إعادة إنتاج معاناة اللاجئين بين ضفتي المتوسط

23 نوفمبر 2022
+ الخط -

بقاء إدارة ملف اللاجئين رهناً بمقاربات سياسية متباينة، ومتصارعة في معظم الأحيان بين حكومات الاتحاد الأوروبي ودول جنوب المتوسط وشرقه، لم ينتج منه إلا مزيدٌ من المعاناة الإنسانية لطالبي اللجوء، وتوالي مسلسل نزيف الأرواح بين ضفتي المتوسّط. فقد تقدّمت جمهورية التشيك في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، بصفتها رئيساً لمجلس الاتحاد الأوروبي، بمقترح مثير للجدل، يهدف إلى تمكين دول الإتحاد من التنصّل من التزاماتها بموجب القانون الدولي، وقوانين الإتحاد الأوروبي لحماية اللاجئين في حال وقوع ما سمته في المقترح "توظيفا سياسيا للتدفق الجماعي للمهاجرين واللاجئين". قدّمت المفوضية الأوروبية هذا المقترح نهاية عام 2021 لمواجهة ما اعتبره الاتحاد الأوروبي توظيفا لملفّ المهاجرين وطالبي اللجوء في السنوات الأخيرة من بعض دول الجوار، مثل تركيا والمغرب وبيلاروسيا، للضغط على الاتحاد الأوروبي أو دوله، لتحقيق أهداف سياسية أو استراتيجية.

كان المغرب في مايو/ أيار 2021 سمح بشكل مفاجئ بعبور نحو عشرة آلاف شخص من المهاجرين وطالبي اللجوء إلى الحدود الإسبانية في يومين، للضغط السياسي على إسبانيا والاتحاد الأوروبي لتغير الموقف من قضية إقليم الصحراء. كما جرت واحدةٌ من أسوأ صور التوظيف السياسي لملف طالبي اللجوء في أغسطس/ آب 2021، عندما أجبرت بيلاروسيا آلافا من المهاجرين وطالبي اللجوء، بينهم لاجئون معظمهم من سورية والعراق وأفغانستان، على العبور عبر أراضيها إلى دول الاتحاد الأوروبي، ما تسبب في أزمة إنسانية في المنطقة الحدودية بين بيلاروسيا وبولندا وليتوانيا ولاتفيا، حيث بقي هؤلاء عالقين شهورا طويلة في ظروف إنسانية مزرية، ولم يتم السماح لهم بالعبور إلى بولندا، لسماع طلبهم في الحصول على الحماية الدولية، ولم تسمح لهم بيلاروسيا بالعودة إلى أراضيها. وقد استخدمت بيلاروسيا، حليفة لنظام بوتين في روسيا، ورقة اللاجئين للضغط على الاتحاد الأوروبي، رد فعل على العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي عليها، منذ فوز ألكسندر لوكاشنكو بولاية سادسة في انتخاباتٍ رئاسية اعتبرها الاتحاد الأوروبي انتخابات مزوّرة.

مزيدٌ من المعاناة الإنسانية لطالبي اللجوء، وتوالي مسلسل نزيف الأرواح بين ضفتي المتوسّط

قدّمت هذه الأزمات مبرّراً لبعض الحكومات الأوروبية، والتي كانت تشهد بالفعل تضييقاً متزايداً على حقوق طالبي اللجوء، للضغط من أجل إضعاف نظام الاتحاد الأوروبي القانوني لحماية اللاجئين. يؤسّس المقترح المنظور حالياً أمام الاتحاد الأوروبي، والذي تضغط بعض الدول الأوروبية من أجل تبنيه في نهاية هذا العام، نظام تدابير استثنائية تسهّل على دول الاتحاد الأوروبي رفض استقبال المهاجرين وطالبي اللجوء، وزيادة خطر ترحيلهم إلى دول غير آمنة، وتبرير اعتقال طالبي اللجوء على الحدود، وسرعة البتّ في طلبات اللجوء في مراكز على الحدود، بما يخلّ بضمانات حقهم في التمثيل القانوني، والدفاع عن طلباتهم في الحماية.

الخاسر الأكبر من هذه السياسة الاستثنائية التي تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى إقرارها طالبو اللجوء أنفسهم، والذين يستحقون حمايةً لا يجدونها في كثير من دول الجوار للاتحاد الأوروبي، والتي يعدّ معظمها غير آمن لاستقبال اللاجئين واستقرارهم، ما يدفعهم إلى البحث عن طرق غير آمنة، وفي أحيان كثيرة مميتة، للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي. وقد تورّطت خلال هذا العام بعض الدول المستضيفة للاجئين السوريين في الإعادة القسرية، أو التشجيع على العودة الطوعية إلى سورية تحت ادعاء انتهاء الصراع المسلح هناك، وبالتزامن مع عودة تطبيع علاقتها مع نظام بشار الأسد. في هذا السياق، أقدمت الحكومة التركية، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، على ترحيل مئات السوريين إلى شمال سورية بين فبراير/ شباط ويوليو/ تموز من العام الحالي قسراً تحت تهديد السلاح بعد اعتقالهم.

دول تستخدم ملف اللاجئين وسيلة ضغط في صراعاتها السياسية والاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي

وفي لبنان وفي ظل استمرار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادّة المتواصلة منذ عام 2019، اتجهت الحكومة اللبنانية في يوليو/ تموز الماضي إلى الإعلان عن خطتها للإعادة التدريجية للاجئين السوريين إلى سورية، بالتنسيق مع السلطات السورية. وقد بدأ بالفعل تنفيذ هذه الخطة في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول؛ حيث دفعت قسوة الـظروف التي يعيش فيها هؤلاء اللاجئون في لبنان إلى القبول بالعودة إلى سورية، على الرغم من المخاطر التي غالبا ما يتعرّض لها كثيرون منهم بعد العودة. وبحسب منظمة العفو الدولية، في تعليقها على الخطة اللبنانية "فإن اللاجئين السوريين في لبنان ليسوا في موقفٍ يسمح لهم باتخاذ قرار حرّ ومستنير بشأن عودتهم بسبب السياسات الحكومية التقييدية المتعلقة بالتنقل والإقامة، والتمييز المتفشّي وعدم إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية". وكانت منظمة العفو الدولية قد وثقت، في سبتمبر/ أيلول 2021، إخضاع 66 لاجئا سوريا بعد عودتهم إلى سورية لأنماط من التعذيب والاغتصاب والإخفاء القسري. وفي ظل هذه التطورات، وقعت كارثة غرق مركب قبالة سواحل طرطوس السورية، والذي كان قد انطلق من السواحل اللبنانية في اتجاه أوروبا في 22 سبتمبر/ أيلول، وعلى متنه نحو 150 شخصا، بينهم لاجئون سوريون وفلسطينيون. يدل وقوع تلك الحادثة الأليمة وغيرها من حوادث مستمرّة سواء شرق المتوسط أو جنوبه على عدم وجود خيار أمام كثيرين من طالبي اللجوء، سوى سلوك طرق الموت بحثاً عن ملاذٍ آمن.

استمرار الأزمات الإنسانية المصاحبة لتدفق المهاجرين وطالبي اللجوء بين ضفتي المتوسط هو نتاج مشهد سياسي معقد ومتداخل في أوروبا ودول جنوب المتوسط. ما زالت الأوضاع السياسية والصراعات المسلحة التي تمخضت عنها هذه التدفقات البشرية قائمة من دون حلول جذرية في ظل تدخلات إقليمية ودولية. من ناحيتها، تفتقد دول الجوار للاتحاد الأوروبي أنظمة قانونية لحماية طالبي اللجوء، وحماية حقوقهم الأساسية وحقوق عائلاتهم فيما بعد بوصفهم لاجئين. بل إن بعضاً من هذه الدول تستخدم ملف اللاجئين وسيلة ضغط في صراعاتها السياسية والاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي؛ ما يدفع طالبي اللجوء إلى البحث عن أي وسيلة للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، في وقت تكثف دول أوروبية كثيرة من جهودها، خصوصا في ظل الصعود السياسي لأحزاب أقصى اليمين، لاحتواء حركة الأفراد، وتقليص عدد من يستطيع الوصول إلى الدول الأوروبية.

معتز الفجيري
معتز الفجيري
معتز الفجيري
أكاديمي وحقوقي مصري. أستاذ مساعد ورئيس برنامج حقوق الإنسان في معهد الدوحة للدراسات العليا. عمل سابقاً في العديد من المنظمات غير الحكومية العربية والدولية المعنية بحقوق الإنسان.
معتز الفجيري