سوق واقف في الدوحة شاهد على تزاوج العراقة والحداثة

25 أكتوبر 2014
يستقبل السوق المئات يومياً من المواطنين والوافدين (العربي الجديد)
+ الخط -
لتكتمل زيارتك إلى الدوحة، يحسن أن تتجوّل وتتسوّق في سوق واقف، الواقع في الخاصرة، على بعد خطوات من البحر الذي يغسل أقدام المدينة كلّ صباح.

في السوق، الذي يعود بك في سفر افتراضي إلى ماضٍ كانت الدوحة فيه قرية صغيرة، تشهد اختلاط العراقة والحداثة، وكذلك الأبراج الشاهقة التي تطل على السوق، بالأبنية ذات الأسقف الإسمنتية التي تخترقها العيدان الخشبية. تذكر بماض جميل، يحن إليه أهل الدوحة الذين يجدون في السوق متنفساً لهم، يهربون إليه في المساءات من الحرّ، ويقضون أوقاتاً في ممراته المسقوفة، وقد يعثر فيه مواطنون ومقيمون قدامى على أشياء من ذكريات الصبا وأول الشباب.

مطاعم السوق كبيرة وكثيرة، ويحتشد في ساحته الرئيسة الزوار كل مساء، وطوال النهار. وبعد الظهر خصوصاً، تنتعش المطاعم فيه التي يحضر فيها كل العالم العربي، من الخليج والشام ومصر والمغرب، تقدم الطعام العربي الشهي المتنوع الذي يلبي كل الأذواق. وثمة فنادق، تعود بك عشرات السنين، بمعمارها وأثاثها، وأطعمتها، لكنها تقدم خدمة خمسة نجوم، وتوفر كل ضروب التكنولوجيا والحياة الرقمية.

نجح سوق واقف، منذ إعادة إنشائه على صورته الأولى عام 2004، في حماية هوية الدوحة، فصار، بأصالته وبيئته المستمدة من العمارة الإسلامية التقليدية، عنوانها وروحها الباقية. استُعملت في بنائه مواد البناء التي بني بها مطلع القرن الماضي، ليظل شاهداً على تاريخ الدوحة وماضيها، ومعبّراً أميناً عن ثقافة أهل قطر وتراثهم.

تعود أصل تسمية سوق واقف، حسب ما يروي كبار السن، ومسجل في المطبوعات التعريفية، إلى أن السوق كان له حضور في مدينة الدوحة، منذ أن كانت قرية صغيرة، وكانت مقسمة إلى قسمين بسبب اختراق وادي مشيرب لها، ولمّا كانت المدينة معرضةً، دائماً، للسيول التي تجري في اتجاه البحر، فقد كان الباعة الذين يتجمعون على طرفي الوادي، يضطرون للوقوف طوال النهار لتفادي مباغتتهم هذه السيول، فجاءت التسمية "سوق واقف" الذي ضم بين طرفيه ثلاثة أنواع من المحال.

أولها "العماير"، وهي مخازن كبرى للأعمال التجارية بالجملة والمفرق، وتخزن مواد البناء والأغذية كالتمور والأرز. ثانيها محلات المشغولات اليدوية، كالخياطة والنجارة. ثالثها "البسطات"، وهي التي كان يقيمها الباعة في الهواء الطلق، وتضم بضائع متنوعة، فيما كان البدو يقيمون فيه كل نهار خميس سوقاً خاصة بهم، يبيعون فيها الأخشاب ومنتجات الحليب.

أول ما تستقبل زائر السوق من مداخله المتعددة، محلات المنسوجات والأقمشة، وكذلك المحلات المتخصصة في بيع التذكارات التراثية، إلى جانب المحلات والمتاجر التي تبيع مستلزمات الصيد بالصقور أو أنواع البهارات، والمكسّرات، والقهوة العربية والتي تصطف محلاتها مع محلات الأدوات المنزلية. كما تجد في السوق محلات بيع الأعشاب الشعبية الطبية التي لها زبائنها المخلصون، كما يلجأ إليها الزائرون، بديلاً عن العقاقير الطبية.

وتتحلق على جانبي الساحة الرئيسة في السوق محلات، تعرض نماذج مصغرة لمراكب الغوص والبحث عن اللؤلؤ ومعدات الصيد القديمة، تمنحك فرصة للتعرف إلى تاريخ الغوص وصيد اللؤلؤ وأشهر الغواصين والنواخذة والنهّامين، إلى جانب أشهر سفن زمن الغوص، والتي تغنى بها أصحابها قديماً، وما يزالون.

وللفن، بأنواعه، نصيب في سوق واقف، حيث تنتشر أروقة المعارض الفنية، بكل مدارسها، والرسامون الذين يتبارون في رسم وجوه الزوار، وقصائد الشعر النبطي، والغناء الشعبي الخليجي الذي له رواده ومتابعوه، ولا تغيب مهرجاناته عن ساحات السوق، الذي يحتوي على مسرح مفتوح يتسع لـ 3500 مشاهد.

إذا تعبت قدماك من التجوال، ستجد أمام ناظريك عشرات المقاهي التي تقدم العصائر بأنواعها، والشيشة التقليدية، والمطاعم المنتشرة في الساحة الرئيسية وفي أزقة السوق، تقدم لك ما تشتهيه من الطعام والشراب الذي يرضي جميع الأذواق، وإذا أردت أن تتذوق طعام أهل قطر، قديماً وحديثاً، ولا بد أن تتذوقه، ستجد المطبخ القطري حاضراً، على الرغم من المنافسة مع المطابخ العربية المنتشرة في السوق، فستجد الهريس والمضروبة والمرقوقة والخنفروش والخبيص والساقو والبلاليط، وغيرها من الأكلات الشعبية التقليدية، لتكتشف مدى غنى المطبخ القطري.

وعلى بعد خطوات، يمكنك أن تتذوق، أيضاً، الفلافل المصرية، والفتوش والتبولة اللبنانيين، والكبسة السعودية، والطاجين المغربي والكبدة النوبية، والشاورما التركية، وغيرهما من أنواع المأكولات العربية والهندية والإيرانية.
المساهمون