تجارب السلاح الروسي...كورنيت المطور يوغل في دماء المدنيين السوريين
يكشف "العربي الجديد" عبر تحقيق استقصائي استخدام نسخة مطورة من صاروخ كورنيت الروسي ضد المدنيين السوريين أثناء عملهم في الحقول، بما يدحض رواية الرئيس بوتين ووزير دفاعه باستخدام الأسلحة وتجريبها ضد المقاتلين فقط.
- قصد المزارع السوري عماد حمادي صباح 26 ديسمبر/كانون الأول 2020 أرضه في قرية الزقوم بمنطقة سهل الغاب الممتدة على أراضي عدة محافظات، من أجل حراثتها وتجهيزها للموسم الزراعي آملا في أن يعود محصول نهاية العام بثمن الخبز وأساسيات الحياة للعائلة، لكن صاروخا استهدف الحقل، وقضى عليه مع 4 مزارعين هم خالد عبد الكريم العثمان، ومنيف عبد الحي الخطيب، وعبد الحي منيف الخطيب، وأحمد عبد الحي الخطيب بحسب شهادة أحمد حمادي، ابن عمّ عماد والذي نجا من القصف المفاجئ.
ملابسات القصف السابق تشابهت مع عدد من الوقائع التي تتبعتها وحققت فيها الجبهة الوطنية (فصيل معارض مسلح)، وفق ما يقول الرائد ماهر مواس المنخرط في صفوفها، موضحا أن الرابط المشترك بينها كونها تمت عبر صاروخ كورنيت الروسي المطور من طراز Kornet-EM 9M133FM-3.
وتعد حادثة استهداف حقل قرية الزقوم، واحدة من بين 35 عملية تمت عبر النسخة المطورة التي بدأ استخدامها في قرى وبلدات ناحية الزيارة (تقسيم إداري يشمل 23 قرية) بسهل الغاب، خلال الفترة الممتدة بين 8 ديسمبر الماضي وحتى 19 سبتمبر/أيلول 2021، وراح ضحيتها 7 مدنيين، وأصيب 14 شخصا بينهم 3 أطفال، وتسببت باحتراق 14 مركبة مدنية، بحسب رصد مركز الدفاع المدني في قسطون (غربي حماة) التابع للمديرية الجنوبية للدفاع المدني.
ويتميز الطراز الجديد بقدرته على استهداف هدفين في آن واحد واستخدام عدد يبدأ من مقذوفين إلى أربعة، بفضل إمكانية تثبيت النظام على مركبة، كما أن له قدرة انفجار كبيرة عند الارتطام بالهدف تفوق قدرة الطراز الأقدم، بفضل نظام التحكم عبر شعاع الليزر، في حين أن الإصدار الأقدم الذي رصدت فصائل المعارضة استخدامه في سورية عام 2018 يتكون من قذيفة واحدة تثبت على حامل ثلاثي لإطلاقه، بحسب توضيح شامل الأحمد، الضابط المنشق عن الفرقة التاسعة في قوات النظام السوري.
تزايد مدى الصواريخ
فوجئت فصائل من المعارضة السورية بازدياد مدى وصول صواريخ كورنيت المستخدمة ضد المدنيين في سهل الغاب من 5 كيلومترات إلى 10 كيلومترات، عند قرية زيزون القديمة بريف حماة في 30 ديسمبر الماضي، ونتج عن القصف تدمير سيارة مزارع، ويؤكد الرائد مواس، الذي رصد حطام الصاروخ لأول مرة حين استهدف آلية زراعية في حقل بتاريخ 8 ديسمبر الماضي غرب قرية القرقور التابعة لناحية الزيارة، والتي تبعد 8 كيلومترات عن موقع تمركز قوات النظام والقوات الروسية منذ عام 2015 في قرية جب الأحمر الواقعة ضمن سلسلة جبال اللاذقية وإلى شرقها جبل الساروت المطلّ على سهل الغاب في ريف حماة الشمالي، ليتبين له أن الرقم التسلسلي 9M133FM-3 الموجود على بقايا الصاروخ، يختلف عن النوع السابق، وهو ما وثقته "العربي الجديد" عبر صور متعددة لوقائع قصف مختلفة تمت عبر الصاروخ وكلها جرى من خلالها استهداف المدنيين عبر النوع المطور، بالإضافة إلى قاعدة بيانات معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام "Sipri" والتي تثبت أن سورية كانت قد تسلمت من روسيا 200 صاروخ كورنيت من نوع SAM (نظام التحكم شبه الأوتوماتيكي) كمساعدات عام 2018، بينما في عام 2020 تسلمت 100 صاروخ كورنيت مضاد للدبابات من طراز 9M133FM-3، وهو الصاروخ الأحدث من إصدارات Kornet-EM وفقا لبيانات منظمة (AOAV) Action on Armed Violence البحثية.
قتل 7 مدنيين وأصيب 14 بينهم أطفال بواسطة صاروخ كورنيت المطور
ويتم إنتاج نظام Kornet في ثلاثة إصدارات، يأتي الأول Kornet-E كنظام صاروخ موجه مضاد للدبابات (ATGM) محمول يديره شخصان ويثبت على حامل ثلاثي، والثاني Kornet-EM يمكن تثبيته على حامل ثلاثي أو فوق مركبة، والثالث Quartet/Kornet-M ويشار إليه باسم الرباعية ويأتي كمنصة متكاملة مثبتة على مركبة مدرعة خفيفة أو ناقلات جند مدرعة، بحسب بيانات منظمة AOAV، والتي زودت بها الجريدة عبر رد مكتوب.
ويتميز Kornet-EM بعمله وفقا لمبدأ "fire and forget"، (أطلق وانس - نظام توجيه ذاتي)، وهذه الميزات تظهر في الإصدارات الأحدث والمركّبة من طرازات Kornet-EM، والذي يندرج ضمنها الصاروخ 9M133FM-3، وما يميزه مدى الوصول الأكبر، ويبلغ حجم المادة المتفجرة فيه 7 كيلوغرامات أما وزنه فيصل إلى 33 كيلوغراما، وطوله 1.21 متر بالحاوية، ويعدّ الفارق الأبرز بين هذا الطراز والأقدم هو مدى إصابة الهدف وطريقة التوجيه.
وتتحقق القوات الروسية من إصابة الأهداف بعد إطلاق كل صاروخ بواسطة الطائرات المسيرة التي تجوب سماء سهل الغاب بلا انقطاع منذ تدخل روسيا بسورية، حيث ساهمت طائرات الاستطلاع الروسية برصد كل التحركات في مناطق المعارضة، بحسب مواس، قائلا أن المعارضة السورية أسقطت عدة طائرات استطلاع روسية كان آخرها في قرية الرويحة جنوب إدلب بتاريخ 7 فبراير/شباط 2021 من طراز "أورلان-10" Orlan-10 (طائرة مسيرة متوسطة المدى)، سبقها إسقاط أخرى في قرية خربة الناقوس التابعة لناحية الزيارة في محافظة حماة يوم 2 فبراير/شباط الماضي.
المدنيون ضحايا الأسلحة المطورة
"تجرب القوات الروسية أحدث الأسلحة التي تمتلكها البلاد من أجل اختبار قدرتها، داخل الأراضي السورية"، بحسب ما أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع لجنة التعاون العسكري التقني في 10 إبريل/ نيسان 2020 مشيرا إلى أن الأسلحة الروسية أثبتت فاعليتها خلال العمليات التي نفذها جيش بلاده ضد "الإرهابيين" في سورية.
لكن "العربي الجديد" تثبت عبر تتبع حوادث إطلاق صاروخ كورنيت المطور أن القوات السورية والروسية المتواجدة غرب حماة تعمد إلى استخدام التقنيات والأسلحة المطورة على المدنيين السوريين.
وتثبت بيانات منظمة AOAV التي زودت "العربي الجديد" بها أن الصواريخ الروسية نالت من مدنيين في سورية ولم يكن استخدامها محصورا في مواجهة المقاتلين، إذ وثقت 11 هجوما صاروخيا استهدفت مدنيين تركزت في حماة وإدلب، وكان آخر ما وثقته المنظمة مقتل مدني وإصابة اثنين في قصف صاروخي روسي على إدلب في 21 مارس/آذار عام 2021، وفي 19 إبريل/نيسان عام 2021 قتل مدني وأصيب آخر بقصف صاروخي من طائرة روسية مسيّرة في حماة، وفي الأول من فبراير/شباط عام 2020 قتل مدني في هجوم صاروخي روسي بحلب.
320 نوعا من الأسلحة الروسية تم تجريبها في سورية
ويشكل تجريب الأسلحة على المدنيين انتهاكا للقانون الدولي الإنساني الذي يلزم أطراف النزاع بحماية الأعيان المدنية، إذ تنص المادة 3 في اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب على أن يعامل معاملة إنسانية كل الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، ويُحظر الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب.
لكن روسيا وقوات النظام يضربان بقواعد الحرب عرض الحائط بحسب اللواء المتقاعد من القوات المسلحة الأردنية فايز الدويري، والذي يؤكد أن الأسلحة الروسية التي يجري استعراضها في معارض الأسلحة يتم التباهي بكونها جربت في سورية.
ويؤكد ذلك ما أعلنه وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو في يناير/كانون الثاني 2019 من أن بلاده اختبرت 320 نوعا من الأسلحة في سورية، ما أسهم في رفع المبيعات الروسية بزيادة بلغت 102% بفضل إثبات قدرتها في سورية.
وبلغت الصادرات الروسية من الصواريخ بجميع أنواعها 4326 صاروخا بين عامي 2015 و2020، وصدرت موسكو 780 صاروخا في عام 2018، و711 صاروخا عام 2019، و386 صاروخا عام 2020. وفقا لقاعدة بيانات "Sipri".
تجويع ممنهج
شهدت ناحية الزيارة في سهل الغاب عودة 500 عائلة من مخيمات النزوح إلى حقولها العام الماضي لاستغلال الفترة الممتدة بين شهري ديسمبر ومارس، (الأمثل للزراعة)، بحسب أنس العبد أحد السكان والذي ينشط في توثيق الانتهاكات بحق المدنيين في الشمال السوري، لكن عمليات الاستهداف الأخيرة والتي طاولت مزارعين على عمق 10 كيلومترات أجبرت 250 عائلة على العودة إلى مخيمات النزوح في الشمال السوري، على الحدود السورية التركية ومنها مخيمات أطمة والكرامة والصفصافة، فارّين من الموت بالصواريخ الروسية المطورة.
ووصلت مساحة الأراضي المزروعة في ناحية الزيارة العام الحالي إلى 38000 دونم (الدونم يعادل 1000 متر)، بحسب أحمد الخلف الموظف في قسم زراعة الغاب بحكومة الإنقاذ، قائلا أن محاصيل القمح وحبة البركة تشكل 60% من المزروعات، بينما تشكل الخضروات المبكرة والموسمية والبقوليات 40%، إذ يعدّ سهل الغاب سلة زراعية رئيسية لإمداد أسواق الشمال السوري بالمحاصيل المختلفة، وبأسعار تقل 50% عن مثيلاتها القادمة من خارجه ما يتلاءم مع القدرة الشرائية للسكان، في حين أن القمح الذي يصل متوسط إنتاجه 400 كيلوغرام قمح للدونم، من شأنه دعم مخزون الدقيق وتصنيع الخبز بأفران شمال غرب سورية وتقليل عمليات الاستيراد، إلا أن نظام الأسد مستمر بسياسة التهجير والتجويع من خلال استهداف المزارعين، ما أدى إلى هروبهم تاركين حقولهم الزراعية بعد أن تكبدوا مبالغ كبيرة لتهيئتها وزراعتها، كما يقول الخلف.
لكن عشرات العائلات التي لا تملك خيارا آخر، لجأت إلى العمل تحت جنح الظلام حتى لا تموت من الجوع وتجد رغيف الخبز، ومنهم عائلة خالد أبوعبدو الذي يملك 16 دونما يزرعها بالخضروات المبكرة والموسمية، إذ يقطع ليلا بواسطة سيارته 4 كيلومترات من قرية الزيادية إلى قرية زيزون دون إشعال أي ضوء من أجل سقاية محصوله والمغادرة بسرعة خوفا من الصواريخ.
إصابات محكمة لأهداف بعيدة
يقول الرائد مواس إن نظام الأسد وحليفه الروسي اعتمدوا على ضرب المدنيين في مناطق المعارضة بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة الأرضية والجوية، بهدف إيجاد شرخ بين المدنيين وفصائل المعارضة ساعيا من خلال هذه السياسة إلى إقناع المدنيين بأن وجود فصائل معارضة بمناطقهم هو سبب القصف والموت، وهذا هدف استراتيجي عمل عليه نظام الأسد منذ التدخل الروسي، ومن ناحية أخرى فإن أسلحة المدفعية والدبابات غير قادرة على تحقيق إصابات محكمة لأهداف بعيدة ولا حتى راجمات الصواريخ، إذ لا تستطيع الأسلحة التقليدية اصطياد سيارة على بعد 10 كيلو مترا، في حين تعتمد تقنية صواريخ كورنيت على مبدأ "اضرب وانسى"، بواسطة التوجيه الذاتي ما يؤكد دقة الإصابة.
وتؤكد منظمة AOAV أن بيع روسيا أنظمة (Anti-tank guided missile)، ATGM مثل Kornet وغيرها من الأسلحة منح موسكو نفوذا كبيرا، ومن ذلك إقامة منشآت بحرية روسية دائمة في طرطوس واللاذقية.ويعد النفوذ الروسي المتزايد في المنطقة ساحة إعلانية لصادرات موسكو من الأسلحة، عبر إظهار قدرة كبيرة وواضحة لأسلحة متينة ذات تكلفة محدودة من خلال عملياتها في سورية وفق ما تقوله منظمة AOAV، ما دفع نائب وزير الدفاع الروسي يوري بوريسوف للإعلان في أغسطس 2017 أن "العملاء بدأوا يصطفون للحصول على الأسلحة التي أثبتت وجودها في سورية".