تفتح "العربي الجديد" ملف خطر الهرمونات والمكملات الغذائية، والتي يقبل عليها الشباب العربي بحثاً عن تكبير العضلات، حتى لو كانت عبر مواد مجهولة المكونات بعضها مهرب من إيران وأخرى حيوانية كما يكشف التحقيق الأول من الكويت.
- تدهورت صحة العشريني السوري المقيم بالكويت، خالد الفراتي، بعد استخدامه المكثف لهرمون نمو إيراني المنشأ (Growth Hormone)، بالإضافة إلى هرمون أكوابويز Equipoise وهو ستيرويد بيطري مشتق من التستوستيرون (هرمون الذكورة)، وافقت إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية FDA على استخدامه للخيول من أجل منحها قوة ونشاطا زائدا للسباق، لكن بشرط وجود وصفة من طبيب بيطري.
ودأب الفراتي والذي يعمل في مجال البناء بالكويت، ويجني 10 دنانير يوميا (33 دولارا)، على حقن نفسه منذ عام 2012 وحتى عام 2016 بالنوع الإيراني لرخص ثمنه، إذ يشتري ست علب بسعر 20 دينارا (66 دولارا)، من مدربه الهندي الذي تعرف عليه في ناد رياضي بمنطقة جليب الشيوخ جنوب غرب العاصمة، قائلا: "كنت أحقن نفسي مرتين يوميا، من أجل تحقيق حلمي في بناء وتقوية كتلة عضلات حتى أشبه لاعبي رياضة كمال الأجسام، كما وعدني المدرب".
ويعاني الفراتي من تضخم في عضلة القلب وقصور في وظائف الكلى، كما أثر الهرمون على قدرته الجنسية، ويوضح الطبيب المشرف على حالة الفراتي، أخصائي الغدد الصماء والأمراض الباطنية في مستشفى الفروانية الحكومي محمد الكندري لـ"العربي الجديد": "أن المريض يعاني من قصور في الوظائف الحيوية بسبب تعاطيه المفرط للهرمونات على يد مدربه الذي تبيّن أنه لا يحمل أي شهادة علمية متخصصة في التدريب الرياضي، واعتاد تحديد مقادير الهرمونات للمتعاطين بدون أي خبرة".
وعلى يد ذات المدرب، استخدم العامل الفيليبيني جون مالكوم، ذات الهرمونين بالإضافة إلى حقن الهرمون الذكري "تستوستيرون" من أجل زيادة الكتلة العضلية، لكنه أصيب بعقم مؤقت خلال فترة تعاطيه بين عامي 2014 و2016 كما يقول.
عشوائية الاستخدام
تدرج الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات (WADA) هرمون النمو على قائمة المواد المحظور استخدامها إلا في حال وجود مسببات مرضية مثل نقص هرمون النمو الجيني، وأمراض داخل الجمجمة، وورم في الغدة النخامية، ولدى إجراء التشعيع أو الجراحة أو النزيف في منطقة الغدة النخامية بالإضافة إلى إصابة الدماغ وكعلاج حالات نقص هرمون الغدة النخامية الأخرى. ويستند استخدامه إلى تشخيص الطبيب وتوصيته في حال كان هناك علامات على قصر القامة وتباطؤ النمو في مراحل النمو الانتقالية، بحسب ما نشرته على موقعها الإلكتروني.
و"على الرغم من أن هرمون النمو يسهم في تحفيز تخليق بروتين الكولاجين في العضلات الهيكلية والأوتار، وزيادة قوة العضلات، بالإضافة إلى زيادة كتلة الجسم النحيل، إلا أنه ليس معززا للنسيج العضلي في الأفراد الأصحاء. ومع ذلك، هناك اعتقاد راسخ بين رافعي الأثقال، بأن تعاطي هرمون النمو والتستوستيرون مع التمارين الرياضية يعزز تضخم العضلات، وعلى الرغم من أن مكملات هرمون النمو الدوائية يمكن أن تزيد من قوة العضلات أو حجمها لدى الأفراد الذين يعانون من نقص هرمون النمو السريري، إلا أنه لا يوجد دليل على أن له ذات التأثيرات لدى الأفراد الذين لديهم مستويات طبيعية من هرمون النمو". وفقا لما جاء في مقال علمي بعنوان "العمليات الابتنائية في عضلات الإنسان: هرمون النمو وهرمون التستوستيرون"، المنشورة على قاعدة البيانات للأبحاث الطبية Pubmed .
ويترتب على تعاطي الهرمونات آثار مدمرة على المديين القصير والبعيد، إذ إن طريقة عمل هذه الهرمونات هي ضخ جرعات كيميائية زائدة من مواد طبيعية موجودة في الجسم ما يؤدي إلى دفع الخلايا للعمل بشكل فوق المعتاد وإرهاق أعضاء الجسم مثل القلب والكبد والكليتين، بحسب توضيح الدكتور حازم الرميح، رئيس وحدة طب الخصوبة في مشفى الجهراء الحكومي.
ويؤدي تعاطي هرمون الأكوابويز المستخدم حيوانياً، وفق ما يقول الطبيب الكندري، إلى انتشار حب الشباب في الوجه ونمو شعر الجسم الزائد وفقدان الشعر المتسارع والصلع الذكوري، وعلى المدى البعيد تتمثل آثاره في عدم انتظام دقات القلب وضعف القدرة الجنسية بسبب تأثير هذا الهرمون على الجسم واختلال منظومة إنتاج هرمون الذكورة بشكل كامل في الجسم، محذرا من خطورة الأمر الذي يرصده من واقع عمله قائلا:" حالة الفراتي مثال على كارثة صحية ألمت بالمريض".
إقبال على الأنواع الرخيصة
يوفر المتدرب وبائع الهرمونات بالجملة، علي يوسف، نوع أكوابويز الحيواني لزبائنه بعد الحصول عليه من المستودعات الطبية البيطرية، كما يحصل على النوع الإيراني من مسافرين يهربونه وسط أمتعتهم، مؤكدا لمعد التحقيق أن الهرمونات الحيوانية يقبل عليها ذوو الدخل المحدود أو المتدني وغالبيتهم من العمالة خاصة من الجنسية الهندية.
يستخدم مرتادو نواد رياضية هرمون "أكوابويز" الحيواني
هذا ما يؤكده الفراتي بقوله إنه كان يشتري هرمون أكوابويز من المستشفى البيطري في منطقة كبد التابعة لمحافظة الجهراء شمال غرب الكويت، بسعر ستة دنانير، أي ما يوازي 20 دولارا أميركيا للعلبة الواحدة.
ويبين الكندري أن ضرر الهرمونات القادمة من إيران أكبر لأنها رديئة الصنع، إذ لا يعرف أحد مكوناتها إضافة إلى سوء التخزين في درجة حرارة عالية، ما يفسدها ويزيد من أضرارها الصحية، وضرب المثال بمريض أصيب بإنهاك في القلب وتزايد في إفرازات الغدد بسبب الهرمونات الإيرانية التي استخدمها بشكل مكثف ودون مراعاة ظروف التخزين، إذ كان يحتفظ بها في الكرسي الخلفي لسيارته في درجة حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية صيفا.
كيف تدخل الهرمونات إلى الكويت؟
تهرب الهرمونات الإيرانية إلى الكويت عبر المنافذ الرسمية البرية والبحرية، وفق ما يقول حسين رضا، وهو مدرب كمال أجسام وبائع هرمونات إيرانية يقرّ بأنه قام بدسها وسط أمتعته أكثر من مرة أثناء عودته من إيران بلده الأم، ويضيف:" في حال قيام السلطات الجمركية باكتشاف وجود الهرمونات بين أغراضي يتم مصادرتها وإتلافها بعد التأكد من أنها ليست مواد مخدرة، وهو ما تم من قبل في مطار الكويت عام 2017 على يد المفتش الجمركي، لكن لم أوقع على تعهد ولم يتم اتخاذ إجراء قانوني ضدي".
ويرد فايز الفضلي، المفتش العام في الإدارة العامة للجمارك، قائلا: "نفتش أي شحنة أدوية أو مواد طبية تدخل إلى الكويت ونتأكد من امتلاكها لرخصة من قطاع الرقابة الدوائية في وزارة الصحة قبل السماح بدخولها، لكن بعض الشحنات تهرب مع المسافرين على الرغم من ذلك". ويؤكد الفضلي أن الجمارك تضبط هذه المواد وتتلفها بشكل دوري، لكنه لا يمتلك حصرا لعدد الضبطيات المشابهة كما يقول.
حقن ملقاة في الشارع
في جولة ميدانية لمعدّ التحقيق على نواد رياضية وثق توفر الهرمونات في 5 منها بعد ما لاحظ وجود كمية من الحقن المستخدمة ملقاة على الأرض خارج النادي، وبالفعل اتفق مع مدربين يعملون فيها على شراء هرمون النمو وهرمون الضخامة Nandrolone Decanoate ناندرلون ديكانوت (ستيرويد ابتنائي من المشتقات الاصطناعية لهرمون التستوستيرون) إيرانيي المنشأ.
400 ضبطية قضائية شملت الصيدليات والأندية بين عامي 2017 و2019
وترد وزارة الصحة مؤكدة لـ"العربي الجديد"، أن قطاع الرقابة الدوائية ينفذ جولات تفتيشية على الأندية والصيدليات للتأكد من عدم قيامها ببيع واستخدام هذه الهرمونات المحظورة، بحسب وكيل وزارة الصحة المساعد لشؤون الرقابة الدوائية الدكتور عبدالله البدر، موضحا أن الوزارة نفذت 400 ضبطية قضائية بين عامي 2017 و2019، بحق الأندية والصيدليات وجرى إغلاق بعضها لفترة مؤقتة استنادا إلى المادة 12 من قانون رقم 28 لسنة 1996 لتنظيم مهنة الصيدلة وتداول الأدوية والتي تنص على أن "لوكيل وزارة الصحة بعد موافقة اللجنة المشار إليها في المادة 17 من هذا القانون إلغاء الترخيص وغلق الصيدلية أو المستودع أو المصنع أو المكتب العلمي إداريا إذا أسفر التفتيش عن وجود مخالفات ولم يتم إزالتها خلال المهلة التي تحددها الوزارة، ويكون التظلم من هذا القرار أمام وزير الصحة".
ثغرة قانونية
لا توجد عقوبة محددة وواضحة لإدخال الهرمونات بغير الطرق الرسمية، بحسب المحقق في وزارة الداخلية محمد الشطي، لكن تهريبها بكميات كبيرة يخضع للقرارات التي تمنع إدخال أدوية غير مرخصة للبلاد وهي عقوبة لها غرامات تصل إلى ألف دينار كويتي (3325 دولارا) مع توقيع تعهد بعدم تكرار الفعل، كما أن استخدامها غير مجرّم في الكويت ولا يوجد قانون خاص ينظم تداولها ويفرض عقوبة على مستخدميها، لأن الهرمونات لا تصنف ضمن المواد المخدرة التي يعاقب القانون على تعاطيها، كما أوضح الشطي.
وبينما تلاحق وزارة الصحة من يعرض المكملات الغذائية غير المرخصة عبر القانون رقم 38 لسنة 2002 الخاص بتنظيم الاعلان عن المواد المتعلقة بالصحة والذي حظر في مادته الأولى الإعلان عن تلك المواد وغيرها بغير الحصول على ترخيص من وزارة الصحة ووضع عقوبة السجن لمدة عام أو غرامة قدرها ألف دينار (3325 دولارا) على من يقوم بارتكاب هذا الفعل، إلا أن هذا القانون لا ينطبق على باعة الهرمونات أو من يهربونها وفق ما يقول المحامي أمام المحكمة الدستورية ومحكمة التمييز سعود السالم، مؤكدا أن القانون معني بمعاقبة من "يعلن عن بيع أدوية ومواد غير مرخصة، لا من يجلبها من الخارج ولذلك لا تجري إحالتهم للتحقيق لدى توقيفهم في الجمارك، ويكتفى بمصادرة الكميات وفي حال كانت قليلة يتم توقيع تعهد بأن جلبها من أجل الاستخدام الشخصي، وهو ما يؤكده الفضلي قائلا: "المدربون أو باعة الهرمونات لهم زبائن محددون وبعضهم حتى لا يلفت الأنظار يقسم الكمية على أكثر من شحنة حتى يمكنه الادعاء بأنها للاستخدام الشخصي".