها من استحقاقاتٍ وتداعياتٍ استراتيجية وإقليمية، بخاصة في ما يتعلق بمقاربة الأردن في التسوية السلمية، وفي دعم السلطة الفلسطينية والعلاقة المتوترة مع حكومة نتنياهو ومسار العلاقة مع السعودية في سياقاتها الاستراتيجية الجديدة.