استمع إلى الملخص
- تتراوح أعداد مقاتلي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بين 4,000 و6,000، بينما يقدر عدد مقاتلي "داعش" بين 2,000 و4,000، وتعتمد هذه الجماعات على استراتيجيات تمويل متعددة مثل التعدين والاختطاف.
- تسببت العمليات الإرهابية في تداعيات إنسانية خطيرة، مع ارتفاع عدد الوفيات إلى 11,643 شخصاً في 2023 ونزوح ملايين الأشخاص، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني.
تتوسع رقعة الحرب في مالي وبوركينا فاسو، إذ تخوض الجماعات الإرهابية صراعاً للتمدد في دول الساحل ونهب مواردها الثمينة. وفي المقابل، لم يتمكن جيشا البلدين من القضاء على "داعش" و"القاعدة" اللذين يجذبان المزيد من الأنصار.
- عاش الأربعيني المالي، سيدي أغ توخا، أياماً صعبة قبل هروبه مع عائلته من بلدة تلاتايت شمالي بلاده في منتصف العام الماضي، بعد تفاقم القتال بين عناصر تنظيم الدولة الإسلامية - فرع الصحراء الكبرى - ومقاتلي حركة إنقاذ أزواد (انفصالية تنشط شماليّ البلاد)، تاركاً وراءه كل ما يملك، المنزل والأرض والماشية، كما يقول لـ"العربي الجديد" بحسرة: "نعيش في مخيم على أطراف مدينة غاو شمالي مالي. صحيح أنه ملاذ آمن بعض الشيء، لكن الحياة صعبة".
ويشن عناصر "داعش" هجمات مستمرة على القوات الحكومية، في محاولة للتوسع شرقي مالي، حيث يتنافس التنظيم الذي أُسس في غرب أفريقيا منتصف مايو/أيار 2015 مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، وكل تلك التنظيمات تبحث عن مزيد من النفوذ في كل من مالي وبوركينا فاسو، كما يقول الباحث في المركز الأفريقي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية ACRESS (مستقل)، عثمان أودراغو، لـ"العربي الجديد"، موضحاً أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (تضم فرع إمارة الصحراء التابع لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعة "المرابطون" وجماعة أنصار الدين الإسلامية وجبهة تحرير ماسينا) تتوسع وسط وشمال مالي وشمال ووسط وجنوب غربي بوركينا فاسو وإلى الجنوب الشرقي من الحدود مع مالي وساحل العاج، بينما يتوسع "داعش" شمال شرقي مالي وولايات أودالان وسوم شمال بوركينا فاسو وسينو في الجنوب الشرقي.
يشكل تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي تأسست في مارس/آذار 2017، تهديداً متنامياً لسكان مالي، كما يقول إبراهيم ميغا، المسؤول المحلي في بلدية غابيرو Gabero بمدينة غاو، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "انتشار الأفكار المتطرفة التي يروّج لها تنظيم داعش في هذا الجزء من القارة الأفريقية، يشكل تحدياً ليس للأمن فقط، بل أيضاً للنسيج الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع في مالي والدول المجاورة".
تمدد الجماعات الإرهابية في مالي وبوركينا فاسو
تحولت مناطق غاو وكيدال وميناكا وتاودينيت وتمبكتو شمالي مالي إلى ساحة حرب بين الجماعات الإرهابية المتصارعة على الأراضي والموارد الاقتصادية، كما يقول الباحث أودراغو، موضحاً أن العنف يتركز في منطقتي موبتي وسيغو وسط مالي، ويتسع نطاقه جنوباً، خصوصاً في مناطق باماكو وكايس وكوليكورو وسيكاسو.
ما سبق يؤكده مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية (مؤسسة تابعة لوزارة الدفاع الأميركية)، الذي رصد في أغسطس/آب الماضي، تمدد عنف الجماعات المتشددة في النصف الأول من عام 2023 على مسافة 6150 كيلومتراً مربعاً من الأراضي المالية، مقارنةً بمسافة 5200 كيلومتر مربع في النصف الأول من عام 2022، كذلك فإن 60% من أراضي بوركينا فاسو أصبحت خارج سيطرة القوات المسلحة، إذ تحاصر "جماعات متشددة" ما يصل إلى 75 بلدة ومدينة، وفي مالي وصلت هذه النسبة إلى 50%، مع خروج أجزاء من وسط وجنوب مالي عن سيطرة الدولة في الأعوام الأخيرة.
تمدد عنف الجماعات المتشددة على مسافة 6150 كيلومتراً مربعاً بمالي
وما يضعف من فعالية إجراءات مكافحة الإرهاب، أن حكومة مالي تواجه صعوبات جمّة في تأمين حدودها الشاسعة البالغة 4,500 ميل، كما يشرح الأكاديمي مبروك كاهي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة ورقلة الجزائرية، الذي قال لـ"العربي الجديد" إن المجلسين العسكريين الحاكمين في مالي وبوركينا فاسو لم يتمكنا من إضعاف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أو تنظيم الدولة الإسلامية، خصوصاً مع تقويض الدعم الدولي لمكافحة الإرهاب، إذ أعلن الاتحاد الأوروبي في إبريل/ نيسان 2022، تعليق عمل بعثة بناء القدرات التي بدأت في إبريل 2014، بهدف تدريب القوات المسلحة في مالي، وبعدها انسحبت مالي في منتصف مايو 2022، من مجموعة دول الساحل الخمس وضمت إلى جانبها موريتانيا وتشاد وبوركينافاسو والنيجر، وكذلك من قواتها العسكرية المكلفة بمكافحة الإرهاب (مكونة من خمسة آلاف فرد)، كذلك أعلنت الأمم المتحدة سحب قوات حفظ السلام (يبلغ قوامها 15 ألف فرد) التابعة لها من مالي، بعد طلب باماكو الأمر، وفق تصريحات رئيس بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي (مينوسما)، القاسم وان، وكل ذلك أدى إلى تعقيد الوضع في مالي وصعّب من قدرتها على مواجهة جماعة نصرة الإسلام وتنظيم داعش، كما يقول الأكاديمي محمد أغ إسماعيل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باماكو، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن مالي وبوركينا فاسو تعانيان ضعفاً في المؤسسات الأمنية، ما يقلل من كفاءة العمليات العسكرية والاستخباراتية ضد الجماعات الإرهابية.
حجم القوة الضاربة
يراوح قوام جماعة نصرة الإسلام بين أربعة آلاف وستة آلاف مقاتل ينتمون إلى دول مالي وبوركينا فاسو والنيجر. كذلك يراوح قوام تنظيم داعش بين ألفين وأربعة آلاف مقاتل، أغلبهم من النيجر وبوركينا فاسو ومالي والصحراء الغربية، وفق ما يوضحه الباحث أودراغو، بينما جاء في تقرير "الإرهاب في منطقة الساحل: حقائق وأرقام"، الصادر عن التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب (مكون من 46 دولة عربية وإسلامية بقيادة السعودية) في إبريل 2021، أن "وزارة الدفاع الأميركية قدرت في إبريل 2018، عدد تنظيم داعش في غرب أفريقيا بـ 3.500 فرد، فيما ترفع جهات أخرى العدد إلى خمسة آلاف فرد، ينحدر أكثرهم من منطقة شمال شرقي نيجيريا والمناطق المجاورة، ويمتد نشاطه إلى نحو 800 كيلومتر على طول المنطقة الحدودية الشرقية لمالي والمنطقة الغربية للنيجر، إضافة إلى 600 كيلومتر على طول الحدود الشرقية لبوركينا فاسو والنيجر". وبحسب التقرير، فإن عدد أفراد جماعة نصرة الإسلام، حتى سبتمبر/أيلول 2018 كان ما بين ألف وألفي فرد، أكثرهم من قبائل الفلاني، ينشطون في مالي مع تنفيذ عمليات في بوركينا فاسو والنيجر".
وبلغ متوسط الهجمات التي قادتها التنظيمات الإرهابية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر 69 هجوماً في الشهر، بحسب التقرير ذاته، الذي أوضح أن "جماعة نصرة الإسلام حلت في المرتبة الأولى لأكثر الجماعات نشاطاً بمتوسط 40 هجوماً في الشهر".
يراوح قوام جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بين 4 آلاف و6 آلاف مقاتل
وتقع أغلب هجمات جماعة نصرة الإسلام في مناطق نائية بمالي وبوركينا فاسو ولا تستطيع القوات الحكومية الوصول إليها، مثل ولاية سوم شمالي بوركينا فاسو وبلدات لرنب ورازلما ونيورو غربي مالي ونمبالا وجورا في الوسط، كما يقول الأكاديمي إسماعيل، مضيفاً أن الجماعة تستخدم المحمية الطبيعية (ثمانية آلاف كيلومتر مربع) الواقعة بمحاذاة الحدود بين النيجر وبوركينا فاسو وبنين ملجأً للاختباء وتجهيز الهجمات على جيوش دول منطقة الساحل، والتوسع في غرب القارة الأفريقية.
تعتمد جماعة نصرة الإسلام على الوصول إلى نقاط عسكرية حكومية ومناطق حساسة والاستيلاء على أسلحة وعتاد تلك القوات، كما يقول الخبير الموريتاني في الشؤون الأفريقية، سلطان البان، مضيفاً أنها الأكثر شراسة وخطورة، ويستدل على ذلك بالهجوم الذي استهدف القوات البوركينية في بلدة باغسالوغو شرقي البلاد في 26 أغسطس 2024، إذ استولت على آليتين و12 كلاشنيكوف و14 دراجة نارية وسلاح دوشكا (رشاش سوفييتي ثقيل مضاد للطائرات).
تمويل هائل واختراق للمجتمعات المحلية
تسللت جماعة نصرة الإسلام إلى المجتمعات المحلية، إذ تقدم نفسها على أنها حامية للمظلومين، وتستغل القضايا الاجتماعية والاقتصادية مثل البطالة والفقر، مع تقديم الدعم المالي والمساعدات الغذائية لكسب ود السكان المحليين وتأييدهم، كما يقول الأكاديمي إسماعيل.
ساعدها في ذلك تعدد مصادر التمويل في المنطقة، إذ "تسيطر على مواقع تعدين في كل من مالي وبوركينا فاسو، ومنها منجم الذهب نباو جنوب غربي غاو شمالي مالي على الحدود مع بوركينا فاسو، حيث يعمل فيه حوالى ألفي عامل"، بحسب تقرير المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (منظمة مستقلة في جنيف)، والصادر بعنوان "الجماعات المسلحة غير الحكومية والاقتصادات غير المشروعة في غرب أفريقيا: جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، مبيناً أن مواقع التعدين تحقق أغراضاً متعددة للجماعة، ومنها أنها مراكز للتجنيد ومناطق لوجستية توفر سهولة الوصول إلى المكونات والمواد الأولية للعبوات المتفجرة، ومواقع مثالية لتخزين الأسلحة.
"قُدرت الإيرادات السنوية للجماعة ما بين 18 و35 مليون دولار أميركي، ويمثل الاختطاف مقابل الفدية 40% من تمويل الجماعة"، حسب التقرير ذاته الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2023، موضحاً أن "عدد حوادث الاختطاف التي قامت بها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في بوركينا فاسو، ارتفع من ثماني حوادث في عام 2017، ووصل إلى 262 في عام 2021 ثم إلى 222 حادثة في عام 2022، وتراوح قيمة فدية المختطف من فئة صغار التجار أو أصحاب المحلات ما بين 500 و1500 دولار أميركي، ورجل الأعمال حوالى 3.500 دولار، ويصل المبلغ حتى خمسة آلاف دولار، فيما يدفع تجار وملاك المواشي والعاملون في مجال تعدين الذهب حوالى 13.500 دولار، كذلك يُدفع عن الأفراد المرتبطين بالدولة، مثل المسؤولين، مبالغ تصل إلى 22 ألف دولار". وبالإضافة إلى ذلك، يوضح التقرير أن "الجماعة تكسب شهرياً من إعادة بيع الماشية المسروقة ما بين 25 و30 مليون فرنك (ما بين 42 ألفاً و50 ألف دولار)".
توازياً مع ذلك، يحقق تنظيم الدولة الإسلامية مبالغ مشابهة بحكم استخدامه للأسلوب نفسه في تمويل عملياته الإرهابية، وفق ما يؤكده لـ"العربي الجديد"، مسؤول الدراسات والتدريب في مرصد مكافحة التطرف العنيف التابع للجنة الوطنية لحقوق الإنسان في مالي (حكومية)، يوسف جاورا.
تداعيات إنسانية
تعاني المجتمعات المحلية في مالي وبوركينافاسو انعدام الأمن والاستقرار وصعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية كما يعيش السكان هناك في حالة من الخوف والقلق الدائم بسبب العنف وسلب ممتلكاتهم، ما أجبرهم على الفرار خشية من الموت، وفق البيان.
وبلغ "عدد الوفيات المرتبطة بعمليات الجماعات المتشددة في منطقة الساحل 11 ألفاً و643 شخصاً في عام 2023، بزيادة ثلاثة أضعاف عن عام 2020، عندما وقع أول انقلاب عسكري في المنطقة (أطاح قادة عسكريون بزعامة أسيمي غويتا برئيس مالي إبراهيم أبو بكر كيتا في أغسطس 2020)، والذي تم تبريره ظاهرياً على أساس انعدام الأمن"، بحسب تقرير "الوفيات المرتبطة بعنف الجماعات المتشددة في أفريقيا تستمر في التصاعد"، الصادر عن مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية في الخامس من مارس 2024، موضحاً أن "الزيادة في عدد القتلى ترتبط بجماعة نصرة الإسلام والمسلمين بنسبة 67% من الوفيات المبلغ عنها، إذ وصل عددها في عام 2023 إلى 9.195 وفاة، مقابل 5.499 وفاة في عام 2022". فيما بلغ "عدد الوفيات المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية 2.448 في عام 2023". حسب التقرير ذاته.
وأثرت العمليات الإرهابية على حياة السكان، إذ تفاقمت الأوضاع المعيشية وزاد مستوى الفقر والبطالة، كما عرقل العنف المتكرر التنمية الاقتصادية مما يزيد من الفجوة بين السكان والتنمية، كما يوضح الأكاديمي إسماعيل، قائلاً إن انتشار الجماعات المتطرفة أدى إلى تهجير ونزوح الآلاف من السكان، وبلغ "عدد النازحين في بوركينا فاسو ومالي والنيجر ونيجيريا إبريل الماضي ستة ملايين و200 ألف نازح، وفق بيانات الأمم المتحدة الصادرة في يوليو/تموز 2024، والتي لفتت إلى أن "عدد اللاجئين وطالبي اللجوء في بوركينا فاسو ومالي والنيجر ونيجيريا وصل في الفترة نفسها إلى 630 ألف لاجئ، بالإضافة إلى 127 ألف لاجئ في موريتانيا و120 ألف في بنين وكوت ديفوار وغانا وتوغو".
وبينما تستمر المواجهات العسكرية وتزداد، بين القوات الحكومية و"داعش" و"القاعدة"، تتضاءل فرص عودة سيدي أغ توخا إلى قريته، التي يشتاق إليها بكل تفاصيل حياته البسيطة، إذ أصبح الرجوع للبيت حلماً تباعده الحرب كلما توسعت رقعتها.