في طفولته، قبل ثلاثة عقود، أحبّ رامي خوري، المسيحي المولود عام 1975 في مدينة حمص السورية، التراث الفنّي الإسلامي، ومعاني التسامح والتآخي في الدين الإسلامي، فوجد طريقه إلى نفسه، وعرف ماذا عليه أن يفعل في حياته.
اليوم، بعدما صار فناناً محترفاً، يملك خوري فرصة إظهار فنّه واطلاع العالم على رسالته، وقرّر أن يفي التراث الإسلاميّ حقّه، ويفي الدين الإسلامي حقّه أيضاً، فهو، كمسيحيٍ ولد في هذا الشرق، يعرف أنّ الإسلام ليس ما يروج له اليوم ويلصق به من تهم العنصرية والعنف، وأنّ خلف هذه الديانة العظيمة إرثاً ثقافياً وفنّياً كبيراً لا يبدأ مع فنّ الخطّ ولا ينتهي مع العمارة.
الخطّ العربي والعمارة الإسلامية فتنا رامي، ووفّرا له مادة كبيرة تراكمت لعصور طويلة، فقرّر تقديمهما بتوأمة متميّزة، إذ هو يعكف حالياً على إنجاز معرض لوحات، يقدّم خلالها الأحاديث النبوية الشريفة، وكأنّه يبني اللوحة بلمسات العمارة الإسلامية وروح الخطّ التراثي ولعبة الألوان الشرقية.
*أنت فنان سوري، تعيش وتعمل في قطر، كيف أثّرت الثورة السورية على فنّك ومشاريعك؟
لها أثر كبير، غير الخسارات الشخصية، أشعر بخسارة معنوية كبيرة، لأنّ ما يحصل اليوم من قتل وتطرّف باسم الإسلام، لا يمتّ بصلة إلى جوهر الإسلام، دين الإيمان والتسامح. الدين هو الحياة، بل أراه فرح الحياة، على عكس الجانب المظلم الذي يحاول بعض المتشدّدين أن يلبسوه للدين في بلدي سورية وفي العالم. وهذه رسالتي من هذا المعرض.
*لماذا اخترت الأحاديث النبوية؟
انطلقت من الأحاديث النبوية الشريفة لكي أؤكّد للناس، وأخبر العالم أنّ الإسلام لم يقل بأنّ غير المسلمين كافرون، بل قال "لا تقل لأخيك يا كافر"، وبأن الإسلام نادى بالتعايش مع باقي الأديان، وبأنه كباقي الأديان أوصى ببرّ الوالدين وبالأخوة وحسن الجيرة. والخلاصة بأنّ الرسول محمد حدّثنا بعكس ما يحاول بعض المسلمين أن يقولوه.
أنا مسيحي، وأنا أؤمن بجوهر الإسلام وبالأحاديث النبوية الشريفة. ولم أذكر يوماً أنّ اختلاف الأديان كان مثار أية مشكلة بين الناس في سورية، بدأت المشكلة لدي مع بدء موجة التكفير، وصعود "داعش" الذي أوجد لدى البعض جواً من التأييد والتعاطف لمسألة التكفير تحديداً، وانطلاقاً من ردة فعلي على التكفير الذي لا يحتمل ولا يمكن قبوله، بدأت بالعمل على معرضي الجديد للردّ من خلال الفنّ على رافضي الاختلاف بين الناس، وكي أُظهر الرغبة بالفرح وحبّ التعايش، وأبيّن للناس أقوالاً تُعلّمنا ما هو مغاير تماماً لما يسلكه البعض على أرض الواقع".
كيف عبّرت عن هذا فنّياً؟
في كلّ التفاصيل، فالألوان التي استخدمتها في اللوحات، ليست ضعيفة وهشّة، كما هو واقع التكفيريين، بل واضحة الحدود، وألواني جزء من رسالتي أيضاً.. في اختيار الأحاديث أيضاً، أنهيت حتى الآن 15 لوحة، منها على سبيل المثال: "لا تقل لأخيك يا كافر"، "حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة"، "كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكل ما سمِع"، "يسّروا ولا تعسروا وبشّروا ولا تنفّروا"، وأعمل على إنجاز الأحاديث السبعة المتبقّية لتعرض قريباً في الدوحة.
كيف أثّرت مدارس الخطّ التراثية والحديثة على عملك؟
أوّلاً أنا لا أكتب الخطّ العربي، بل أرسمه، لذلك عندما بدأت برسم الخطّ، لم أتقيّد بالأشكال المعروفة ومدارس الخطّ العربي التقليدية، مثل الرقعة والديواني أو الفارسي وغيرها، فهمتها جيداً واستوعبتها ثم اخترعت أسلوباً مختلفاً، خرجتُ عن المألوف وصرتُ أرسم الخط رسماً وأعطيه أشكالاً جديدة.
ولكن هذا قد يثير انتقادات كثيرة..
توقّعاتي المسبقة عن رأي المتلقّي لأعمالي تحمل القبول والرفض في آن. وأنا مستعدّ لقبول الآراء على اختلافها. كما أنّ المبيعات لا تؤرقني، فسماع ملاحظات الآخرين وآرائهم بفني وأسلوبي يكفيني. بالطبع أتمنى أن تباع لوحاتي لتزين جدران البيوت والمكاتب والردهات. ولكنني أيضاً أريد أن يصل فني للناس وأن يعرفوا بأنني أحاول أن أقدّم فناً مختلفاً يحمل رسالة تجمع الناس على اختلاف مشاربها ولا تفرّقهم.
لنعد إلى البدايات، كيف أتيت إلى عالم التشكيل؟
أميل إلى تغيير الصورة المألوفة عموماً، بالشكل والألوان، كان المفتاح الذي شرّع أمامي أبواب الفنّ. فعندما كنتُ في الخامسة عشرة بدأت "ثورة" التغيير في منزل أهلي، كان الأثاث في كل منازل قريتي في مدينة حمص باللونين البني والبيج، غرف الاستقبال وغرف النوم، وكان المشهد مملاً، بمثابة القانون الملزم الذي يجب أن يسري على الجميع. كان الناس يقلدون بعضهم ولا أحد منهم يجرؤ على تغيير المألوف والسائد بينهم، فصمّمت مكتبة خشبية مربعة الشكل، وصبغتها باللون الأزرق الفيروزي، لم يستسغ أهلي اللون في البداية، وحتى الجيران والأقارب صاروا يسخرون من ذوقي في اختيار الألوان. بعد مدة قصيرة غيّرت لون المقاعد في غرفة المعيشة، واخترت أقمشة بألوان متعددة، وجعلت كل مقعد بلون مختلف، واخترت لها ألوان الأحمر والأزرق والبرتقالي. صارت الغرفة مشعة بالألوان، تضفي مشاعر البهجة والسعادة في البيت. خلق هذا التغيير البسيط مجالاً للأخذ والردّ والحديث بين أهلي والمحيطين بهم عن الألوان والتغيير، عن القبول والرفض. لكنهم مع الوقت ألفوا رؤية الجديد من حولهم، صارت لديهم الجرأة لإدخال أشياء شبيهة إلى منازلهم، وهذا ما صار يحدث تباعاً".
لماذا تتأخّر في توقيع اسمك على لوحاتك؟
أنتظر إنجاز المجموعة بالكامل. في النهاية سأوقع اسمي عليها، لكنني أؤجل ذلك، خوفاً من لحظة عابرة قد تشعرني بالغرور.
ما المشروع المقبل؟
أعمل على فكرة تحويل الشعر العربي إلى رسومات. لدي محاولات شعرية، بدأت أخطّها منذ نحو خمس سنوات، وأريد أن أحوّل أفكاري الشعرية إلى لوحات. أريد أن أجعل شعري مرئياً. لأنني عندما أكتب الشعر أحسّ بصورته في داخلي، وبالرسم أشكِّل الصورة الداخلية وأجعلها منظورة ومرئية لدى الآخرين.