أفغانستان كابوس بايدن القادم

11 يوليو 2021
+ الخط -

مثّل موعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان في سبتمبر/ أيلول المقبل صداعا مبكرا للرئيس الأميركي، جو بايدن، سيما مع تصاعد الأخبار القادمة من أفغانستان، والتي تخبرنا بتقدّم حركة طالبان المذهل نحو كابول، فقد سيطرت حاليا على ما يعادل مساحة خمس أفغانستان، وما زال الانسحاب الأميركي لم يكتمل بعد. أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن الجيش الأميركي سحب أكثر من 90٪ من قواته ومعدّاته من أفغانستان في سرعة مخيفة، أبرزها عندما غادر بهدوء قاعدة باغرام الجوية، وهو حدث تاريخي بعد أمر بايدن سحب القوات الأميركية من البلاد. وكانت هذه القاعدة قد شهدت، في ذروتها عام 2012 ، مرور أكثر من مائة ألف جندي أميركي. وكانت أكبر منشأة عسكرية أميركية في أفغانستان. واليوم أخليت تماما بعد مرور عشرين عاما على الحرب في أفغانستان، في رمزية لا تخفى على أحد.

لقد أثارت عملية الانسحاب مخاوف من أن تتحول أفغانستان إلى مزيدٍ من إراقة الدماء بعد انسحاب القوات الأميركية، وهو ما أشارت إليه التقارير الاستخباراتية الأميركية التي ذكرت أن كابول العاصمة ربما تسقط خلال ستة أشهر مع فشل الجيش الأفغاني في صد الهجمات ضد قوات "طالبان"، وقد تحدّثت الأنباء عن انهيار هذا الجيش مع القوات الأمنية في شمال أفغانستان، حيث لجأ أكثر من ألف جندي من الجيش الأفغاني إلى طاجيكستان المجاورة، في مشهد يذكر بانهيار الجيش العراقي أمام مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وهو ما يؤكّد أن احتمال اندلاع حرب أهلية في أفغانستان مسألة وقت فقط.

مخاوف من أن تتحول أفغانستان إلى مزيدٍ من إراقة الدماء بعد انسحاب القوات الأميركية

بعد ما يقرب من 20 عامًا في أفغانستان، الجيش الأميركي، بتوجيه من الرئيس بايدن، في المراحل النهائية لسحب قواته من البلاد، ووضع حد لأطول حرب أميركية. وبعد ثلاثة أشهر من إعلان بايدن قراره بسحب القوات بحلول 11 سبتمبر، تُفاجئ وتيرة الانسحاب أعضاء الكونغرس في واشنطن، وليس ثمّة ما يشير إلى أن بايدن، أو أيا من كبار مساعديه، نادمون على الخطوة، فبايدن وفريقه يكرران باستمرار أنهم قد قاسوا التداعيات السياسية والأمنية للقرار، وما زالوا واثقين من أنه القرار الصحيح، فعملية بناء الدولة في أفغانستان فشلت فشلا ذريعا بعد عشرين عاما من الوجود الأميركي هناك. وهو ما جعل كثيرين يشبهون الانسحاب من أفغانستان بالانسحاب الأميركي المذل في فيتنام، على الرغم من وعود الحكومة الأميركية هناك في عهد نيكسون بمساعدة فيتنام الجنوبية، لكن هذه الوعود طواها النسيان، ولم تحترم الحكومة الشيوعية في فيتنام اتفاقية باريس، وإنما انتظرت الانسحاب الأميركي، ثم انقضت على عاصمة فيتنام، فبعد شهرين من توقيع اتفاقية السلام الفيتنامية، غادرت آخر القوات القتالية الأميركية فيتنام الجنوبية، بينما تحرّرت هانوي ممن تبقوا من أسرى الحرب الأميركيين المحتجزين في فيتنام الشمالية، وهو ما أشّر على نهاية التدخل الأميركي المباشر ثماني سنوات في حرب فيتنام. ففي يناير/ كانون الثاني 1973، وقّع ممثلو الولايات المتحدة وفيتنام الشمالية والجنوبية وفيتكونغ اتفاقية سلام في باريس، منهية التدخل العسكري الأميركي المباشر في حرب فيتنام. تضمنت بنودها الرئيسية وقف إطلاق النار في جميع أنحاء فيتنام، وانسحاب القوات الأميركية، وإطلاق سراح أسرى الحرب، وإعادة توحيد فيتنام الشمالية والجنوبية من خلال الوسائل السلمية. كان من المقرّر أن تظل الحكومة الفيتنامية الجنوبية في مكانها، حتى إجراء انتخابات جديدة، ولم يكن على القوات الفيتنامية الشمالية في الجنوب أن تتقدّم أكثر ولا أن تتعزّز.

بايدن لا يزال مقتنعًا أنه بعد عقدين من الحرب في أفغانستان، لا يوجد الكثير مما يمكن للقوات الأميركية فعله

ولكن، في 30 إبريل/ نيسان 1975، تم نقل آخر عدد من الأميركيين الذين ما زالوا في جنوب فيتنام جواً من البلاد، عندما سقطت سايغون في أيدي القوات الشيوعية. ولم تتدخل الولايات المتحدة لدعم المقاتلين في فيتنام الجنوبية، على عكس ما نصّت الاتفاقية في باريس. وهو ما يبدو أنه سيتكرّر أيضا في أفغانستان، ويجعل من هذا الانسحاب كابوسا يهدّد فرص بايدن بالحصول على ولاية ثانية في البيت الأبيض، فالعواقب الوخيمة للانسحاب بدأت للتو في الظهور. وبينما البيت الأبيض لا يزال موحدًا وراء القرار، تتصاعد مخاوف الحكومة بشأن تدهور الأمن في أفغانستان، ووتيرة الانسحاب، وأسئلة عديدة لا تزال بدون إجابة في شأن استراتيجية أميركا طويلة المدى، فقد شعر بايدن بالغضب بشكل واضح، عندما سئل عن حالة البلد الذي تغادره القوات الأميركية. وقال، بعد أن شرح بالتفصيل خطط الانسحاب وآماله في الحكومة الأفغانية المدنية المحاصرة، ورؤيته بشأن الدعم الجوي الأميركي: "لن أجيب على أي أسئلة أخرى بشأن أفغانستان".

يحذّر كل من أجهزة المخابرات الأميركية والقادة العسكريون وأعضاء الكونغرس من أن الحكومة الأفغانية لن تكون قادرةً على مواجهة حركة طالبان بدون دعم القوة النارية الأميركية. تتحرّك "طالبان" بسرعة بالفعل للسيطرة على مناطق في الأجزاء الشمالية من أفغانستان، ما دفع القادة العسكريين الأميركيين إلى إثارة احتمال اندلاع حربٍ أهلية، بمجرّد رحيل القوات الأميركية.

لم يتم بعد اتخاذ قراراتٍ كبيرةٍ أخرى، بما في ذلك ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستخدم الطائرات بدون طيار في المستقبل، لاستهداف الإرهابيين المشتبه بهم في أفغانستان، وكيفية ذلك، وكيفية تأمين المطار المدني في كابول، وكيفية ضمان المرور الآمن للمترجمين الأفغان وغيرهم من العمال. الذين ساعدوا القوات الأميركية خلال الحرب، وهم الآن أهداف لمسلّحي حركة طالبان". ويلوح في الأفق أن الأخيرة سوف تطغى على حكومة الرئيس الأفغاني، أشرف غني، وتستعيد السيطرة على البلاد. حدّدت التقييمات الأخيرة الجدول الزمني المحتمل لاستيلاء "طالبان" على السلطة في أي مكان، من ستة إلى 12 شهرًا.

بينما البيت الأبيض لا يزال موحداً وراء قرار الانسحاب من أفغانستان، تتصاعد مخاوف الحكومة بشأن تدهور الأمن

على الرغم من أن شبح إجلاء الموظفين الأميركيين من سايغون في عام 1975 يطاردهم في أثناء عملية اتخاذ القرار، إلا أن بايدن لا يزال مقتنعًا أنه بعد عقدين من الحرب في أفغانستان، لا يوجد الكثير مما يمكن للقوات الأميركية فعله لحل ما يُنظر إليه بشكل متزايد داخل الحكومة على أنه مشكلة مستعصية، فبايدن يستخدم حجّة معاكسة، بالقول إن الوتيرة التي اكتسبت بها "طالبان" مكانتها في الأسابيع الأخيرة قد عزّزت، بطريقة ما، للبيت الأبيض، مزايا قرار الانسحاب، عبر القول "إن حكومة أفغانستان التي تقف على شفا الفشل بهذه الطريقة المتسارعة، بعد 19 عامًا من التدريب والتجهيز والتمويل من أميركا، يعطي مصداقية لفكرة أن المزايا طويلة الأجل للحفاظ على وجود القوة في البلاد كانت محدودة".

بالنسبة للجمهوريين، تعتبر هذه فرصة نادرة لتكرار فشل الديمقراطيين في قضايا الأمن الوطني، ففي مايو/ أيار، كتبت مجموعة من الجمهوريين في لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب إلى وزير الدفاع، لويد أوستن، يطلبون منه تقديم تقييم مخاطر للظروف على الأرض في أفغانستان. ووفقًا لرسالتهم، فإن البنتاغون ملزم قانونًا بتقديم هذا التقييم إلى الكونغرس قبل إنفاق الأموال لسحب الأفراد العسكريين الأميركيين في أفغانستان إلى ما دون مستويات القوات التي تبلغ ما بين ألفي جندي إلى أربعة آلاف.

ربما يمثل الانسحاب الأميركي الفاشل من أفغانستان بداية نهاية إدارة بايدن، على الرغم من نجاحه في ملفات أخرى مثل معالجة وباء كورونا.

BCA0696E-8EAC-405E-9C84-3F8EA3CBA8A5
رضوان زيادة

كاتب وباحث سوري، أستاذ في جامعة جورج واشنطن في واشنطن