يكشف تحقيق "العربي الجديد" انتشاراً واسعاً لاستخدام الهرمونات بين رواد النوادي الرياضية في الأردن، على الرغم مما تخلفه من أضرار صحية على رأسها العقم وتراجع القدرات الجنسية.
-فقد الثلاثيني الأردني هيثم الحرباوي (اسم مستعار بناء على طلبه) القدرة على الإنجاب نتيجة لحقن نفسه بالسترويدات (مركبات كيميائية يتم تصنيعها لتكون مثل الهرمونات الطبيعية في الجسم، وتأتي على شكل حقن وأدوية) في أحد النوادي الرياضية بعمان، إذ بدأ يشعر بعد سبعة أشهر من استخدامه الحقن الهرمونية بتراجع قدرته الجنسية، وهو ما كان صادماً بالنسبة للحرباوي وزوجته، على حدّ وصفهما، لأنهما فشلا في إنجاب طفل ثالث نتيجة انخفاض أعداد الحيوانات المنوية عن القيمة الطبيعية وهي 15 مليون حيوان منوي في الملليلتر، بينما يظهر الفحص المخبري الذي أجراه الحرباوي في 26 مايو/أيار الماضي أن العدد لديه 8 ملايين حيوان منوي.
ويخفّض عدد الحيوانات المنوية من مرات الإصابة التي يخصِّب فيها أحدها البويضة لينتج الحمل، وفق توضيح الدكتور بهاء الرضاونة، استشاري جراحة الكلى والمسالك البولية والضعف الجنسي والعقم عند الرجال، والذي أطلعته معدة التحقيق على نتيجة فحص الحرباوي.
هرمون يتسبب في العقم
تعدّ حالة الحرباوي جزءاً مما رصده الطبيب الرضاونة من خلال عمله في عيادته بشأن شيوع مشاكل العقم أو انعدام الحيوانات المنوية أو ضعفها لدى مستخدمي حقن الهرمون الذكري "التستوستيرون"، والمعروف تجاريا بأسماء أخرى مثل "ديكا وتيستا" لفترة من الزمن بحثاً عن بناء عضلات وأجساد جذابة.
ووصل الرضاونة لهذه النتيجة بعد مراجعة تقارير مرضاه وخاصة الذين تراجعت قدرتهم على الإنجاب بعد أن كانت أمورهم طبيعية، ليجد أن هؤلاء كانوا من رواد النوادي الرياضية ودأبوا على استخدام الهرمونات، مؤكداً أن "المشكلة ليست في النادي وإنما في استخدم الحقن الهرمونية بعد الانضمام للنوادي".
ووفق تقديراته، فإن "50% ممن يزورن عيادته لأنهم يعانون من مشاكل جنسية أوعقم، كانوا ممن يستخدمون الهرمونات الصناعية".
وتتمثل مشكلة الهرمون الذكري "التستوستيرون" بأنه يعطل عمل الهرمونات الطبيعية داخل الجسم ما يؤدي إلى تعطيل إنتاج الحيوانات المنوية وانعدامها بما يسمى"Azoospermia" أو فقد النطاف، وبالتالي تؤثر على قدرة الرجل الجنسية والإنجابية، وصولاً إلى العقم الذي غالباً ما يكون أبدياً ويصعب علاجه. وفق الرضاونة.
ولا يقتصر الضرر على الضعف الجنسي أو العقم، إنما تسبب هذه الهرمونات الشعور بالغضب والعدوانية، وكذلك النوبات القلبية وأمراض القلب والسكتات الدماغية، بحسب رئيسة القسم العلمي في المنظمة الأردنية لمكافحة المنشطات كفاح طه، مشيرة إلى أن عامي 2013 و2014 شهدا تسجيل 14 وفاة لشبان نتيجة استخدامهم السترويدات في أندية رياضية في الأردن، ورصدت المنظمة ذلك حينئذ خلال حملة توعوية نظمتها حول مخاطر المنشطات والهرمونات، لكنها لا تمتلك إحصائيات أحدث لأنها تراقب وتفحص اللاعبين الرياضيين في النوادي التابعة للاتحادات الرسمية فقط، مؤكدة أنه يتم إجراء فحوص عشوائية للاعبين وتظهر حالات إيجابية كل عام، ويتم معاقبتهم بإيقافهم عن اللعب من عامين إلى أربعة أعوام، إذ سجلت العام الماضي، 4 حالات إيجابية لتعاطي لاعبين للمنشطات ومن بينها الهرمونات الابتنائية كهرمون "التستوستيرون" ، وكذلك سجلت 4 حالات عام 2019.
دوْر النوادي الرياضية
حصل الثلاثيني عديّ المعاني على حقن هرمون "تستوستيرون" الذكري من مدرب في ناد رياضي بمنطقة المدينة الرياضية في عمان والذي سجل فيه للحصول على جسم ضخم ومثالي، ومن خلال ذلك المدرب تعرف على أشخاص يؤمنون هذه الهرمونات عبر تهريبها، وكان يبتاع العلبة الواحدة بسعر يتراوح بين 50-75 ديناراً (بين 70 إلى 106 دولارات)، مرجعاً اختلاف الثمن من بائع إلى آخر إلى النوع ومزاجية البائع أيضا، موضحا أنه كان يحقنها مرتين في الأسبوع، لكن تردي حالته الصحية بعد 5 أشهر من الاستخدام دفعه للتوقف رغم أن وزنه ازداد 15 كيلو غراما في تلك الفترة، وفق قوله، وكانت بداية الأعراض شعوره بالآم شديدة في الكلى، وتراجع قدرته الجنسية بشكل ملحوظ، ما دفعه إلى مراجعة طبيب متخصص بالمسالك البولية والكلى وأمراض العقم، وبعد إجراء جملة من الفحوص تبين أن السترويدات تسببت في آلام الكلى وارتفاع إنزيمات الكبد لديه.
ويبين عايد خليل، مالك ناد رياضي في العاصمة، أن الشبان يبدأون باستخدام هذه المواد فعليا بعد ارتيادهم للنوادي، إلا أن الأمر لا يحدث داخل النوادي وإنما خارج المنشأة كلها في أغلب الأحيان، وخوفا من تعرض أصحاب النوادي لأي مساءلة فإنهم، يمنعون استخدامها داخل صالات التدريب على حدّ قوله. لافتاً إلى أن المتدرب أو اللاعب نفسه يطلب من المدرب تأمين تلك الهرمونات والذي بدوره يرشده إلى المصدر الذي يستطيع الشراء منه، ويؤكد أن هناك أنواعا عديدة تباع في السوق السوداء بعد إدخالها للبلد من دول المنشأ وغالبيتها تأتي من مصر وإيران وروسيا، وأبرزها ديكا، تيستا وهي مشتقة من الهرمون الذكري تستوستيرون، ترينبولون trenbolone وهي أيضا سترويدات ابتنائية لزيادة نمو العضلات والشهية وأقوى من التستوستيرون، و بريموبولان ديبوت Primobola الذي يسبب انخفاضاً في معدل هرمون التستوتستيرون في الدم ويؤثر على صحة الخصيتين، بالإضافة إلى بولدينون Boldenone وهو منشط الذكورة ومشتق اصطناعي من هرمون التستوستيرون، وتم تطويره للاستخدام البيطري لكنه أصبح شائعاً بين الرياضيين لتعزيز الأداء رغم تصنيفه كمادة محظورة من قبل الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات (WADA)، لما له من مخاطر ظهرت في الدراسات التي أجريت على الحيوانات، إذ يتسبب بانخفاض إنتاج هرمون التستوستيرون لدى الرجال ما يلحق ضرراً كبيراً بالجهاز التناسلي وخصوبة الذكور، بما في ذلك انخفاض حجم الخصيتين، وانخفاض عدد الحيوانات المنوية وحركتها، كما تم تصنيفه على أنه مادة مسرطنة للإنسان من قبل الوكالة الدولية لأبحاث السرطان. بحسب مقال منشور على وكالة مكافحة المنشطات الأميركية USADA في 9 إبريل/نيسان 2020.
ويرى خليل أن أخذ الهرمونات بالطريقة الصحيحة لا يضر بالصحة قائلاً: "لم أسمع أن أحداً يعرف كيف يأخذها بالطريقة الصحيحة ومتى يريح جسمه و ينظفه وقد عانى من العقم، إلا أن بعض اللاعبين أخذوه بشكل سيئ وتسببت لهم بمشاكل في الكلى والهرمونات". مضيفاً أنه لا يتم أخذ النتيجة المرجوة إلا في حال الالتزام بالأكل والنوم والتمرينات، وفي حال الالتزام يبدأ الجسم يأخذ الشكل المطلوب بعد الأسبوع الثالث من الاستخدام.
المشكلة الحقيقية تتمثل في إقناع الشباب بأن هذه الحقن لا تضر ويمكن أن تخرج من الجسم بسهولة
ما سبق يعتبره الرضاونة خطراً لأن: "المشكلة الحقيقية تتمثل في إقناع الشباب بأن هذه الحقن لا تضر ويمكن أن تخرج من الجسم بسهولة، إلا أن هذا الأمر غير صحيح لأن ما يحصل جراء استخدامها هو ضرر في خلايا إنتاج الحيوانات المنوية في الخصية". وهو ما تؤكده جمعية الغدد الصماء في دليل أعدته ومنظمة IPEN للقضاء على الملوثات بعنوان "المواد الكيميائية المسببة لاختلال الغدد الصماء" في ديسمبر/كانون الأول 2014، بأن المواد الكيميائية تشوش على الغدد الصماء عن طريق محاكاة هرمون طبيعي أو تثبيطه. وفي حالة محاكاة الهرمون، يمكن للمواد الكيميائية خداع المستقبلات الهرمونية وجعلها تظن أن المواد الكيميائية هي هرمونات، وهذه يمكنها تفعيل المستقبلات بطريقة غير مناسبة، وتحفّز العمليات التي لا تنشط عادة إلا بفعل هرمون طبيعي، وفي حالة مثبطات الهرمون، يمكن لإحدى المواد ربط نفسها بمستقبلات هرمونية، ولكن في هذه الحالة، يتم تثبيط المستقبلات ولا يمكن تفعيلها، حتى لو كان الهرمون الطبيعي موجوداً، وأفضل مثال على ذلك هو اضطراب هرمون الأستروجين في الغدد الصماء، إذ يمتلك الذكور والإناث مستقبلات الأستروجين ERs الموجودة في العديد من الخلايا كالدماغ والعظام وأنسجة الأوعية الدموية، والأنسجة التناسلية، وهو ذو دور هام في عملية الإنجاب لدى الإناث والذكور، والطبيعي أن يمارس عمله بعد إطلاقه من الغدد التناسلية (المبيضين في الإناث أو الخصيتين في الذكور). ومستقبلات الأندروجينات أيضاً يتم تثبيطها بواسطة المواد الكيميائية المسببة لاختلال الغدد الصماء مثل التستوستيرون، والبروجيسترون، والهرمونات الدرقية، لذلك يمكن للمواد الكيميائية تلك إحداث عواقب واسعة النطاق على العمليات البيولوجية التي تتحكم فيها الغدد الصماء.
سوء الاستخدام
يميز الدكتور نزار مهيدات مدير المؤسسة العامة للغذاء والدواء بين استخدام السترويدات لتضخيم الجسد أو استخدامها لأغراض طبية لمساعدة الأعضاء الجسدية والأنسجة والخلايا على أداء وظائفها، وذلك بإعطاء الجسم كميات متوازنة من هذه المواد للنمو وتمكين المرأة من الإنجاب، وتكون هذه الستيرويدات عبارة عن أدوية مصنعة، ويضيف أن النوعين الأكثر شيوعا منها هما الستيرويدات القشرية، وهي التي تستخدم لخفض شدة الالتهاب في الجسم، وتُنقِصُ من قدرة مكافحة العدوى من خلال تثبيط الالتهاب، وبسبب هذا الأثر الجانبي، يَجرِي استعمالها بحذرٍ شديد لأن الاستعمال الفموي والوريدي قد يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدَم والإصابة بفشل القلب وداء السكَّري والقرحة الهضمية وهشاشة العظام. وبالتالي، ينبغي أن يكون استعمالها مقتصراً على الحالات التي تكون فيها فائدة استعمالها أكبر من مخاطرها. أما الستيرويدات الابتنائية هي هرمُونات تعزز نمو العضلات وتزيد من القوَّة والطاقة ومكونها الأساسي هرمون التستوستيرون والعقاقير ذات الصلة وهناك Deca-Durabolin وTestosterone مسجلان في الأردن كدواء، ويصرفان بوصفة طبية فقط. وتُسهم الستيرويدات الابتنائيَّة في تعزيز نمو العضلات وزيادة القوة والطاقة، ولذلك يجري غالباً استخدامها بشكلٍ غير شرعيّ من قبل الرياضيين للتفوق على المتنافسين في الرياضة. مثل لاعبي كرة القدم والمصارعين ورافعي الأوزان، لكنه يؤكد أن العديد من الرياضيين يسيؤون استخدام السترويدات الابتنائية ويركزون على هدفهم بتعزيز قوة العضلات وتحسين الأداء الرياضي متجاهلين الآثار الجانبية لها.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه مهيدات أنه لم يتم توثيق أي مخالفة بحق صيدليات تبيع الهرمونات وبروتينات كمال الأجسام بدون وصفة طبية، وثقت معدة التحقيق سهولة الحصول على هذه الأدوية الهرمونية من 3 صيدليات بعمان والزرقاء بلا وصفة طبية، وأكدت لها صيدلانية في واحدة من الصيدليات التي شملتها الجولة أن اللاعبين والرياضيين يمكنهم شراؤها ويحقنونها بالعضل مباشرة من أجل تضخيمها. موضحة أن Deca-Durabolin ألماني الصنع يباع بسعر 4.5 دينار (6.35 دولار)، بينما يباع التستوستيرون الألماني الصنع بـ 4.80 دنانير (6.77 دولار).
ويرد مهيدات على ما يوثقه تحقيق "العربي الجديد" حول شيوع استخدام الهرمونات بين الرياضيين بأن المؤسسة العامة للغذاء والدواء تقوم بالكشف الدوري على أماكن بيع منتجات أغذية ومنتجات الرياضيين والتأكد من إجازة جميع المنتجات المعروضة وفقا لكتاب الإجازة وبطاقة البيان الموافق عليها، وخلال جولاتها تسحب أي منتج من الأسواق يتبين وجود مادة هرمونية فيه، مع العلم أنه يمنع ترخيص أي منتج له ادعاءات دوائية أو هرمونية وتتخذ الإجراء القانوني بحق المخالفين، وتشمل هذه الإجراءات أيضا أغذية الرياضيين التي تخضع للتعليمات الصادرة من المؤسسة وللفحص المخبري حال استيرادها لبيان مدى صلاحيتها للاستهلاك البشري وخلوّها من أي مواد هرمونية ودوائية.
قصور تشريعي
تُرجع طه فوضى انتشار واستخدام الهرمونات والبروتينات الصناعية في النوادي والصالات الرياضية إلى انعدام تشريع يعاقب مستخدميها وبائعيها، قائلة أنه "لا يوجد قانون يمنع بيع تلك الهرمونات ولا تفرض العقوبات إلا على لاعبي الاتحادات الرياضية الرسمية". مضيفة أنه كان هناك مسودة لمشروع قانون لحظر المنشطات عام 2008 لكن القانون حتى اللحظة لم يتم إقراره ولا يزال في ديوان التشريع والرأي.
فوضى انتشار واستخدام الهرمونات والبروتينات الصناعية في النوادي والصالات الرياضية تعود إلى انعدام تشريع يعاقب مستخدميها وبائعيها
ولم ترصد المؤسسة العامة للغذاء والدواء عدد المرات التي صودرت فيها الهرمونات المحظورة وفق ردهم المكتوب على "العربي الجديد"، ويقول مهيدات:أنه يتم مصادرة أي من هذه المواد من الأشخاص القادمين من الخارج حيث يتم تسويقها غالبا في مراكز اللياقة وكمال الأجسام.
ورغم انتشار استخدام الهرمونات في النوادي الرياضية، أي لأغراض غير طبية، بحسب تأكيدات مصادر التحقيق من متدربين ومدربين، إلا أن مهيدات يصف "أسواق الأردن بأنها آمنة في مجال تداول منتجات وأغذية الرياضيين"، كونه لا يتم السماح باستيراد أي منتج إلا بعد دراسته من قبل لجنة مختصة تقوم بدراسة المنتج بجميع مكوناته وكل ما هو مذكور على بطاقة البيان وقد تم رفض إجازة استيراد وتداول العديد من منتجات أغذية الرياضيين.
وهذا ينسحب على الاستيراد للاستخدام الشخصي لذا فإن المؤسسة لا تسمح به إلا بعدد وكمية محددة وبعد الاطلاع على مكونات المنتجات والتأكد من مأمونيتها وعدم وجود أي مواد قد يكون لها تاثير هرموني أو دوائي. لكن الحرباوي والمعاني وخليل يؤكدون أن الهرمونات المحظورة تباع وتستخدم بحذر بمنأى عن الرقابة وحتى إدخالها يكون بطريقة غير شرعية عبر حقائب مسافرين بخاصة عبر المطارات بين الأمتعة الشخصية، وتوجه "العربي الجديد" لسؤال إدارة الجمارك الأردنية عن إجراءاتها في حال ضبط الهرمونات الصناعية المحظورة في المطارات أو المعابر الحدودوية، ويوضح عماد أبو جاموس الناطق الإعلامي باسم إدارة الجمارك الأردنية أن أي منتجات ذات صفة دوائية تضبطها الجمارك تحيل أمرها إلى "الغذاء والدواء" قبل التصرف بها، وإن كانت من المواد المحظور استخدامها من قبل المؤسسة العامة للغذاء والدواء حينها يتم إتلافها كونها غير قانونية، وتقدر قيمة الغرامة للفاعل بناء على قيمة المواد المهربة.