كان لوجود الجيش العراقي خلال حرب سنة 1948 في شمال فلسطين الأثر الكبير في نسيج الخيوط الأولى للعلاقة مع المهجرين من الأراضي الفلسطينية، وعلى وجه التحديد من مدينة حيفا وقراها، إذ عمل الجيش العراقي على نقل جزء من هؤلاء المهجرين إلى العراق، خلال الحرب وبعدها، بناء على طلب من الحكومة العراقية.
تفيد الإحصائيات أن عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا إلى العراق سنة 1948 تتراوح ما بين 3 آلاف إلى 5 آلاف لاجئ.
ينحدر اللاجئون الفلسطينيون في العراق من قرى حيفا، وعلى وجه التحديد من ثلاث قرى وهي (عين غزال – جبع – إجزم) أما النسبة المتبقية فتنحدر من قرى (المزار - الطيرة – صرفند – عتليت – أم الزينات – كفر لام – المنارة – الطنطورة – أم الفحم – عين حوض)، كما ينحدر بعض العائلات من (يافا وقراها - حيفا - القدس - نابلس -عكا – جنين).
تولت وزارة الدفاع العراقية رعاية اللاجئين الفلسطينيين بعد وصولهم إلى العراق، وتم توزيعهم على مقار ومؤسسات حكومية للسكن فيها.
كان اللاجئون الفلسطينيون يحصلون على مخصصات من الطعام والغذاء بشكل دائم كباقي قطعات الجيش العراقي، واستمر هذا الوضع حتى عام 1950، حين انتقلت إدارة شؤونهم إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ضمن مديرية خاصة أطلق عليها "مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق"، والتي من خلالها أُعيد توزيع سكنهم وفق نظام السكن الجماعي في الملاجئ.
سياسة الحكومات العراقية تجاه اللاجئين الفلسطينيين
دأبت حكومة العراق منذ البداية على تعريف اللاجئ الفلسطيني بأنه الذي دخل إلى الأراضي العراقية وأقام فيها منذ سنة 1948 ولغاية سنة 1950، وفق هذا التعريف فإن أي فلسطيني قدم للإقامة بعد هذا التاريخ لم تتم إضافته إلى سجل اللاجئين الفلسطينيين.
كان الوضع القانوني للفلسطيني في العراق مثاراً للجدل في الأوساط الفلسطينية داخل العراق وخارجه، منذ الوجود الفلسطيني في العراق عام 1948 إلى يومنا هذا، إذ لم يكن هناك قانون واضح وصريح ينظم حياة اللاجئين الفلسطينيين، رغم تعاقب الحكومات العراقية من الملكية إلى الجمهورية، وعلى الرغم من إعلان الحكومة العراقية أنها تعامل الفلسطيني معاملة العراقي، إلا أنها كانت تصدر الاستثناءات والتعديلات والتوضيحات التي كانت تكبل الفلسطيني وتمنعه من القدرة على العيش والاستقرار، وبقي الوضع على ما هو عليه طيلة تلك السنوات التي رافقت الحرب العراقية الإيرانية والحصار الاقتصادي فترة التسعينيات، حتى عام 2001 وذلك حين أصدر مجلس قيادة الثورة آنذاك القرار رقم 202، والذي ينص على أن "يعامل الفلسطيني معاملة العراقي، ما عدا خدمة العلم والجنسية والحقوق السياسية من انتخاب وترشيح، ويعتبر هذا القرار أفضل قرار صدر بحق الفلسطينيين في العراق بعد تلك السنوات العجاف بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، والذي تضمن عقوبة لكل موظف لا يطبق هذا القرار الذي يحمل الرقم 202 لسنة 2001.
واستمر العمل بالقرار 202 حتى عام 2017 وبالتحديد حين صدر قرار 76 الذي ألغيت بموجبه حزمة من القرارات والقوانين التي تعود إلى مجلس قيادة الثورة المنحل، ومن بينها القرار 202، وترتب على قرار الإلغاء عدة نتائج، منها حرمان عائلة الفلسطيني المتقاعد المتوفى من الاستفادة من الراتب التقاعدي وحجب البطاقة الغذائية، ومنع راتب الرعاية الاجتماعية عن كبار السن والمعاقين والأيتام.
ويُضاف إلى معاناة فلسطينيي العراق، أن العراق رفض منذ تشكيل وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" عام 1949 أن يكون المنطقة السادسة من مناطق عمل "أونروا"، حين تعهد العراق لـ"أونروا" بوضع إمكانياته للإشراف الكامل على شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وتقديم المساعدات كافة لهم مقابل عدم دفعه أية تبرعات مادية لـ"أونروا" مع احتفاظ الفلسطينيين بجنسيتهم.
الاحتلال الأميركي.. معاناة مضاعفة
شكل الاحتلال الأميركي للعراق بداية لمرحلة من الفوضى والمعاناة لعموم الشعب العراقي، كما أثار الأحقاد والضغائن الطائفية، حيث شجع الاحتلال على عمليات القتل والنهب والانتقام، التي كانت المليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية أداتها الأولى.
لم يكن اللاجئون الفلسطينيون بمنأى عن هذه الأوضاع المتردية، خصوصاً حينما تم تصنيفهم طائفياً داخل الفوضى العراقية، فضلا عن اعتبارهم من المحسوبين على النظام السابق، وهو ما غذّته أحزاب وحركات سياسية دينية مرتبطة في الأغلب مع إيران.
شكل الاحتلال الأميركي منذ اللحظات الأولى عبئا كبيرا على الفلسطينيين في العراق وصل إلى قصف مجمع البلديات السكني، وهو أحد أكبر التجمعات الفلسطينية في العراق، بطائرات أباتشي حين دخوله لاحتلال المناطق المحاذية للمجمع، ومن ثم قصفت المجمع مرة أخرى بالقنابل العنقودية، واقتحام السفارة الفلسطينية في بغداد، واعتقال القائم بالأعمال وكادر السفارة لأكثر من سنة في أم قصر.
ومنذ احتلال العراق تولت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية المسؤولية عن اللاجئين الفلسطينيين، وعانى الفلسطينيون مشاكل تتعلق بتجديد بطاقة الإقامة شهرياً، ومن ثم أصبحت كل ثلاثة أشهر، مع ما يترتب على ذلك من تعقيدات ومعاناة عند مراجعة الفلسطيني لأية دائرة حكومية، ويجبر الفلسطيني على أن يصطحب عائلته كل شهر أو كل ثلاثة أشهر إلى دائرة الإقامة.
وشهد عام 2006 العديد من عمليات التهديد والخطف والتعذيب والقتل والتهجير. كان عاماً يصعب على أي فلسطيني عاش في العراق أن ينساه، إذ استطاعت خلاله الأحزاب والمليشيات الطائفية قتل أكثر من 600 لاجئ فلسطيني، وتهجير أكثر من 25 ألف لاجئ فلسطيني إلى المخيمات الحدودية والبلدان المجاورة، إذ توزع اللاجئون الفلسطينيون في مختلف دول العالم.
داعش.. قصف وتهجير وقتل
ما عاناه اللاجئون الفلسطينيون في العراق جراء دخول تنظيم "داعش" الإرهابي للمحافظات الشمالية (نينوى – صلاح الدين – الأنبار) يتشابه مع معاناة العراقيين، إذ هجرت عشرات الأسر الفلسطينية إلى إقليم كردستان، حيث سكنت 20 عائلة في مخيم بحركة في إربيل، والباقي سكن المدينة، أما من تبقى من الفلسطينيين الذين لم يستطيعوا الخروج فالتزموا بيوتهم في الجانب الأيسر من مدينة الموصل، وهم قرابة 200 أسرة فلسطينية، تعرضوا إلى القصف من جراء الحرب بين القوات الحكومية و"داعش" وقتل بعضهم وأصيب عدد منهم، ولا يتوقف الوضع على هذا، فالجميع يعلم الأوضاع الاقتصادية التي مرت بها مدينة الموصل، والتي وصل فيها سعر كيس الطحين إلى أرقام خيالية، خاصة في فصل الشتاء.
* حسن الخالد / باحث في الشأن الفلسطيني في العراق