تكدس النازحين في الشمال السوري...مرضى تحاصرهم مكبات النفايات

إدلب

عامر السيد علي

avata
عامر السيد علي

أحمد حاج حمدو

avata
أحمد حاج حمدو
26 ابريل 2020
D264FB8F-AD94-4E58-9028-8427C64B5011
+ الخط -
نزح الثلاثيني السوري فادي المحيميد من قريته في ريف حماة الغربي عام 2017، هربًا من المعارك العنيفة وبحثا عن منطقةٍ أكثر أمانًا لينتهي به المطاف في مخيّم "حلب لبيه"، الواقع قرب مدينة سرمدا على الحدود السورية التركية.

منذ عامين وحتّى الآن، يعاني المحيميد وجيرانه بسبب ظروف الحياة القاسية في المخيّم، والتي تزداد سوءا يوما بعد يوم، بسبب الأمراض والأوبئة والروائح القذرة المنبعثة من مكب قمامة ضخم، يبعد عن المخيّم 50 مترا فقط.

ويضم المخيم 1400 عائلة (نحو ثمانية آلاف مدني) غالبيتهم من النساء والأطفال، بحسب إفادة مديره، علي عبدو عبد الرزاق، والذي قال لـ "العربي الجديد": "لا يعاني مخيمنا وحده من مكبّات القمامة، ولكن كذلك المخيمات الملاصقة لنا، وهي البشير وفيه 450 عائلة، والمنصور وفيه 350 عائلة، إضافةً إلى مخيّمات سرجلة، بدر الحص، معرّة النعسان".

وتبلغ مساحة المنطقة المحررة في الشمال 6.30% من أصل 185.180 كيلومترا مربعا إجمالي مساحة الجمهورية، وفق حصر مركز نورس للدراسات العسكرية الصادر في 8 مارس/آذار 2020، وتضم تلك المنطقة ما بين 2.5 مليون نسمة إلى 4 ملايين نسمة، بحسب ما تؤكده مصادر التحقيق.



الحياة وسط النفايات

تعاني المخيمات المكتظة سكانيا، من مشكلة الصرف الصحي المكشوف بسبب دورات المياه التي تصرف على أراضي المخيّمات، بينما يلهو الأطفال بين الخيام المهترئة، وتفوح روائح نتنة ناتجة عن المكبات القريبة منهم، والممتلئة بالبعوض والذباب الذي ينتقل بين طعامهم وخيمهم.

ولم يُعرف تحديدا سبب جعل الأرض الفارغة القريبة من مخيّم حلب لبيه، مكبًّا للقمامة، ولكن بحسب شهادات النازحين فإن أحدهم قد بادر برمي سيارة مليئة بالقمامة في تلك المنطقة، ثم اعتاد الأهالي إلقاء القمامة في ذات المكان ليصبح واحدا من بين 3 مكبات رسمية تضم إلى جانبه، مكبي أطمة وقاح، وجميعها امتلأت بسبب الضغط السكاني عليها، وفق ما أكده رئيس المجلس المحلي لبلدة قاح التابع لـ "حكومة الإنقاذ" محمد سعيد جلو.


ولا يتوقف الأمر على المكبات الرسمية ولكن تكمن المشكلة الأكبر في المكبّات العشوائية المنتشرة في محيط مخّيّمات النازحين، ما يؤدّي لانتشار أمراض تنفّسية وجلدية بينهم، وفق ما يؤكّده اختصاصي الأنف والأذن والحنجرة، عبد المعطي الجابر، والذي يعمل في عيادة طبّية في مدينة حارم القريبة من المخيّمات ومستوصف في سلقين، حيث ينتشر أكثر من 20 مخيّمًا، لافتا إلى أن اللشمانيا والأمراض الجلدية المنتشرة تنتقل عن طريق الحشرات بسبب النفايات المحيطة بالبشر.

ومن أبرز الأمراض المتفشّية في الشمال السوري بين النازحين المتكدسين، السل والملاريا، إضافةً إلى الحصبة واللشمانيا "حبة حلب"، الإسهال الدموي الحاد، وحمى التيفوئيد، والتهاب الكبد بسبب الصرف الصحّي غير الآمن وعدم الوصول إلى المياه النظيفة، وفقًا لما وثقه تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في الرابع من يوليو/تموز 2019، موضحًا أن اكتظاظ النازحين في المخيّمات وتعرّضها للفيضانات والسيول أدّى لتفاقم المشكلة.



أكثر من مليوني نازح

في شمال سورية، يعمل فريق "منسّقو استجابة سورية" على إحصاء كل ما له علاقة بأوضاع النازحين، ويؤكّد المهندس محمد حلاج مدير الفريق الإحصائي لـ "العربي الجديد" أن الشمال السوري فيه حاليا 1607 مخيّمات، من بينها 1259 مخيّما نظاميا (مسجّلة على لوائح الأمم المتّحدة) إضافةً إلى 348 مخيّما عشوائيا (غير مسجّلة) ويعيش في جميع هذه المخيّمات مليون و202 ألف و216 مدنيا موزّعين على مليون و22 ألفا و216 مديًا في المخيّمات النظامية، و180 ألف نازح في المخيّمات العشوائية.

أما العدد الإجمالي للنازحين داخل وخارج المخيّمات، فيبلغ مليونين و48 ألفا و282 نسمة، بمعدّل 49% من سكّان شمال غرب سورية (حماة وحلب وإدلب)، وفقا لما أكده حلّاج، مشيرا إلى أن الإحصاء يشمل الفترة منذ مؤتمر "سوتشي" الروسي - التركي الذي نص على إنشاء "منطقة منزوعة السلاح" في شمال سورية في أيلول/ سبتمبر 2018 وحتّى الخامس من مارس 2020، مضيفا: "نزح جميع هؤلاء، خلال أربعة عمليات عسكرية تخلّلتها اتفاقات مؤقّتة لوقف إطلاق النار بينما عاد 185 ألف نازح منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين روسيا وتركيا في الخامس من مارس 2020".



جولة ميدانية

زارت "العربي الجديد" ثلاثة مخيّمات في الدانا وقاح وسرمدا بريف إدلب، وتتوزّع القمامة المتراكمة بين تلك التي تخرج من المخيّمات ذاتها، والقمامة التي يتم رميها من قبل أهالي البلدات المجاورة للمخيّم، وتمتلأ المكبات بمخلّفات المنازل والمحال التجارية، وبقايا جثث الخراف والأبقار نتنة الرائحة، إضافةً إلى مخلّفات صناعية، والأسوأ هو وجود نفايات طبّية حادة، مصدرها المستوصفات والمراكز الطبّية القريبة، ومن شأن النفايات الحادة كالمشارط والحقن أن تنقل الأمراض في حال لمسها الأطفال، والطريقة الأكثر استخداما للتخلص من النفايات هي حرقها وإشعال النار فيها، وهو ما يزيد المشهد سوءا ويخلّف دخانا ورائحة نتنة، ما يتسبّب بالأمراض لسكّان المخيّمات، كما تقول عجوز مسنّة لدى ابنها طفلان توأمان، لا يفارقان مستوصف سرمدا، بسبب الأمراض الجلدية والتنفّسية الناتجة عن تلك الروائح والدخان، إضافة إلى الحشرات، التي نقلت مرض اللشمانيا لجيرانها، قائلة: "عندما نذهب إلى المستشفى يقومون بإعطاء الأطفال بعض البخّاخات الطبّية ولكنّها دون جدوى، مرضا الربو وتحسّس القصبات منتشران". وتضيف: "أنا أيضًا مريضة بالقلب وأعاني باستمرار من مشاكل تنفّسية بسبب الدخان والرائحة".


ويؤكد النازح من ريف حماة، إلى مخيّم حلب لبّيه خالد الحمزة، أن المكب القريب منهم آخذ بالتوسّع. مضيفا : "يتعرّض الأطفال لأمراضٍ مستمرّة بسبب الذباب والروائح الكريهة، وأبرزها اللشمانيا إذ أصيب 13 طفلًا بالمرض، خلال الأسابيع الأخيرة، إضافةً لأمراض تنفّسية مزمنة". وهنا يذكر الطبيب عبد المعطي الجابر، أن واحدا من كل خمسة مدنيين من سكّان المخيّمات الذين يراجعونه يعانون من أمراض تنفّسية (تحسّس الأنف، الربو، والتهاب الحنجرة والقصبات)، كما يصل إلى المركز الطبّي في حارم نحو 300 إصابة شهريًا بمرض اللشمانيا، في حين يرد إلى عيادة الأنف والأذن والحنجرة نحو 50 حالة مرضية ومرتبطة بالقمامة.

أما الأمراض التعفّنية، فهي الأكثر إذ تُقدّر بنحو 25 إصابة يوميًا (تسمّمات غذائية، جرب، قمل، تيفوئيد). وأكّد الطبيب أن جميع هذه الأمراض لها ارتباط مؤكّد بوجود القمامة في أماكن سكن النازحين، قائلا :"لا يوجد حل، لعدم وجود قدرة على تأمين مكبّات، إلا بإنشاء مصانع لإعادة تدوير القمامة أو عن طريق تغيير خصائص النفايات الكيميائية من خلال إما الحرق الآمن أو التحليل الحراري".



لا أراضيَ ولا إمكانيات

يقول طارق العلي، رئيس دائرة الشؤون الإنسانية في سرمدا في ريف إدلب الشمالي، التابعة لـ "وزارة الشؤون الإنسانية" في حكومة الإنقاذ: "نعاني من مشكلتين، وهما الانتشار الكبير جدًّا للمخيّمات من جهة، وعدم وجود مكبّات تكفي حجم القمامة من جهةٍ أخرى".

وتابع العلي قائلا لـ"العربي الجديد": "بسبب كثرة عدد المخيّمات لم يعد هناك أرض صالحة لاستخدامها وتحويلها إلى مكبٍ جديد، موضحًا أن جميع الأراضي الموجودة حاليًا مملوكة لأشخاص، في حين أن أراضي الدولة المتبقّية طبيعتها جبلية ولا يمكن تحويلها إلى مكبات".

وبحسب العلي فإنّ وزارة الشؤون الإنسانية قامت بدراسة لتكلفة التعامل مع النفايات في محيط المخيّمات، تشمل الحصول على أرض مساحتها 100 دونم بعيدة عن المخيمات وتحويلها إلى مكب قمامة والحصول على سيارات وجرّارات وكادر بشري، وهو ما يكلّف 100 ألف دولار أميركي، وهذا المبلغ غير متوفّر. ولفت إلى أن المكبّات الحالية قديمة، وباتت طاقتها لا تحتمل الكميات الكبيرة من القمامة بسبب الضغط السكّاني.


من جهته قال عبد الرحمن صالح رئيس المجلس المحلي لبلدة أطمة التابع لـ "حكومة الإنقاذ": "إن سبب تراكم النفايات في المخيّمات الموجودة في أطمة هو نقص حاويات القمامة، وعدم وجود سيارات لنقل القمامة إلى المكبات المتوفّرة، إضافةً إلى صغر حجم هذه المكبّات وعدم قدرتها على استيعاب كميات القمامة الكبيرة".



ويوضّح صالح، أن إزالة النفايات من القرى والبلدات يتم حاليًا بشكل بدائي بواسطة جرارات رغم الحاجة الملحّة إلى سيارات قمامة، ولكن المجلس المحلي لا يملك أموالًا ولا توجد منظّمات تساعد في شراء هذه المعدّات، مبيّنًا أن منطقة أطمة وحدها تحتاج إلى 150 حاوية قمامة، وثلاث سيارات شحن لنقل القمامة.

ولفت صالح إلى أنه بسبب صغر حجم المكب وعدم اتساعه للقمامة، يتم نقل قمامة بلدة أطمة إلى مكب بلدة قاح، الأمر ذاته يؤكّده رئيس المجلس المحلي لبلدة قاح محمد سعيد جلو، لافتا إلى أن كل قرية لديها مكب صغير، ولا تسمح للقرى الأخرى برمي القمامة فيه، وتابع :"الكثير من المخيمات لم تقم أي منظمة إنسانية بتبنّيها وبالتالي لا يوجد خطة لنقل القمامة أو التخلص منها، في ظل بعد المكبات عن المخيمات وعدم امتلاك المجلس المحلي كلفة تشغيلية للقيام بالأمر".
دلالات

ذات صلة

الصورة
غارات جوية إسرائيلية على دمشق 21 يناير 2019 (Getty)

سياسة

قتل 16 شخصاً وجُرح 43 آخرون، في عدوان إسرائيلي واسع النطاق، ليل الأحد- الاثنين، على محيط مصياف بريف حماة وسط سورية.
الصورة
تحقيق الكورنيت 1

تحقيقات

يكشف "العربي الجديد" عبر تحقيق استقصائي استخدام نسخة مطورة من صاروخ كورنيت الروسي ضد المدنيين السوريين أثناء عملهم في الحقول، بما يدحض رواية الرئيس بوتين ووزير دفاعه باستخدام الأسلحة وتجريبها ضد المقاتلين فقط
الصورة

أخبار

اتّهم أهالي منطقة السعن بريف حماة السورية، اليوم الثلاثاء، مليشيات إيرانية ومليشيات النظام السوري بالمسؤولية عن هجوم وقع، أول من أمس الأحد، على مجموعة من المدنيين في ريف حماة الشرقي
الصورة
تحقيق سورية 1

تحقيقات

يستنزف النظام السوري المناطق المحررة والخارجة عن سيطرته مالياً، إذ يجمع العملة الصعبة، وتحديداً الدولار، عبر متعاونين وسلسلة من العمليات النقدية من أجل توفير احتياجاته، وفق ما يكشفه تحقيق "العربي الجديد"